إن المجموعة الفنية العالمية “ليو داو” ـ والمعروفة أيضاً بــ"جزيرة 6" ـ التي تتكون من أعضاء من الصين، وتايوان، وفرنسا، ولاتيفيا، والولايات المتحدة، هي منظمة منتقاة من مصممي رقص، ومبرمجين، وتقنيين، وكتَّاب، ومنتجين، وحتى محنطي حيوانات، وهي تهدف من خلال تجارب تفاعلية إلى إنتاج فن كوزموبوليتاني يخترق بسهولة الحدود والوسائط الفنية.
بعد مرور ثلاث سنوات من المشاريع الخاصة لمعارض مثل “أرت هـ. ك” و"أرت باريس" يأتي أول معرض فردي للمجموعة، وهو مشروع حمل اسم “حديقة الأبخرة الخريفية” الذي أقيم في “فضاء لوي فيتون الثقافي” في "تايبيه"، ويقدم المعرض معالجة معاصرة للفن الصيني التقليدي.
تكوّن المعرض أساساً من تراكيب ورقية كبيرة مؤطرة ومشقوقة على شكل شجر الساج، لمشاهد حدائق صينية كلاسيكية تكثر فيها الأشجار المتفتحة ومساكن القرى، وقد ابتكرت قصاصات الورق الصينية في عهد أسرة “هان” الشرقية (250-25م)، وذلك بعد اختراع الورق من لب الخشب بوقت قصير، وبحلول القرن الخامس عشر أصبح هذا المكون التزييني جزءاً أساسياً في الثقافة الصينية، وفي القصاصات التقليدية تساعد أشكال الشقوق الصارخة على توفير قدر من الأبعاد والمنظورية في سطح الورقة المسطح، وتبالغ “ليو داو” في توظيف هذا الخداع البصري من خلال تحريك شخصيات مكونة من صمامات ثنائية باعثة للضوء، وفي عمل تصفيق في “اكسيهوان غبانا”(2010) يظهر صف من أشجار النخيل التي تتخللها فراشات رقمية راقصة تطلقها لوحة موضوعة في الخلف، وبإمعان النظر في العمل يظهر أن الحشرات المنقَّطة باللون الأحمر تتفتت إلى نماذج من شبكات نقطية، ويوضح الفنانون: (الصمام بحد ذاته يفتقر للشكل والمعنى… والصمامات المتصلة في إطار كبير هي وحدها ما يمنحها لقب العنصورة1 ـ أي عنصر الصورة ـ، وهذا يكسبها سياقاً وغاية)، وبهذا المعنى فإن شاعرية الصمام الوامض تؤكد مجدداً أهمية الجماعية سياسياً أو إبداعياً أكثر من الفردية.
في عملَي قصة “حب بين سمكة وزهرة”، و"ضفدع قذر عالق ببطن قط ثلاثية الضوء" (2009) تتداخل دوائر الضوء المنعكسة بخفة مع قصاصات الورق، حيث تظهر صمامات لها شكل أسماك سابحة وهي تدور مباشرة تحت كتلة من قصاصات عشب البرك، ماسة القصاصات مراراً وتكراراً بزعانفها، وتوحي الحلقات الرقمية التأملية بالطبيعة اللامتناهية للحب، وقدرتها على التجدد، في حين تخدم القصاصات الهادئة نفسها كمسكنات ألم بصرية، وقد استطاعت “ليو داو” من خلال جمعها بين الوسائط التقليدية والأخرى التكنولوجية الحديثة إعادة الحياة لإستراتيجيتي التمثيل هاتين، مع ضمان لذة الإدراك والتفاعل اللعوب في فضاء العرض.
أما عمل “السعادة المزدوجة” (2009) فقد لامس قلقاً أعمق يتعلق بالصدام بين التقليد والحداثة، ففي هذا العمل يظهر صمام على شكل فتاة تلعب لعبة نط الحبل في ساحة تتوسط قصاصات على شكل مساكن قرية، وأخرى بشكل بناية سكنية شاهقة، وهو ما يشكل توسطاً محفوفاً بالمخاطر بين قديم ينهار وجديد يفرض نفسه، فيما يعكس وضع الفتاة حالة التقاليد الصينية العتيقة المهددة، وحالة العمل نفسه، وذلك بتكونه من وسيطتين فنيتين نقيضتين، ومن هذا المنظور فإن المتفرج لا يسعه إلا أن يرى في فضاء صالة العرض وعملية إنتاج الفن نفسها مساحة من سلام مؤقت.
وتشير كلمة “حديقة” في عنوان العمل إلى الحدائق العامة الموجودة في الصين المعاصرة بكثافتها السكانية الحضرية، والتي توفر أماكن للتحرك بحرية، وهنا يستطيع الناس الاختيار بين المشاركة في تدريب منظم صارم، أو الرقص الفولكلوري الجماعي، أو عدم فعل أي شيء أبداً.
وأياً كانت الطريقة، فإن أماكن الترفيه المرتجلة هذه ترى النور عبر تخطيط مقصود اقتطع من واقع الحداثة الأكثر إلحاحاً، والفتاة التي تنط الحبل باستمرار في “السعادة المزدوجة” توحي ـ كالحدائق ـ بالحرية في الظاهر، في حين أنها ـ حقيقة ـ تعيش حالة عدم يقين عملية، مثل انتظار عقيم لا ينتهي، وتحت المظهر الخارجي لــ"حديقة الأبخرة الخريفية" تتضافر عناصرها الكثيرة لخلق توتر شديد يناقض ما تظهر به من هزل ومرح.
FOOTNOTES
1 Pixel