كان العام الماضي بالنسبة لـ “إيلاد لاسري” حافلاً بالمعارض الفردية، وذلك في متحف الفن المعاصر في سانت لويس، وفي متحف كانتشيل زيوريخ، وشغل أيضاً مكاناً في معرض “التصوير الجديد” السنوي بمتحف الفن المعاصر في نيويورك، كما حصل على ترشيح لجائزة “دويتش بورس”1 في التصوير لعام 2011، ففي العام الماضي كان المشوار يثير إعجاباً يحلم به أي فنان يبلغ من العمر 33 عاماً، حيث أقيم معرض “لاسري” المنفرد الأول في نيويورك والذي ضم 24 صورة، وعرض فيلماً مدته 5 دقائق/35 ملم، وقد كلّل كل ذلك نجاحات العام الماضي، وأتاح فرصة ثمينة للتبصر في الموضة2 في عمل ذلك الفنان.
ويمكن اعتبار “لاسري” مصوراً مفاهيمياً، من حيث أنه يستخدم التصوير وسيلة لمعالجة أفكار متعددة، وذلك بعدد الصور التي يلتقطها، فصوره الفوتوغرافية غامضة ولا تبدو أبداً نتيجة ممارسة شخصية ويدوية تماماً كضغط الزر لالتقاط الصور، حيث تغطّى أصولها المشوّشة بمخزون صور، أو بمقاربات، أو بعمل تجاري مجهول الصاحب، أو بتلاعب رقمي، وإن صورة ( امرأة، رجل)/ 2010، هي لقطة قريبة لزوجين جميلين يقبلان بعضهما أمام شلال ماء، وتبدو الصورة كأنها دعاية فيلم إثارة كما في فيلم “البحيرة الزرقاء3”، والحقيقة أن هذه الصورة 10×8 بوصة توظف الشكل الدعائي المنقرض، أما صورة ( وسادة)/ 2010 فتخلق أشكالاً وردية حريرية وكريمية ممتزجة مع بعضها وكأنها أعضاء، ويبدو شكلاً غريباً بين أثاث “بيير غاردان” الطليعي الفانتازي والنهاية النحتية للوحة لــ"إليزابيث موري"، فتبدو حديثة تماماً ومن بقايا الستينات أيضاً في الوقت ذاته، في حين تظهر صورة ( أسد البحر)/ 2010 وكأنها دعاية فاتنة لحيوان مؤدي، يقف بخفة على حافة بركة، وفي كل مثال عُرض لا تبوح الصورة بأي شيء عن المصور أو عن الموضوع، فقد تكون صورة ( امرأة، رجل) ببساطة دعائية حقيقية لشخص ما ربما يكون الفنان ذاته، وكذلك صورة ( وسادة)/ 2010، أما صورة
( أسد البحر) الفاتنة فلها حياة وغاية في مكان ما، لكن علينا أن نتخلى عن الأمل بمعرفة أي شيء يقيناً في فضاءات “لاسري” الحدّية العنيفة، وإذا كان من ركائز فن التصوير منبع الصورة وسببها وتاريخها الذي يمكن تعقبه حتى مصراع الكاميرا، فإن صور “لاسري” تلك تخلو تماماً من أية معلومات كهذه.
إن صور “لاسري” بتحررها من أي سرد معروف تومض بمؤثرات شكلية وباستنباطات مبنية بحريّة على تاريخ هذا الوسيط، ( كرز، توت العليق، توت) البيضاء/ 2010 هي أساساً دراسة للوحة ألوان الدم المصورة لغاية إغرائية على يد “غاي بوردين” في السبعينيات، كما تتلاعب صورة ( كرز، توت العليق، توت)/ 2010 المعرّقة بألوان وكأنها كدمات لامعة على خلفية ملطخة باللون الأحمر، في حين جاءت صورة (جي أوف4) الملونة بظلالها العميقة؛ من خلال تحميض النيجاتيف5 يدوياً، وكانت على منوال لقطات الرجال العراة6 في منتصف القرن الماضي، وتحاكي صورة ( امرأة)/ 2010 تكلُّف صور الكاتالوجات المرسلة بريدياً، أما الخط الأخضر في صورة ( الطماطم الموروثة )7/ 2010 فيبدو ليس واضحاً، ورقمياً ربما، وكأن الصورة تعرضت أثناء الطباعة إلى زمن مضاعف، وعلى المرء أن يقرّر ما الذي خسرناه بسبب هذا التلاعب.
وهنا تجب الإشارة إلى أن “لاسري” ليس الفنان الشاب الرفيع المستوى الوحيد الذي يستخدم التصوير لخلق صور تعود إلى التاريخ، على الرغم من أنها تبدو شبحية، ويشاركه هذا الأسلوب القبرصي “آريس إبامينوندا”، والأسترالي “ديفيد نونان”، وإن العزل الغامض للميديا يعد إستراتيجية تعود أصولها إلى الثمانينيات في أعمال كل من “حاييم شتاينباخ” و"كريستوفر ويليامز"، وبالفعل فإن صورة ( الفيلان ) اللذان رفعا على عمودين يمكن قراءتها بسهولة كتوثيق مباشر لواحد من أعمال “شتاينباخ”.
لكن ثمة سبباً معيناً يفسر الحضور الذي يحتله فن “لاسري” نقدياً وتجارياً، لأنه يتدفق بلا نسق، فباستثناء البراويز الملونة التي تشكل بصمة “لاسري” فإنه لا يوجد أي عنصر يربط بين صورة وأخرى، كما لا يوجد تسلسل، فيتملك المرء إحساس أن صوره يمكن أن تُشكَّل، ويعاد تشكيلها في أي ترتيب، أو أن تعيش دورة حياة ثانية في معرض جديد، أو على جدران مقتني الصور، وأنها ستتكيف مع ذلك بسهولة، وقد تحدث “لاسري” عن وسيطة التصوير في مقابلة أجريت معه في شهر تشرين الثاني 2010 قائلاً إنه يتعامل (مع لغة مستهلكة ومشرّعة تماماً، وميتة جداً بمعنى ما)، وهو تصريح يرغم الفنان والجمهور على التساؤل في عصرٍ استخدمت فيه الصورة إلى حدِّ ما بعد الإشباع، عن: “أين ينتمي فن التصوير؟”، ويبدو أن حلَّ “لاسري” يكمن في صنع أشياء صغيرة وغريبة يمكن أن يستمتع بها الإنسان في أي لحظة عاطفية، وفي أي سياق، فهو مشروع معاصر وبسيط ومعطاء.
FOOTNOTES
1 Deutsche Börse Photography Prize
2 Vogue
3 The Blue Lagoon
4 Geoff
5 Negatives
6 Beefcake Photography
7 Heirloom Tomatoes