بينما فسح قمع الثورة الثقافية، وسنوات ما بعد “تيانانمين” أو “الميدان السماوي”؛ الطريق أمام الازدهار الاقتصادي في هذا العقد من الألفية الجديدة، فإن لوحات “ماو إكسوهوي” تحوّلت من التعبيرية الوجدانية إلى اعتناق التكرار الأيقونوغرافي.
لم يبتعد نهائياً الفنان المثالي “ماو إكسوهوي” ـ رئيس “جماعة الفن الجنوب غربية” التي شارك بتأسيسها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وضمت “زانغ اكسياوغانغ” و"بان ديهاي" ـ عن “كونمينغ” وجبل “غوي” في مقاطعة “يونّان” التي شهدت بداية إبداعه، ومن خلال سلسلة محاورات ـ بعضها جرى في استديو الفنان في الحي الإبداعي من "كونمينغ"، وبعضها الآخر تم على العشاء في مقهى استديو “يوانغ شينغ” الذي تديره زوجة الفنان “ليو إكسياوجن” ـ سأل محرر مجلة “أرتس آسيا باسيفيك” المشارك “أندرو كوهين” الفنان عن حياته وعن أعماله.
خلال رحلتك الإبداعية انتقل أسلوبك من ضربات فرشاة قلقة في لوحاتك الأولى؛ إلى طبقات رقيقة وأداءات أكثر هدوءاً في لوحاتك الزيتية الأخيرة، فما الصلة بين هذا التغير الأسلوبي وبين عواطفك الشخصية؟
أرى نفسي ذاتاً مهشمة تملؤها أساليب كثيرة، ففي شبابي كنت أكثر انفتاحاً، غير أنني انغلقت على ذاتي مؤخراً، كما كنت بين عامي 1982 و1993 أشرب الكحول كثيراً، لكنني توقفت بسبب المشاكل الصحية التي عانيت منها، ولأن أسلوب حياتي تغيّر، فإن أسلوب رسمي تغير أيضاً، وذلك هو الثمن الذي دفعناه جميعاً لسنوات الثمانينيات المتّقدة الديناميكية.. (يبتسم وهو يصب لنفسه فنجاناً آخر من الشاي الصيني).. لو أننا التقينا في الثمانينيات لكنت قدمت لك كحولاً بدلاً عن الشاي!
هل أثَّرت اللتعبيرية الألمانية على سلسلة أعمالك (الفضاء الخاص)/1986ـ 1989 التي اشتُهِرت بتصويرها رجالاً ونساءً عراة معذبين؟
أحسست بأنني كنت أجازف بهذا التعبير عن العواطف، فلم يقم إلا قلة من الناس برسم بورتريهات حميمة كتلك، وقد كان ذلك نقيض السائد في الثقافة والمجتمع الصينيين آنذاك، حيث ظهرت تلك اللوحات بعد الثورة الثقافية بقليل، وحين كان الفن لا يزال يُرى من وجهة نظر مسيَّسة وغير فنية مطلقاً، لذلك كان مقلقاً للغاية رسم تلك اللوحات آنذاك، حيث أغلب الناس سيرونها بشعة، فأي شيء مرتبط بالجنس كان محرماً، لذلك كان رسم هذه اللوحات يُشعِر بارتكاب جريمة، كما كان هناك دائماً خوف من أن شخصاً ما سيأتي قارعاً باب بيتي.
كيف أثرت حملة النظام ضد مظاهرات ميدان“تياننامين” على عملك؟
وقتها كنت مصمم ملصقات أفلام في شركة أفلام في "كونمينغ"، وحين بدأت الحملة توقفت فجأة مظاهرات شباب المنطقة التي كانت تتم كل ليلة، وقتها كان الجميع قلقاً، فبدأنا نظن أن ذلك بداية ثورة ثقافية جديدة، واستمر هذا الجَزَع أكثر من شهر، وخلال الشهرين التاليين لم أستطع الرسم، فقد كنت متوتراً جداً.
هل تذكر أول لوحة رسمتها بعد تلك الحادثة؟
بمجرد استئنافي العمل، رسمت الكثير ـ أي أكثر من أربعين عملاً في شهر أغسطس ذاك ـ، وخلال أشهر قليلة استهلكت كل سطح يمكن الرسم عليه، وكل قماش في بيتي، وقد نبعت تلك الرسومات من إحساس عميق بالفشل، حيث كانت المرحلة تراجيدية، متشائمة، وفاقدة للأمل، لقد رسمت أعمالاً مثل (محاكاة لوحة جاك- لويس ديفيد “موت مارات”)/ 1989، وهو عمل مبني على لوحة “ديفيد” الـنيوكلاسيكية التي تصور الثائر الفرنسي “مارات” وهو يحتضر في حوض استحمام بعد تعرضه للطعنات، باستثناء إضافتي مربعاً أسوداً، وقد أتاح لي هذا العمل أن أعبر عن خوفي وعن قلقي.
بعد “تيانانمين”، هل أصبحت الدولة هي الشخصية الأبوية في سلسلتك (الأب)/ 1988ـ 1993؟
بمعنى من المعاني أجل.. لكنها بشكل محدد أكثر ترمز لفكرة السلطة المركزية في الثقافة الصينية التقليدية، فقد كنا نسمع دائماً عن اعتقالات وعن تحقيقات، لذلك قرّرت رسم أشخاص على كرسي التحقيق، وبحالةٍ ذهنية معذبة تماماً، بعد ذلك شعرت بتغيرٍ في طبيعة الشخص الجالس على الكرسي، فبدل أن يكون خاضعاً للتحقيق، أصبح هو المحقق ذاته، أي صاحب سلطة، وفي الأعمال التي تلت ذلك لم يعد ممكناً التمييز بين الشخص والكرسي، إذ تم دمجهما في هيئة مسخٍ جبار لا يمكنك فصله.
ما هو سبب التحول المفاجئ من التجريد إلى التشخيص في سلسلتك (مصطلحات السلطة)/ 1993؟
شكلت تلك السلسلة ردة فعل على تعميم الشعبوية السياسيّة1 والواقعية الساخرة، وقد تناقشت مطولاً مع “زهانغ إكسيوغانغ” و"زهو شونيا" حول أفضل السبل لجعل الفن متاحاً بشكل أكبر، وبدا لي أن الشعبوية أكثر مباشرة من الفن المجرد، وأن التشخيص ييسّر الفهم.
ضمن جميع الأشياء في سلسلة (الملحمة اليومية)/ 1994 نرى بداية مقصاتك البديعة، لماذا ركَّزت عليها من بين الأشياء الأخرى، مثل أقراص الدواء،القوارير،الأقلام…)؟
لا أعرف بالضبط.. ما أعرفه أنني شعرت بأنه عليّ فعل ذلك حين رسمتها، ومع مرور الوقت زادت أحجام المقصات حتى ابتلعت اللوحة الزيتية كلها، ثم إن لوحات “جورجو موراندي” عنت لي الشيء الكثير لي، وهو الذي كان قد عرف الله عبر رسم القوارير، وأنا كذلك أطمح بالوصول إلى فهم روحيّ من خلال رسم المقصات.
FOOTNOTES
1 Political Pop