كان كلينتون إنغ على مدى الأعوام الستة عشر الماضية معروفاً كواحد من أطباء الصف الأول في تشخيص الجهاز الهضمي في أستراليا، وهو دائماً في مهمة استشارية في أحد مستشفيات سيدني العديدة. لذلك من الصعب – إلى حد ما – أن نتخيله وهو يكنس الغبار في البيت عن تمثال إيكو نوغروهو أثناء ساعات فراغه وخارج العمل. كان هذا المشهد هو الذي رأيته عندما التقيته أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الفائت.
التمثال للفنان الأندونيسي نوغروهو، واسمه كيبالا وتوبوخو تيلا بيربونغا أونتوكمو/ 2009، أي (أنا أنبت الزهور من أجلك)، كان قد اشتراه إنغ عام 2013 من صالة أراريو في سيول، وهو تمثال بحجم إنسان طبيعي جاثٍ على قدميه، يتكئ على جمجمة مربوطة بأنابيب وبإكليل ورقي ينبت من رأس الرجل. قال إنغ بحسٍّ ساخر: (ربما هو “محشش!” عمل نوغروهو هذا واحد من أصل 400 عمل معاصر من ضمن مجموعة إنغ، والتي تضم أعمال أكثر من 150 فناناً. وهو يحتفظ بجزء منها في شقته الصغيرة في سيدني، والبقية في مبنى آمن يملكه في المدينة.
ولد إنغ في ماليزيا، وهو صيني – ماليزي. انتقل إلى أستراليا في سن الـ16 لمتابعة دراسة الطب، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة سيدني عام 2001. درس حركية الجهاز الهضمي، وتحديداً متلازمة الأمعاء المتهيجة. بدأت رحلته الشخصية لجمع الأعمال الفنية أثناء دراسته الطب، وقال لي عن دراساته: (كنت أشعر بالضجر، ولم أكن مستمتعاً بدراستي، فبدأت أبحث عن الفن عبر الإنترنت، وأزور صالات العرض. وهو ما أبقاني عاقلاً). كانت أولى مشترياته أعمال فنانين أستراليين، مثل شون غلادويل، وريكي سوالو، والنحات جيمس أنغوس. لكن مع نمو ثقته بحُكمِه، تحوّل تركيزه إلى الفن العالمي. والآن تتكون مجموعته الفنية من اللوحات إلى الصور الفوتوغرافية، و40% من الفنانين الذين اشترى من أعمالهم مقيمون في الولايات المتحدة وأوروبا.
أصر إنغ على مرافقتي في جولة داخل شقته، بادئاً بلوحة زيتية معلقة على الباب الأمامي، وهي للفنان أدرينغنيه من ضمن سلسلته
(Pie Fight Interior 9 )/ 2012. كانت الأعمال معلقة في كل أرجاء الشقة التي بدت مثل صالون مكتظ، حيث تُعرض لوحات للعديد من الأسماء المعروفة: أولافور غلياسون، باتريشا بيتشنيني، تريسي موفات، إيلمغرين، دراغسيت، أحمد السوداني، هوما بابا، وجوناس وود. فيما يطغى على غرفة المعيشة العمل المبهر للفنان البرازيلي فيك مونيز: (صور من مجلات2)/ 2012، بالإضافة إلى نسخة جريئة من عمل مانيه (A Bar at the Folies-Bergère)/ 1882؛ المصنوع من آلاف الصور الممزقة من المجلات.
في غرفة النوم الرئيسة صورتان فوتوغرافيتان أساسيتان، صورة (دان)/ 2008؛ المشحونة جنسياً للفنان ولفغانغ تيلماس، وصورة (حشد #2 – إيمّا)/ 2012؛ للفنانة أليكس براغر، وهي صورة كبيرة مأخوذة بعناية لامرأة ضائعة داخل حشد من الناس، كانت قد أعيرت لصالة فيكتوريا الوطنية من أجل معرض براغر الأول في أستراليا عام 2014. قال إنغ عن الصورة: (أعمال براغر مطلوبة، وليس من السهل الحصول عليها بعد أن استحوذ عليها متحف نيويورك للفن الحديث عندما اشتراها عام 2013 بعد أن بحث عن تاريخها، وقام بعملٍ كبير على التفاصيل. وأخبرني متابعاً: (تيلمانس عنده معرض في تيت مودرن هذا العام، وأعتقد أن شهرته ستزداد باضطراد. أحب النوع السريالي من الأعمال، وأيضاً الإحالات الكلاسيكية للنحت الإغريقي. هذه الصورة سأعيرها لصالة الفن في جنوب أستراليا في آذار/ مارس لعرضها في معرض عن الفنان رودان).
في غرفة النوم مجسّم صغير للفنان الكولومبي أوسكار موريللو، وهو عبارة عن أقفاص فولاذية مقاومة للصدأ، وكرات صنعت من كناسة أرضية استوديو الفنان. والعمل الذي يذكر بأن والديّ موريللو كانا عاملين في مصنع. وقد كان موجوداً إلى جانب قطعة كيمونو ناعمة ومميزة للفنانة تشيهارو شيوتا. قال إنغ (موريللو هو الولد المتمرد في عالم الفن الآن). مشيراً إلى حادث وقع العام الفائت، عندما رمى الفنان جواز سفره البريطاني في مرحاض الطائرة أثناء رحلته إلى سيدني، احتجاجاً ضد امتيازات الثقافة الغربية. كان من المقرر أن يشارك مجسماً لموريللو في بينالي سيدني 2016، لكن بدل ذلك – وفور وصوله – تم اعتقاله وترحيله إلى سنغافورة. لم يعرض العمل غير المكتمل (تعرجات/ حائط)/ 2016؛ الذي كان سيستخدم قطع قماش سوداء تمتد بين كومة من طاولات تشريح، ما جعل إنغ يشعر بخيبة أمل مريرة، وهو الذي كان قد رعى العمل.
تبدو فلسفة إنغ بجمع الأعمال الفنية بديهية، لكنه جمعها بالعمل الدؤوب والبحث المكثف، فهو يجمع للفنانين “الذين يثيرون ضجة”، أو الأعمال التي يعرف أنه لن يتمكن من إهدائها أو إعارتها للمتاحف الأسترالية فيما بعد. هو على قائمة القيمين في صالة فنون مؤسسة نيو ساوث ويلز، ويريد عرض مجموعته للعامة عبر إعارتها لصالات محلية وخارجية، وحتى الآن أعار وتبرع لمؤسسات فنية بحوالي 100 عمل من مجموعته.
من المعروف عن إنغ أيضاً أنه يشتري أعمالاً مهمة يشاهدها في الإنترنت، أو عبر الهاتف الذكي، فعلى سبيل المثال عندما تواصلت معه صالة ديفيد كوردانسكي في لوس أنجلوس، وأخبرته عن تمثال توبا أورباخ الجديد، التقط العمل واشتراه بلا تردد، والعمل ثقيل، لكنه منحوت بصورة معقدة، واسمه (The New Ambidextrous Universe V)/ 2014؛ وهو الآن حيث يخزن إنغ أعماله. قال لي إنغ: (أعمال توبا مطلوبة جداً. بدأت أهتم به منذ فترة قصيرة، وعندما عرضت عليَّ الصالة المجسّم أخذته فوراً).
الأعمال الكبيرة التي لا تتسع لها شقته، أو تلك التي يشعر أنها تتلف في التخزين؛ ستصبح في النهاية هدايا ثمينة للمؤسسات، مثل تمثال توماس هيرشهون الضخم المغطى من قمة رأسه إلى أخمص قدميه بالمسامير النحاسية اللامعة، وهو الآن في صالة فنون مؤسسة نيو ساوث ويلز. ومع ذلك وجدتْ بعض الأعمال مكانها في الشقة بصرف النظر عن الحجم، مثل الكولاج الكبير على القماش لشو تشن (Sleeping Life Away)/ 2011؛ والعمل طويل جداً عندما يوضع واقفاً، لذلك وضع على جانبه عند استلامه. وعلق عليه إنغ وهو يتنهد بحسرة ونحن نقف في الممر الضيق حيث وضع العمل: (إنه عمل جميل)، وما يزال مغلفاً ببلاستيك ذو فقاعات هوائية لحمايته. (عندما تصل إلى مرحلة تتخذ فيها قرارَ شراء عملٍ ما دون الاهتمام بكيفية الاحتفاظ به، عندها يتبين لك أنك مدمن). كما هناك عمل كبير مغلف أيضاً للفنان الأفريقي الأميركي راشد جونسون (Color Men)/ 2016، وستتم إعارته لصالة فنون مؤسسة نيو ساوث ويلز لتقديمه في معرض جماعي هذا العام.
نزع إنغ زاوية الغطاء برِّقة، ونظر إلى الداخل: صنع العمل ذو البعدين من عشرات البلاطات الصغيرة الملونة بالشمع الأسود الموضوعة بشكل رؤوس تجريدية تشبه أعمال جان ميشيل باسكيات.
مؤخراً بدأ إنغ بإعادة تقييم حياته وأوليات العمل لأسباب صحية، وناقش معي المستقبل الملموس للفنون. قال إنغ: (تخصصت في تشخيص أمراض الجهاز الهضمي على مدى 15 عاماً، ولست متأكداً إن كان ذلك هو شغفي الحقيقي، في المستقبل ربما سأبدأ كمرشد فني لأنّي أحب مساعدة المقتنين الآخرين. وأخطط لتوسيع أماكن تخزين أعمالي الفنية وجعلها صالة عرض خاصة. وسيكون عندي أعمالاً معروضة، أو ربما سيكون لدي بعض الأيام المفتوحة للزوار). بالنسبة لإنغ تعتبر المشاركة في الفن جزءاً من مسؤولية المقتنين: (أعتقد أن الأعمال يجب أن تشاهد).
To read more of ArtAsiaPacific’s articles, visit our Digital Library.