P
R
E
V
N
E
X
T

Participants of March Meeting 2016’s first panel discussion, “Engagement and the Responsive Institution”: (from left to right) Anna Cutler (Director of Learning, Tate, UK), Sheikha Hoor al-Qasimi (Director, Sharjah Art Foundation, UAE), William Wells (Director, Townhouse Gallery, Egypt) and Melanie Keen (Director, Iniva, UK). Courtesy Sharjah Art Foundation.

الارتقاء فوق الظروف

United Arab Emirates
Also available in:  English

خيّم جو التأهب على الحاضرين في مؤسسة الشارقة للفنون في اجتماع آذار 12-13-2016، الذي جاء تلبية لدعوة أطلقها وليام ويلز من صالة تاون هاوس غير الربحية في القاهرة. وبلهجة تحذيرية قال ويلز في كلمته: (نحن تحت الحصار. وأنا لا أستطيع فعل شيئ، لكني أعتقد أننا نعيش في زمن يواجه التعليم فيه أكبر تهديد في التاريخ الحديث). 

في الدورة التاسعة لاجتماع آذار اجتمع أكثر من 40 فناناً ومنتجاً ثقافياً ومعلمين من الإمارات وكل أنحاء العالم في مبنى دار الندوة في الشارقة، وعلى مدار يومين أقيمت عروض ومناقشات مكثفة تحت عنوان (التعليم والاتصال والمشاركة). ويلز علل ذلك بالنيوليبيرالية، لأنها حالة عالمية، حيث تؤثر قدرة قوى السوق في تحديد القيمة في عالم الفن، وتؤثر عميقاً على الأهمية المعطاة لتعليم الفن.

وفي تحديد لفحوى الحدث الذي استمر يومين قال ويلز: (كوننا تحت الحصار يعني أنه علينا القتال من أجل البقاء والاستمرار بغض النظر عن حجم التهديد). 

ويلز الذي كان ضيفاً سابقاً في تلك المناسبة السنوية؛ تحدث بحماسة  في جلسة المؤتمر الأولى التي ناقشت سياسات مشاركة الجمهور من منظور مؤسساتي. واستشهد بصالة تاون هاوس كمثالٍ على نجاعة المنظمات الصغيرة في تلبية احتياجات ومصالح محددة للسكان المحليين. كما سلط الضوء على المبادرات غير الربحية من أواخر التسعينيات، والتي قامت بها تاون هاوس للتواصل مع أطفال الشوارع في الأحياء المجاورة للصالة، وقد قال بحزن: (كانوا موجودين في كل مكان). 

ورداً على آخر أحداث الاضطرابات في القاهرة؛ بدأت صالة تاون هاوس أيضاً بالعمل عن كثب مع اللاجئين، حيث نظمت برامج فنية مع مراكز اللاجئين، وقدمت أنشطة وفعاليات مجانية. 

قال ويلز محذراً: (لا يمكنك “الهبوط بالمظلة” فجأة على هذه التجمعات)، مؤكداً على أهمية المنظمات المحلية التي تتأسس جيداً، وأهمية العلاقات المتينة التي تبنيها مع الناس في جوارها. وقد أعلن ويلز بفخر: (أصبح شارعنا شارع لكل الناس. إنها قوة الشارع التي عادت إلى الحياة ). 

وقت انعقاد اجتماع آذار؛ كانت الصالة غير الربحية تتجزأ لإعادة فتحها تحت قوانين جديدة لا صارمة، ثم أجبرت على الإغلاق مؤقتاً بعد مداهمة تعرضت لها من قبل مكتب الرقابة في مصر في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015. لكن للأسف بعد ثلاثة أسابيع من اجتماع آذار؛ تعرضت إلى نكسة ثانية عندما انهار جزئياً البناء المبني منذ عشرات السنين، فتدمرت المكتبة والمكاتب الإدارية والصالة في الطابق الأول. وحتى وقت كتابة هذا المقال كانت صالة تاون هاوس قيد الترميم).         

بعد ويلز جاء دور مديرة التعليم في تيت أنّا كاتلر، فتحدثت من وجهة نظر منظمة أكثر بكثير، وسلطت الضوء على أهمية استجابة المؤسسات العامة للتغيير من أجل التعليم والنمو. وأشارت إلى التحولات الملحوظة لمواقف فريق عمل تيت مودرن، الذين كانوا – في ذات الوقت – يتوجهون لتدشين المبنى الجديد في حزيران/ يونيو، واختتمت باقتراح مفاده (تغيير مواقفنا وسلوكياتنا قد يكون أصعب شيئ على الإطلاق).

 كانت المداخلة الأخيرة في النقاش لمديرة منظمة الشارقة للفنون الشيخة حور القاسمي التي عرضت سلايدات لأنشطة متنوعة للمؤسسة، وسلطت الضوء من خلالها على الفوارق المميزة الدقيقة في المجال العملي للمؤسسة الخاصة التي يتوافر لها تمويل قوي، وشددت القاسمي على أن رسالة مؤسسة الشارقة للفنون هي الوصول إلى قطاعات مجتمع الشارقة، وبصورة خاصة الأطفال، والحفاظ على التراث الثقافي للإمارات من خلال تطويع المباني القديمة المهملة وتخصيصها للفنون.

ربما ليس مصادفة اختيار موضوع (القيّمون، السياق، الجماعة) من قبل مشاركَين من أصل أربعة ممثلين لمنظمات فنية كانت وما تزال تتعرض لضغوط الرقابة المفروضة من سلطات الحكومة التي تمارس تعسفها بحجة قوانين مبهمة. 

ومن بين المتحدثين زو بوت، مديرة  سان آرت في مدينة هو تشه منّه، فدافعت عن الفنانين الفيتناميين باعتبارهم المحرك الأساسي للتغيير الاجتماعي في البلد. ثم تحدثت عن  برنامج الإقامة ومختبر سان آرت الذي أجبرت على إغلاقه مؤقتاً في شباط/ فبراير هذا العام، بعد قرار مسؤولين فيتناميين التدقيق فيه. وبثقة أكدت أن المنظمة باقية، وبأنها تستعد لمواجهة التهم الموجهة إليها في المحاكم، وسوف تكون النموذج الأول في تاريخ القضاء الفيتنامي.

PEOPLE’S PAPER CO-OP’s Transforming the Narrative of Reentry, 2016, view of the project space in which communities have cleared their criminal records and made new paper to rewrite their futures. Part of RICK LOWE’s initiative for social engagement “Project Row Houses” (1993– ). Photo by Alex Barber. Courtesy Project Row Houses, Houston.

كانت هناك مداخلة أيضاً لأحمد العطار مؤسس مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة “D-CAF” في القاهرة، حيث ركز على أهمية تنظيم برامج متعددة المجالات للتواصل مع الحياة العامة، واختتم بسرد قصة إغلاق مكتبه في كانون الأول/ ديسمبر بعد اتهامه بمزاولة عمله دون ترخيص، وهو ما يشبه العقبات التي حلّت بـصالة تاون هاوس، وأيضاً سان آرت. 

الندوة في صميمها اهتمت بالممارسات الفنية والمبادرات الملتزمة اجتماعياً، فالعديد من المتحدثين الذين تم اختيارهم عبر دعوة مفتوحة؛ قدموا مداخلات خلال اليومين الأول والثاني، وتشاركوا فيها بتحديات العمل داخل الحياة الواقعية المعاشة في بلدانهم، مع بقائهم أوفياء لتطلعاتهم في بناء شعوبهم من خلال الفن. 

من جهتها ناقشت تولين طوق القيّمة من عمان (جلسات الربيع)، فإقامتها المتنقلة كفنانة هيأت لها إعادة استخدام المواقع المهمة ثقافياً، لكن المهجورة، مثل فندق الملك غازي التاريخي أقدم بناء إسمنتي في المدينة، بالتعاون مع أفراد من المجتمعات المجاورة. وفي وصفها الطبيعة المرنة للبرنامج؛ أشارت طوق إلى أهمية السماح للمشاريع بأن تبنى بشكل عضوي، وذلك رداً على توسع المناطق الحضرية في عمان. 

كانت تعليقاتها قريبة مما قاله ويلز بأن شوارع القاهرة بعد ثورة 2011، كانت: (المكان الذي تجري فيه المحادثات)، و(من دون أدنى شك كانت الأماكن الأكثر قيمة لدينا). 

الفنان الأمريكي ريك لو الذي حاز عام 2014 على جائزة الزمالة من ماك آرثر، واعتبر مشروعه “منازل متتالة” ناجحاً للغاية منذ عام 1993 وحتى الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ حول البيوت من طراز “شوتغن” في مدينة بوسطن إلى مراكز ثقافية وبرامج اجتماعية لتقديم الدعم لمجتمعات المهمشين وأصحاب الدخل المحدود، وربما كان المشروع المثال الرائد على المشاريع الواعية اجتماعياً التي تفيد مباشرة الناس الأكثر حاجة للمساعدة، وقد أشار لو قائلاً: (الفن أداة قوية.. ليس علينا إلا أن نستخدمه).      

تردد صدى رسالة لو في حلقة نقاشات اليوم الثاني التي تناولت صراحةً القضايا الملحة التي تواجه تعليم الفن في الإمارات العربية المتحدة، ودور الفن كأداة تربوية. 

محمد بكر طه من مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، ومها العازار من مركز أولادنا لذوي الإعاقة في الشارقة؛ تحدثا بحماس حول وظيفة العلاج بالفن باعتباره حلاً لكثير من العقبات والتحديات التي تواجه الأطفال المعوقين، فركزت العازار في اجتماع آذار على ممارسي الفنون كي يدعموا جهودها، والتي تأتي صدى لأفكار عالم نفس التعليم والفيلسوف الأمريكي جون ديوي (1859 – 1952 ) الذي أطلق مقولته الشهيرة (التعليم ليس استعداداً للحياة، التعليم هو الحياة ذاتها). 

وفي ذات الوقت؛ قدمت مدير عام إدارة المتاحف في الشارقة منال عطايا عرضاً عن زيارة المتحف من قبل الطلبة المحليين. وقد ساهمت عطايا في الإحصاء الذي يظهر أن المناهج الدراسية الجديدة والمعدلة عام 2016 في الإمارات خصصت للأطفال في المدارس العامة ساعة واحدة فقط في الأسبوع لتدريس الفن، لكن التركيز استمر على دروس العلوم، في حين أن المدارس الخاصة أفضل قليلاً.    

البينالي هو مساحة أخرى لإنتاج ونشر المعرفة الفنية. سالي تالانت مديرة بينالي ليفربول في المملكة المتحدة بحثت في خمس بيناليات من عدة دول ومناطق، وهي بينالي ليفربول، بينالي مراكش، بينالي جوجا – إندونيسيا، وبينالي كوشي موزيريس – الهند، ومركز دي آرت دي لوبومباشي – الكونغو، وطرحت أهمية بينالي الفنون في سد الثغرات التي غالباً ما تسببها مؤسسات المتحف، والسوق التي توجه المعارض التجارية، في حين أن البيناليات والمهرجانات الأخرى المشابهة توفر مكاناً لتبادل المعرفة والموارد والإبداع، وتتيح المجال لحرية معينة خارج إطار قيود المؤسسة، وكما أشار المؤسس المشارك لمؤسسة بينالي كوشي، ومدير البرامج ريفاس كومو؛ فإن تنظيم البينالي يجب أن يكون دائماً من أجل الناس وعنهم. 

اختتم اجتماع آذار 2016  بعدة ندوات ومشاريع لفنانين، ومنهم الفنان والملحن المقيم في بيروت جو نعمة الذي حول القاعة إلى موقع للمشاركة الفنية، وذلك بسؤاله الحاضرين في اجتماع آذار أداء ما يطلبه منهم، مثل (ضع يدك بيد جارك)، أو (قلدي أصوات تغريد الطيور)، وكان الهدف من تلك التمارين الجماعية تذكير المشاركين (بالتحولات التي يمكن أن تجري في عالمنا الحاضر) عندما نضع عقولنا وقلوبنا معاً من أجل قضية واحدة.            

كريستين طعمة مؤسسة أشكال ألوان، والمديرة الفنية لبينالي الشارقة 13 القادم؛ اعترفت في مداخلتها بالقول: (لا أعتقد أن باستطاعتنا القول إننا ربحنا المعركة)، في إشارة إلى النضال ضد قوات الليبرالية الجديدة التي تضغط على عمل مؤسسات الفنون. ومع أن هناك أسئلة لا تعد ولا تحصى قد طرحت، وقضايا تمت إثارتها خلال هذين اليومين؛ إلا أنها بقيت بلا إجابات. 

كانت هناك بالتأكيد طاقة عالية تتحرك خلال الفعالية، وقد توصل الفنانون المشاركون معاً لاتفاق على خلق إستراتيجيات للتغيير، على أمل حماية مسار المستقبل من أجل التعليم.