مكعب كبير موضوع في الداخل، صُفّت عليه مئات المغانط، ومغطى بملايين ذرات برادة الحديد التي تشكّل تموجات معوية بدت كما لو أن ديداناً سمينة تترصد تحت سطح هيكل التمثال. منحوتة (مهد العالم)/ 1992- 1993؛ تجذب الزوار إلى معرض استيعادي للفنانة الفلسطينية منى حاطوم في تيت مودرن. وبالإضافة إلى ذلك العمل المثير؛ يضم المعرض مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية، من بينها تركيب (مسكن)/ 1996؛ وهو بشكل سجن بانوبتيكون، و(حكم مخفف)/ 1992؛ حيث توجد لمبة مضيئة وسط رف من الأقفاص، خالقة ظلالاً متحركة. هذه الأعمال وأعمال مثل (جسم غريب)/ 1994. وفي مساحة عرض دائرية يشاهد الزوار فيديو لتنظير جسم حاطوم، والعمل يستكشف القلق الرئيس لعملها، أي المراقبة، متضمناً ذلك المراقِب والمراقَب.
عمل آخر هو (في طريقي إلى بيتي)/ 2000؛ يحتل الصالة كلها. حيث صوت ماس كهربائي يصدر عن أجهزة منزلية موضوعة داخل حاجز من الأسلاك تشغل النصف الأول من المعرض بكامله.
هنا يجد المشاهدون بعض أعمال حاطوم الأكثر عبثية وسوداوية، مثل (مبشرة)/ 2002؛ وهو عبارة عن مبشرة جبن عملاقة بشكل فاصل غرفة، وعمل (كنبة سرير)/ 2008؛ الذي يظهر بداية وكأنه قطعة أثاث، لكنه في الواقع واجهة كبيرة لمبشرة أيضاً، وبنظرة سريعة نراها تشبه القوائم المضحكة لشخصية الذئب الكرتونية “وايل إي. كويوتي”، والتي يستخدمها للقبض على طائر الجوّاب الكبير “وود رنر”، وفي ذات الوقت تبدو تحذيراً من الشعور الكاذب بالأمن الذي نطمئن له في الحياة اليومية.
مع ذلك لم يكن المعرض كشفاً تسلسلياً لإنجازات حاطوم النحتية. إذ أن الكثير من الأعمال الفنية التي عرضت – والتي تجاوزت المائة – جاءت مباشرة من الأرشيف الشخصي للفنانة، فيما بعض اللوحات الصغيرة نادراً ما عُرضت.
قبالة (مهد العالم) يعرض عمل كبير من معرض 1985 مسنوداً إلى الجدار، يُظهر حاطوم وهي تمشي حافية في منطقة بريكستون في لندن، وفردتي حذاء من ماركة دوك مارتينز مربوطين على كاحلها، وقد كان ذلك قبل عدة شهور فقط من اندلاع أحداث الشغب الناجمة عن التوترات العرقية في المكان ذاته، وتدل هذه الصورة على أداء حاطوم السياسي وتحمّلها داخل المعرض.
يضم عمل (طاولة الحوار) وثائق مؤطرة ونصوصاً وصور مستندات ولوحات، وفي ذات الوقت يوثق أداء حاطوم، حيث تستلقي على طاولة ملفوفة بالبلاستيك، ومغطاة بالدماء مثل أضحية تقدم للجمهور. وفي أداء آخر موثق ومغطى بالتراب (وضعية: معلقة)/ 1986؛ وضعت حاطوم جسدها داخل كوخ دجاج مسوّر بالأسلاك يوماً كاملاً، ودعت الجمهور لمشاهدتها تذرع المكان الضيق جيئة وذهاباً، وكذلك في مشهد (لا تبتسم؛ أنت على الكاميرا)/ 1980؛ فيديو صوّرته حاطوم لجمهور جالس، تتخلله مشاهد حقيقية لعملية التوثيق تلك، ويعرض الفيديو صوراً بصرية منفصلة لأجزاء عارية من الجسم، وصور أشعة سينية تمثل الطبيعة الانتهاكية للكاميرا للجسد وحدوده.
كانت لوحات حاطوم كذلك منبراً بارزاً في المعرض الذي ضم أعمالاً بقلم الحبر والرصاص، وبالشعر، أو بحرق الخطوط والأشكال على سطوح مختلفة. وما كان قوياً بصورة خاصة هو سلسلة مكونة من خمس لوحات من دون عنوان، تعود إلى عام 1999، حيث تم فرك ورق الشمع الياباني بالمصافي والمباشِر، لتقدّم كل لوحة ملمساً يبرز الثأثير بين تلك الأشياء والسطوح.
بعد تلك البدايات القوية؛ أظهر المعرض بعض علامات التعب في قسمه الثاني. ففي العمل الحركي )+ و )/ 1994 2004؛ الذي يصور شكلاً محززاً يتحرك بإشعال النار تحته ليخلق نتوءات دائرية ويمحوها كالحفر في الرمل، وعمل التيار الخفي (أحمر)/ 2008؛ وهو عبارة عن سلك كهربائي منسوج ومصابيح تبدو مكتظة داخل صالة العرض. ويمكن أن يقال الشيء ذاته عن (اضطراب أسود)/ 2014؛ وهو تشكيل دائري لمئات الأشياء السوداء والرخام الزجاجي الذي يشبه الكافيار، لكن لم يكتمل تأثير هذا العمل، لأن الزوار لم يكن بمقدورهم المشي حوله أو مشاهدته عن كثب. ومع ذلك كانت لا تزال هناك أناقة حقيقية في ذلك المعرض الاستيعادي، حيث تختبر حاطوم في أعمالها تأثير البنى والأفكار الاجتماعية على الجسد، في حين أنها تستكشف بفعالية الشاذ والغريب والشعور بالظلم والعنف الموجودين في حياتنا.