مع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن عدد “أرتس آسيا باسيفيك” لشهري تشرين الثاني/ كانون الأول يتأمل في التغيُّرات السريعة التي عرفها المشهد الثقافي منذ رؤية المجلة النور في العام 1993 الذي كان حاسماً في عالم الفن، وخصوصاً بالنسبة لشخصيتين فنيتين عالميتين لا رابط بينهما، أولاهما: قيِّم المتاحف البيجيني “لي إكسيانتنغ”، والفنان النيويوركي “أشلي بيكيرتون”.
وإذا وضعنا جانباً هذين الشخصين المختلفين ظاهرياً، الموقرين لخروجهما عن المألوف، فإن هذا العدد يتابع عمل الفنانين، ومهندسي العمارة، وصنَّاع الأفلام، وقيِّمي المتاحف الذين يشكِّلون العالم من خلال الفن، مستندين على وسائل مختلفة بعض الشيء، وعلى إستراتيجيات بديلة وبحث علمي دقيق.
ومن هنا، فإن هذا العدد الحادي والسبعين يدافع عن الفرد، ويصغي للكلمات التي نادراً ما تقال.
تبدأ تحقيقات العدد من خلال تتبع حياة وعمل الفنان الكبير “لي إكسيانتنغ” المولود في عام 1949، والذي يمكن وصفه بأنه أكبر نصير للفن الصيني المعاصر في الصين، أو حتى في العالم، وهو الذي يطلق عليه في عالم الفن الصيني ـ تبجيلاً ـ اسم “لاو لي”، أو “الشيخ المعلم لي”.
فيما تتعرض المقالة الثاقبة لمحررنا المشارك “أندرو كوهين” للفنانين الكثيرين الذين علَّمهم “لي” ـ بما فيهم “أي ويوي” و"فانغ ليجون" وفنانو الآونة الأخيرة من “لاسا” ومن الشتات التيبيتي ـ، وكذلك للحركات الفنية التي عرَّف بها، وأذاع صيتها حين كان ناقداً فنياً منذ أواخر السبعينيات وحتى التسعينيات، مثل الواقعية المتشائمة، والبوب السياسي، والفن المبهرج، كما تخبرنا المقالة أيضاً كيف أعاد “لي” تقديم نفسه قيَّمَ متاحف بعد حادث ميدان “تيانانمين” أو “الميدان السماوي” في عام 1989، ليشارك في عام 1993 بتنظيم المعرض التاريخي “فن الصين الحديث بعد 1989”، الذي انتقل من مراكز هونغ كونغ الفنية إلى متحف الفن المعاصر في سيدني، وتطلعنا المقالة أيضاً على كيفية ابتعاد “لي” مؤخراً عن أضواء المشهد الفني المزدهر الذي ساهم بنفسه في نموه.
وفي السياق نفسه يعيد مدير التحرير “ويليام بيم” تقديم الفنان الباربادوسي المولد “أشلي بيكيرتون” الذي اختبر الشهرة يوماً، وكانت أعماله حجر زاوية في حركة “نيو- جيو” الفنية النيويوركية في ثمانينيات القرن الماضي، وذلك قبل أن ينحسر حضورها بعد أزمة عام 1987 الاقتصادية، وقد قال “بيكيرتون” للمجلة صراحة: (لقد تعرضنا جميعنا لهزة بعد الثمانينيات تقريباً، وبعضنا لم ينهض بعدها أبداً)، لكن؛ وبدل أن ينزوي “بيكيرتون” باستوديو ما في ريف نيويورك ـ كما فعل العديد من أقرانه ـ حزم حقائبه في عام 1993 وتوجه نحو جزيرة بالي الأندونيسية، حيث لازال يواصل الإقامة والمشاركة في التيارات الفنية العالمية من بعيد، ومن هنا فإن قصتَي حياة “لي” و"بيكيرتون" تصلحان كدليلين على مدى التحديات والمآزق التي يواجهها عالم الفن يومياً، وبالتالي فإن حضورهما المستمر في عدد المجلة هذا أدى إلى نقاش طويل بين المحررين حول سبب استحقاقهما مكاناً على الغلاف، ومن هنا.. واعترافاً منا بشخصيتين فنيتين تقدمان إسهامات فريدة في آسيا، فإننا نقوم ـ وللمرة الأولى ـ بإصدار غلافين مختلفين للعدد ذاته.
ويلقي هذا العدد أيضاً نظرة على فنانين يتعاملون مع محيطهم اليومي وفق منظور سريالي أو مفاهيمي، حيث تبحر محررة التحقيقات “أشلي رولينغ” في العالم المبهم لفنانة الرسوم المتحركة اليابانية “تابيامو” ذات الخمسة والثلاثين عاماً، والتي ستمثل بلدها في بينالي البندقية2011 من خلال استقصائها القلق الكامن في الحياة اليابانية اليوم، بينما تستخرج “تامي كو روبنسون” الإشارات الخفية والرسائل غير المرئية والأداء المجتمعي في الأعمال الذهنية لفنان سيؤول “إنهوان أوه”، فيما يكشف المحرر المساعد “هاناي كو” عن التقاء ثيمات عالمية ثقافية متعارضة مثل الحب والحرب والتعصب والتسامح، من خلال تنقيبه في الموضوعات التاريخية والدينية التي تزخر بها أعمال الفنانة الباكستانية “حمراء عباس” الفائزة حديثاً بجائزة “أبراج كابيتال” الفنية المرموقة لعام 2011.
وفي باب المقالات يواصل “جوزيف. ن. نيولاند” سلسلة مقالاتنا حول الكتاب كغرض فني، وذلك بفحصه دراسة نادرة للمعماري الياباني “كازيو شينوهارا” التي نشرت في عام 1971، في حين يأمل “جوشوا سيمون” بظهور أسلوب توثيقي في كل من إسرائيل وفلسطين، وفي محور العدد الأول العارضَين في نيويورك وشانغهاي “جيمس وجين كوهان” اللذين يشرحان المبادرات العالمية الجريئة والجديدة لمعارض الفن على شبكة الإنترنت.
إن حصول بورتريهات “بول ساهري” رفيعة الجودة في باب كبار الشخصيات بحصاد مجلتنا الختامي لعام 2010 على جائزة “التصوير الأمريكي” بدورتها التاسعة والعشرين ـ وهي إحدى أرفع الجوائز السنوية في مجال صناعة التصميم ـ، يكشف عن مضاعفة المجلة جهودها في مجال الصور الإيضاحية الإبداعية، وفي هذا العدد قمنا أيضاً بتوسعة المجال البصري لباب (لمحات 2(، وذلك من خلال تفويض فنان لابتكار تفسيراته الخاصة بالأعمال الفنية، والثيمات التي تمت مناقشتها في هذا الباب، ومن أجل هذا الغرض يقوم “بيتي ديفاكل” بالاستجابة لبورتريه “ثورستن ألبيرتز” الذي رسمه للفنانة الإيرانية المولد “سارة راهبار” التي كرست أعمالها الأخيرة لإعادة اكتشاف جذورها وبلدها الذي إثر الثورة الإسلامية التي قامت في عام 1979، فيما يُجري المحرر المشارك “شاناي جافيري” مقابلة مع مجموعة “أوتوليث” المرشحة لجائزة “تيرنر” لعام 2010، والتي تناقش تأثير الفضاء الخارجي والمخرج التجريبي الرائد “كريس ماركر” على أعمالها، في حين يدرس كبير المحررين “دون. ج. كوهن” إرث الفنان الموسوعي “إكسو بنغ”، وعلاقته بفن الخط الصيني، وذلك عشية إقامة معرض كبير له في متحف الفنون الجميلة في بوسطن.
ونتيجة تعاوننا المستمر مع فنانين وقيِّمي متاحف مستقلين، فقد حصلنا على رسم متقن ومبدع من الثنائي المقيم في “يوغياكارتا” الزوجين “إندي غيريلاز”، أما في باب (استطلاع) فقد تم عرض تأملات فنان البوب النيوزيلاندي الأسطوري “بيلي أبل” في الجماليات وسوق الفن، وفي باب (حيث أعمل) نأخذكم إلى استوديو فنان الميديا المتداخلة “دادانغ كرستانتو” في “بريزبين” لنمعن في نتاجه الجديد الذي يواصل استكشاف أفكار الذاكرة الجمعية في عصر من اللايقين.
وتحت عنوان (مراجعات) يتتبع “إيرلند هامر” عرض “كون المفرد جمعاً” لفرقة مغامرة في فن الفيديو الهندي بطيء الاحتراق بمتحف “غوغنهايم” في برلين، أما المحرر المستقل “هـ.ج. ماسترز” فيكشف عن إعادة اهتمام صالة عرض “رامبا” في إسطنبول بفنان الجيل الأول التركي المفاهيمي غير المحتفى به “سينغيز جيكل”، وفي ضوء تركيزنا على حياة وعمل “لي إكسيانتنغ” و"أشلي بيكرتون" فإن هذين العرضين يشكلان دليلاً إضافياً على أن الملاحقة الدائمة لعالم الفن سريع الخطى ليست شرطاً أساسياً كي ينتج الفنان أعمالاً رائدة.