التراب والأحجار كمواد جيولوجية هي لبنات البناء الأساسية التي تؤلف مساحات شاسعة من الأرض المجزأة بسبب رسم الحدود الجغرافية بشكل تعسفي. في سياق معرض (تراب وأحجار، نفوس وأغانٍ) رمز لأرواح أفراد المجتمعات المتنوعة الذين بنوا منازلهم بتلك العناصر الطبيعية وحولها.
يضم المعرض الذي أقيم في متحف الفن المعاصر والتصميم في مانيلا؛ ونظمته مؤسسة كاديست ومقرها باريس وسان فرانسيسكو وبارا سايت هونغ كونغ؛ مجموعة فاخرة من الأعمال التي تعود إلى العقود الخمسة الماضية، بدءاً من لوحات كولاج، ورسوم لأشكال وأنماط حية من الطبيعة، وتماثيل صغيرة، وصولاً إلى جداريات واسعة، وفيديوهات مفاهيمية، ووثائق من الأرشيف، تعود إلى أكثر من 30 فناناً عالمياً.
رغم مجموعة القضايا التي سعى الفنانون لمعالجتها؛ إلا أن تركيز المعرض كان عن تحولات الهوية في آسيا التي سببتها الضغوط المزلزلة للسياسة الإمبريالية وتدمير البيئة والسوق العالمية. كان بمثابة نظرة إلى كيفية عودة صدى تلك القوى وتأثيرها في تحويل وعي الملايين، وفي النهاية الوصول إلى خلق تجارب فنية وأشكال جديدة وممارسات تعبر عن وقائع قلق العالم الحالي وتعكسها.
ظهرت إستراتيجيات مختلفة في جميع أنحاء المعرض التي نقلت الطبيعة المتعددة لمثل هذه الموضوعات التي امتدت إلى ما بعد الأشكال الجمالية لقطع معينة، والاستفادة من مساحة المتحف الذي شهد تكوينات غير متبلورة تتحدى التصنيفات الجامدة للموضوع وللتسلسل الزمني.
الفيديو التاريخي والأسلوبي والتجريبي (عن الأرض المقدسة)/ 1983-1984؛ لبيتر كينيدي وجون هيوز عن حقوق السكان الأصليين لأستراليا؛ كان في مدخل المتحف، بالقرب من صورتين فوتوغرافيتين للفنانة سيرين جيل، وهي لأشجار نخيل عارية من سلسلة عنوانها متهكماً (الحياة النباتية)/ 2016. وصورتان أخريان من السلسلة تصوران رجلاً حجبت الأوراق وجهه، وعرضتا تعرضان في طابق الميزانين من المتحف.
كتعليق على الدمار الذي نتج عن صناعة زيت النخيل؛ كانت أعمال سيرين جيل تحاور قسماً قريباً مخصصة لدراسة حالة الممارسات الزراعية وتربية الحيوانات المائية في هونغ كونغ، برعاية كيو تشان من بارا سايت. والأعمال الأخرى في الطابق الأوسط تضم عمل (أوغنايان)/ 1974؛ لخوسيه ماسيدا، و(أدلوت – أدلوت)/ 1975؛ وهما مقطوعتان موسيقيتان طليعيتان تدوران حول أفكار المجتمع. كانت هناك محاولة واضحة في القطعتين لرفض الانتماء بالكامل إلى النسق السائد في الحداثة الغربية. وكما افتُرض من خلال أعمال ماسيدا؛ فإن الخضوع ليس الطريق الوحيد للتكيف.
في كاوايان دي غويا، وفي التجمعات المختلطة المحمومة لدومينيك زينكبي كانت الرموز المتباينة في لوحاته موجودة جنباً إلى جنب، مقدِّمة فكرة أن “الإصدارات المحلية للحداثة” بصيغتها التي وردت في كاتالوغ المعرض لم تتشكل من خلال تقليد محض، إنما عن طريق إعادة الخلق والتغيير.
يشير الكاتالوغ أيضاً إلى تداخل التاريخ والثقافة والأرض التي تتجسد في التراب، وإلى مستوى معين من القداسة التي تضفيها عليها هذه العوامل. ومن الأمثلة على ذلك تزايد رهاب الصين بين المنغوليين، وهو المتجذر عميقاً في التناقض التاريخي بين التوجه نحو الزراعة في الصين و"الاحترام البدوي للتربة البكر" لدى الشعب المنغولي. وقد انعكس ذلك جزئياً في خصوصية الفنان المنغولي توغولدور يونوجامتس، وفي رسومه المنهجية وأختامه ومطبوعاته التي لفتت انتباه المشاهدين إلى التغيرات الاجتماعية السياسية التي تحصل في وطنه كنتيجة لاستخراج المعادن بشكل مفرط، والذي تشكّل الصين أكبر مستورديه حالياً.
لم يكن مفاجئاً أن يترك المعرض الزوار مشدوهين بالتفاعل بين العوامل التي تضفي طابعها على المكان، رغم أن ذلك لم يكن هدف المعرض. وبدل أن يكون مرعباً؛ فقد حث المعرض المشاهدين ليوجهوا أنفسهم عبر هذه الأوقات المضطربة وذلك بتقطير حتى القليل من المعنى من تجربتنا الخاصة المباشرة، ومن العالم الواسع الذي يحيط بنا.
لذا يبدو مناسباً أن ملصق (تراب وأحجار) أبرز طبعة الليزركروم لماريانا كاستيلو ديبول، والذي يصوّر قناعاً رمادياً واحداً يُرى قعره، من دون عنوان، وعلى خلفية قرمزية لامعة، كما لو أنه درع للمشاهد.
ليس سراً أن المظاهر خادعة، وبالنسبة لنا كي نفهم بيئتنا بشكل حقيقي ونعرف ذواتنا؛ علينا الوصول إلى العمق، إلى ما وراء السطح. وفي قضية (تراب وأحجار.. نفوس وأغانٍ) تحقق هذا الاستكشاف من خلال قصص قوية، ولمحات من مشاعر متنوعة مشتركة داخل الشعوب المختلفة وبينها.