P
R
E
V
N
E
X
T

LEE WENJourney of a yellow man no.11: multi-culturalism, 1997, inkjet print on archival paper, 89 × 63 cm. Courtesy the artist and Singapore Art Museum.

لي وين: أحلام شفافة عبر رؤى الحقيقة

لي وين

Singapore Art Museum
Singapore
Also available in:  Chinese  English
قد يكون التعليق العام والاستفزاز نوعاً من المجازفة في سنغافورة، حيث لا يزال للرقابة الذاتية حضور مألوف، إلا أن الفنان السنغافوري متعدد الاهتمامات “لي وين” ما فتئ يختبر بعناد منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي مدى حرية التعبير الإبداعي في بلاده، من خلال استكشافه لسرديّات الذات في المجتمع، ودعوته الدائمة إلى التأمل في دور الفن المعاصر في مدينته وسواها، وقد وجّه متحف الفن السنغافوري تحية إلى هذا الرائد المحليّ للفن الأدائي، وذلك من خلال إقامته معرض “أحلام شفافة عبر رؤى الحقيقة” الذي ضمّ مجموعة متنوعة وواسعة وممتدّة لأكثر من 40 إنشاءة وصورة وفيلم انتقيت من مجمل أعماله.

استهلّ “وين” ممارسته الإبداعية قبل بضع سنوات فقط من إيقاف المجلس القومي للفنون في سنغافورة دعمه وتمويله للفن الأدائي عام 1994، وقد شهدت السنوات التي سبقت ورافقت وتلت تلك الإيقافات – التي تراخت قليلاً منذ 2003 – التطور المتواصل في أعمال الفنان المثيرة، إلى أن منحه المجلس ذاته وساماً ثقافياً سنة 2005 إلى جانب المعرض في المتحف الفني، مما يشكّل دلالة واضحة على التغير في السياسات والأرضيات الاقتصادية ضمن المجتمع الفني المحلي، لكن ذلك كله لا ينفي أن القواعد التي تستمرّ في تحكمها بالفن الأدائي في سنغافورة تكشف عن الصعوبات التي لا تزال تعترض طريق ممارسيه.

ربما تكون المفارقة الكامنة في هذا الوضع كفيلة بتفسير الدعابة الواضحة في أعمال "وين"، فيسخر الفنان في إنشاءته من الميديا المختلطة (مجتمع الطراز العالمي)/ 1999- 2000؛ مما يراه إفراطاً في استخدام هذه العبارة التشريفية على يد المجتمع الذي يدّعيها، كما يظهر في عناوين الأخبار المحلية والخطابات العامة والإعلانات، ويشتمل العمل على شاشة فيديو لا يمكن رؤيتها إلا من خلال أنبوب قماشي طويل، وكرة أرضية ذات أجنحة، ونجمة محشوّة، واستمارات استطلاعية تسبر رأي الجمهور في معنى “الطراز العالمي”.

يكرّر “وين” هذه العبارة في الفيديو بلا كلل وبشيء من السخرية، في إشارة إلى الحياة في سنغافورة، بالإضافة إلى سطر (عندنا طعام من طراز عالمي في مطاعم من طراز عالمي وفنادق من طراز عالمي، لأننا نحن من طراز عالمي)، ومن الممكن رؤية هذا العمل على أنه إشارة إلى أن الهوس ضيّق الأفق بالمكانة، والذي قد يقود إلى ظروف تخلو من المعنى أو المضمون الحقيقي.

وتسائل إنشاءة ميديا مختلطة أخرى عنوانها (نيو- بابا)/ 1995؛ الهوية والحقائق الاجتماعية والأثر الذي تتركه الثقافة المسيطرة في المجتمع، ويبعث عنوان العمل تحية إلى حركة (نيو-دادا)، بالإضافة إلى كلمة (بابا)، وهو مصطلح يستخدم لوصف الرجال في المجتمعات الصينية المهاجرة في جنوب شرق آسيا.

ويُظهر العمل قفص دجاج وضع في صف واحد مع أشياء متعددة، وذلك في جمع بين المألوف والغريب، حيث عُرضت جميع الأشياء جنباً إلى جنب مع مونتاج فيلمي لأداءات "وين"، في إحدى تلك الكليبات يظهر الفنان وهو يلكم الهواء، مرتدياً قفازات ملاكمة، ومعلقاً زوجاً آخر منها على مفاصل أصابعه، لينتج ذلك كله مقطعا يبدو فيه “وين” مستقبلاً اللكمات من خصم غير مرئي أثناء إنشاده المتكرر: (عندنا ديمقراطية، عندنا انتخابات كل 4 أو 5 سنوات، عندنا مقعد في الأمم المتحدة، عندنا ديمقراطية)، وما يبدو أن الفنان يريد قوله هو أن القيم التي تقدمها الإمكانيات والتعقيدات الكامنة في الهجنة والاختلاط تعدّ أكثر رقياً من تلك المرتبطة بالتجانس والتفرّد.

غلب على جميع أجزاء المعرض حضور شخصية “الرجل الأصفر” التي ابتكرها “وين” من خلال تغطية جسده بطلاء أصفر، وقد ظهرت هذه الشخصية من خلال أداءات عدة في أعمال مثل سلسلة (رحلة رجل أصفر)/ 1992- 2012، و(فواكه غريبة)/ 2003، و(طرشقة)/ 2003 – 2012؛ مستكشفة هويات عرقية وجمعية وفردية، بالإضافة إلى موضوعات القيود والأمن، وتبرز من خلال تلك الأعمال صورة بعنوان (رحلة رجل أصفر رقم 11: التعدد الثقافي)/ 1997؛ التي تلتقط أداء ينتقد اتجاه تنظيم المعارض في سنغافورة مقابل السياسة متعددة الثقافات للبلد، في إشارة إلى أن منظوراً واهتماماً يتجاوز الهوية العرقية قد يكون أكثر نفعاً.

استثمر “وين” فرصة إقامة المعرض في المتحف ليثير مسألة تعدد الأبعاد في الفن الأدائي، وقد احتوت إنشاءته (غرفة المصادر)/ 2012؛ خريطة ذهنية شاملة لمصطلحات مرتبطة بالفن الأدائي، ومسحاً متفحصاً لملصقات الفنان وكتبه ومجلاته وأفلامه، وقد لمّح ذلك كله إلى خطط “وين” الرامية إلى تطوير مركز مستقل لمصادر الممارسات الفنية العابرة في سنغافورة.

بدا المعرض وكأنه مجلد من المقالات التي مُزجت مع حفلة عيد ميلاد تالية لأوانها، بما فيه من معروضات متنوعة ومثيرة، دفعت الجمهور إلى التأمل في وضعهم ضمن “الشرط السنغافوري”: (البحث الدائم عن الهوية الذاتية ضمن مجتمع متعدد الثقافات).