على غرار صناعات الخيال العلمي والقصص المصورة ذات الميزانيات الضخمة في اليابان، تتاجر شركة تاكاشي موراكامي “كايكي كيكي” علناً بالفنون الجميلة، صانعةً كل شيء بدءاً من أعمالٍ تحطم الأرقام القياسية المزادات، ووصولاً إلى التحف التذكارية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار جوهر هذا النموذج التجاري المبني على صناعات تخدم "أوتاكو"، أو ثقافة كثيري الدراسة المنبوذين اجتماعياً، وتَغلغله في الثقافة الرأسمالية الغربية من خلال أشكال نتاجاته الجميلة، والخالية تماماً من العيوب الفنية، مثل "حقائب لوي فيتون التي تحمل علامة “موراكامي” التجارية"، فإننا نرى أن مشروع “موراكامي” في عصر الاضطراب المالي هذا صمد بوجه النقد الذي يحاول ـ ربما ـ التقليل من قيمته.
هكذا كان الحال في المعرض الثالث للفن المعاصر “موراكامي في فيرساي” الذي شهده قصر القرن السابع عشر الشهير، وقد انتقد العرض الجماعات الفرنسية المحافظة التي قالت إنه (فن تجاري)، الأمر الذي أهان قصر لويس الرابع عشر، وأثار موجة اشتباكات بين التقليديين النبلاء والنخب الثقافية الطليعية في فرنسا قبيل افتتاح المعرض في الثالث عشر من سبتمبر الماضي.
وقد استطاعت حملات المعارضة اليمينية التي أطلقت على نفسها اسم “حماة فيرساي”، و “لا للمانغا” جمع أكثر من اثني عشر ألف توقيع على عريضة تندد بما في العرض من “تلوث بصري، واضطرابات ذهنية، وابتذال”، وقد جلبت احتجاجاتها أمام بوابات القصر نفس الاهتمام الذي جلبه المعرض في وسائل الإعلام الفرنسية، وفي الوقت نفسه انتشرت في مواقع إلكترونية فرنسية لافتات مثل (القصر ليس شركة إعلانات)، و(نريد ديمقراطية في فيرساي)، بالإضافة إلى أعمال فنية معاصرة ساخرة صنعها المحتجون، كما بُثت ساعات من تسجيلات فيديو معادية لـ "موراكامي"، وفي نهاية المطاف ضاعفت هذه الضجة من التغطية الصحافية للمعرض، وبالتالي من اهتمام الجمهور به.
رئيس متحف فيرساي “جان جاك إيلاغون” الذي وجد نفسه هدفاً لموجة الغضب العارم هذه، أعلن للصحافيين في الافتتاح الخاص للمعرض عن رغبته بتنظيم (مواجهة بين القديم والجديد) بدل إرضاء بيروقراطية القصر، وقال: (لا نقبل أن يتحول النقاش إلى جدلٍ قائمٍ على التعصب والتحيز)، وأضاف أن محاولات الرقابة هذه تحُول بين الجمهور والثقافة، ومع ذلك فقد خضع منظمو المعرض للضغوط في الثلاثين من سبتمبر الماضي، وأعلنوا أن العروض القادمة في فيرساي ستقام فقط في الطابق الأرضي من القصر.
والمعرض الذي يضم اثنين وعشرين عملاً ـ أحد عشر عملاً نُفِّذ حديثاً ـ يتعقب خط الرحلة عبر الشقق الملكية، وعلى الرغم من أن منحوتة “ذهب بوذا البيضاوي” (2007-2010) ـ وهي عمل برونزي بأوراق ذهبية يرتفع عشرون قدماً، وموجود بين نوافير الحديقة ـ لا يصور الفنان ولا لويس الرابع عشر نفسه، لكن من المؤكد أنه يعبر عن التعاون الأكثر إقناعاً بين الملوك القدامى والجدد.