كوالالمبور

سواء في السياسة أم في الثقافة؛ لم تكتسب ماليزيا على مدى العقد الماضي الاهتمام الدولي النوعي الذي تمتع به جيرانها في جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وتايلاند أو سنغافورة. ومؤخراً صنفت كثاني أكثر البلدان فساداً في قائمة الاقتصادات الصاعدة حسب ما نشرت مجلة التايم. فماليزي من وجهة نظر النقاد ناجحة في كونها فاشلة، وحتى في فن الفساد بقيت فقط في الدرجة الثانية!، ومن ناحية أخرى فإن الغموض النسبي لماليزيا على المسرح العالمي ربما يكون نتيجة تكوينها المتنوع عرقياً، ومن هنا يستطيع المرء القول إن لماليزيا خصوصية لا يمكن تصنيفها بنمط مبسط.  

ولذلك يقال عادة إن مشهد الفن في ماليزيا مبعثر، ما أدى إلى ظهور مجموعات صغيرة – لكن متزايدة – من الأعمال الكتابية غير المتسقة دائماً ولا المتكاملة حول الفن الماليزي بالإنكليزية والملاوية والصينية، بقيت الترجمة في أدنى درجات الأولويات، ويمكن تفسير ذلك بكون الجماعات العرقية لم تبدِ حقيقة أي جهود منسقة لجسر الانقسامات الثقافية المختلفة. ومع ذلك فإذا كان هناك شيئاً تعلمته على مدى تلك الأعوام من العمل في جنوب شرق آسيا؛ فهو أن الفنانين مجموعة مبدعة، وهم يتحدون جميع الصعاب والتوقعات.

لا يوجد تقويم فصلي ثابت لعالم الفن الماليزي، لأن تواريخ الأعياد الدينية الرئيسة – مثل عيد الأضحى ورأس السنة الصينية – تتغير كل عام. وتقاويم الفن تتكيف وفق ذلك. ومع هذا؛ فإن افتتاح المعارض في صالات العرض أسبوعياً بات معلماً مميزاً في كوالالمبور، وطغت عليها بصورة متزايدة غزارة البرامج العامة والفعاليات التي تقام خلال عطلة نهاية الأسبوع. فيوم السبت هو أكثر أيام الأسبوع ازدحاماً، على اعتبار أن العديد من منظمي النشاطات الثقافية يستفيدون من التسهيلات المرورية، وذلك لإغراء الناس باستكشاف المدينة.

مؤخراً حطمت بلدية مدينة كوالالمبور تمثالاً كان معروضاً للعامة، وهو (القمم القمرية) للفنان الحائز على الجائزة الوطنية سيد أحمد جمال (1986)، وقد قال محافظ كوالالمبور: (كان العمل بحالة مزرية(. وقد حفزت تلك الحادثة العديد من الفنانين على مناقشة حاجة مجتمع الفن إلى المزيد من الخطوات الأكثر تنسيقاً وإستراتيجية من أجل المضي قدماً كجبهة موحدة.

هذه الطاقة  تغيير مرحب به، فعندما يتعلق الأمر بالفن المعاصر على مدى الأعوام القليلة الماضية؛ نجد أن سوق الفن مارست قدراً هائلاً من التأثير والنفوذ. إن انتشار بيوت المزادات – وهي أربعة حسب إحصائي الأخير – تمخض عن كم غير صحي من المضاربات، فأنتج ذلك أيضاً نمطاً غير متوازن وغير محتمل، حيث بات الفنانون ينتجون أعمالاً تلبي بشكل أساسي طلبات سلالة جديدة من مقتني الأعمال الفنية الذين يرون الفن بالدرجة الأولى شكلاً من أشكال الاستثمار. وبدل تشجيع الفنانين الشباب على أخذ فرصتهم في التجريب  بالأفكار؛ فإن إغراء عرض البيع هيمن على العديد من المواهب الواعدة.

ومهما يكن، وإذا تم البحث بشكل أعمق قليلاً؛ ربما ستجد نوعاً مختلفاً جداً من العزيمة في العمل، ولعل ما حصل في صالة الفن الوطني البصري هو واحد من أكثر الأمور إثارة، حيث تم عرض دراسة استقصائية حديثة أعادت تقديم أعمال فنية تاريخية مميزة في مجموعة تعرض للجمهور الماليزي مرة أخرى. وقد لعب القيّمان كون تان وبختيار نعيم دوراً أساسياً في هذه العملية. إن صالة ماليزيا للفن الوطني – أقدم صالات العرض للجمهور – مكرسة للفن الحديث في جنوب شرق آسيا، وهي التي تأسست عام 1958، وجمعت مجموعة مهمة تخطّت طموحات أمة جديدة متعددة الثقافات، لتعترف بالدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الفن في تكريس هوية وطنية جديدة. 

ومع ذلك وضع آخرون إيمانهم خارج نطاق ما هو رسمي، وهو دليل على براعة العاملين في مجال الفن، فالمبادرات البديلة تستمر حتى من دون تمويل من المؤسسات الحكومية. حالياً يوجد في كوالالمبور نحو ثلاثة أمكنة بديلة، وأكثر من 15 تجمعاً للفنانين، وكلها يمكن أن تكون مبدعة في كل من مجالي المحتوى وكيفية إدارة برامجهم أو تنظيم فعالياتهم. ومن هذه الأمكنة أصبحت صالة جيل الفن الضائع في كوالالمبور مركزاً محورياً في بناء مجتمعات فنية وتشجيع المواهب الجديدة.

وهذا يقودني إلى الجزء المهم الذي ينبغي أن تؤديه مؤسساتنا التعليمية، فمنذ 2003 قدمت جامعة مالايا في كوالالمبور برنامجاً بمستوى الماجستير، يركز على تاريخ الفن في جنوب شرق آسيا، وقد بدأ البرنامج بالفنان المفاهيمي الراحل والقيّم رضا بياداسا (1937 – 2007). ومن المتوقع أن تقدم الجامعة في العام القادم دراسة على مستوى طلبة الجامعة في الدراسات الفنية. إن المؤسسات تحدد قيمة برنامج الدراسة الجامعية واسعة النطاق لتزويد الجيل اللاحق من العاملين في المجال الثقافي بالقدرة على التفكير النقدي وهلى الاستقلالية.في حين تشير الأمثلة المذكورة أعلاه إلى اتجاهات المستقبل؛ فإن ما يبقى على العاملين في المجال الثقافي الماليزي لينجزوه هو الاستعداد للعمل بشكل جماعي. وإذا آمنا أن الفن يثري حياتنا، فلا سبب لحمايته بأنانية. من خلال التعاون يمكننا تعزيز ثقافة التشارك في مجالي الإبداع والمتعة الفكرية.