من الصعب أن نحدد متى بدأ الاهتمام بأعمال الفنانة والكاتبة اللبنانية – الأمريكية إيتيل عدنان. حين تعرفت القيّمة على المتاحف كارولين كريستوف – باكار غييف على رسوم إيتيل كان هناك احتفاء بأعمالها في معرض صفير – زملر غاليري، ثم دعتها كارولين للمشاركة في المعرض الفني العالمي السنوي “دوكيومينتا 13” في حزيران/ يونيو 2012.
في العام ذاته أعاد الناشر الفرنكوفوني تاميراس نشر عملين من أعمال إيتيل عدنان، هما (ست ماري روز)/ 1977؛ وهي رواية عن فترة الحرب الأهلية اللبنانية، ومجموعتها النثرية (في قلب بلد غريب)/ 2005؛
وقد ترافق عرض صفير – زملر مع فعاليات أخرى في المدينة، فكانت هناك مسرحية حية مستوحاة من كتاب إيتيل (في قلب بلد غريب)، والتي تزامنت مع مؤتمر شارك فيه فنانون ومفكرون من العالم العربي، وتم خلاله الإعلان عن تدشين جائزة عدنان للنساء المسرحيات. في تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته شاركت صالة صفير – زملر بمعرض إيتيل عدنان في مهرجان الفن فريزير في لندن، كما شاركت عدنان في معرض صالة سيربينتين بقراءة قصيدة من أبوكاليبس العربي 1989.
ليس مستغرباً أن تتابع مناسبات الاحتفاء بأعمال عدنان بعد أكثر من 60 عاماً من الإبداع في ثلاث قارات. فقد ترعرعتْ في بيت لبناني لأب سوري وأم يونانية، ودرست في مدارس فرنسية، وفي منتصف الخمسينيات انتقلت إلى الولايات المتحدة من فرنسا التي كانت بمثابة بيت ثانٍ لها، وعاشت فيها فترات طويلة من حياتها، كما حصلت على شهادة جامعية في الفلسفة من جامعة السوربون. في الولايات المتحدة درستْ في هارفارد وبركلي، ثم استقرت شمال مدينة سان فرانسيسكو، حيث درست علم الجمال في كلية الفلسفة في جامعة دومينيكان، وهناك تعرفت على الفنانة آن أو – هانلون التي كانت تشغل منصب رئيس قسم الفنون، وكان لها الفضل الأول في احتضان محاولات إيتيل عدنان الفنية الأولى. جاء اهتمامها بالرسم في مرحلة هامة من حياتها، أي في الوقت الذي قررت فيه الامتناع عن الكتابة باللغة الفرنسية تضامناً مع الثورة الجزائرية، وقبل أن تجد صوتاً في النضال ضد الحرب في فيتنام والحركة الشعرية الأمريكية التي رافقت الحرب.
عندما عادت إيتيل عدنان إلى بيروت عُرض عليها منصب المحررة الثقافية للجريدة الصادرة باللغة الفرنسية (الصفاء) وصحيفة (لوريان لوجور L’Orient-Le Jour /)، وبذلك أصبحت من أهم الفنانات اللبنانيات، ورغم شغلها هذا المنصب فترة قصيرة؛ إلا أن ذلك كان كفيلاً بوضعها على الساحة الفنية والنقدية في العالم العربي. إن الزخم الموجود في أعمالها النثرية موجود أيضاً في رسومها التي عرضت في كثير من المعارض في المنطقة منذ بدايات السبعينيات، لتصبح بذلك أهم فنانات العالم العربي. بعد عودتها إلى باريس مع بداية الحرب الأهلية وقبل سفرها إلى كاليفورنيا؛ كتبت رواية (الست ماري روز ) التي ترجمت إلى عدة لغات، وتعتبر اليوم علامة فارقة في الأدب النسوي.
معرض عدنان في صفير – زملر بعنوانه المباشر (إيتيل عدنان: رسومات ولوحات) عرض أكثر من 50 عملاً لها، هي في معظمها من الفترة بين عامي 1995 و2001، ولمحبي الفن ذوي الاطلاع على الفن اللبناني منذ استعادة حضوره في منتصف التسعينيات بعد الحرب الأهلية فإن المناظر شبه المجردة في الأعمال الفنية والكتب المطوية بدقة على شكل أكورديون للفنانة قد تبدو مألوفة. لم تكن هناك أية تجليات جديدة في هذا المعرض، وكأنما أراد تذكير الجمهور المحلي كيف أن القيمة الفنية لأعمال عدنان دامت بشكل رائع، فالرسومات لم يفت عليها الزمن وليس من السهل تأطيرها في زمن محدد، ورغم حجمها الصغير إلا أنها تعطي تستطيع أن تعطي روحاً حتى للأماكن الباهتة الفارغة. عندما ترسم المناظر الطبيعة و البحر، ترسم عدنان بضربات فرشاة عريضة ومساحات لون متألقة، وكأنما تعيد خلق المواد الحيّة التي تكّون موضوع رسوماتها. في رسوماتها على الورق تستخدم عدنان الكتابة كما هو التقليد في فن الخط العربي، وفي ذلك تفضيل للأسلوب و-غالباً، دخول إلى عالم التجريد في إشارة إلى ما هو سامٍ- إلا أن أعمال عدنان في الوقت ذاته تحافظ على الاتجاه الطولي للكتب الياباني المطوية، كما تستمد الإلهام من بحر من المصادر الأدبية.
كان توقيت معرض صفير- زملر لأعمال عدنان موفقاً جداً، فبعد أكثر من عقد من الاطلاع المفرط على أعمال مايسمى بـ"جيل مابعد الحرب" من الفنانين اللبنانيين، كان محبو الفن في أنحاء العالم يتوقون للتعرف على جوانب مختلفة للساحة الفنية في بيروت ذتئعة السيط، وإن كان معتم عليها. في معرضها في "دوكيومينتا "13، كان هناك 38 عملاً من أعمال إيتيل تعود إلى عام 1959، عرضت في مدينة كاسل الألمانية على الجدرانِ الأربعة لغرفةٍ بيضاء مكعبة الشكل. في منتصف الغرفة كان هناك تشكيل تجريدي سيمفوني متوسط الحجم، محاك على بساط، ومفروش على منصة قليلة الارتفاع وكأنه محور المكان ومركزه. سرعان ما ذاع سيط هذا المعرض، وبدأت أماكن الفن في أوروبا والولايات المتحدة تتهافت على عرض أعمال عدنان. تُوِّجت زوبعة الاهتمام التي بدأت في بيروت بمعرضِ معهد واتس للفنون الحديثة بعنوان (كلمات وأماكن: إيتيل عدنان)، وهو أول معرض لأعمال الفنانة بهذا المستوى في معهد للفنون، حيث أقيم في نيسان/أبريل 2013. إلى جانب لوحاتها غير المعنونة لجبل تمابليه، كان هناك دراساتها التصويرية لمنطقة خليج سان فرنسيسكو، وعدد من كتب مطوية على شكل أكورديون (المعروفة باللوبيريلو)، وعدد من كتاباتها من مجلة (الصفاء) من السبعينيات، وكان الهدف منها جميعاً أن تغني فهمنا لأعمال الفنانة في سياق التاريخ الثقافي الغني للبنان. وبما أنه قد تمّ الاعتراف بأهمية عدنان في تاريخ الفن العربي، نأمل أن تشمل المرحلة التالية من التقييم النقدي لأعمالها على دراسة معمقة لإسهامات عدنان في الحركة الفنية في الولايات المتحدة في فترة ما بعد حرب فيتنام، في احتفاء لائق لها في بلدها الولايات المتحدة.