الوسطاء ليسوا نادرين كما قد تعتقد، فأنت تعرف بعضهم، أو أنت أحدهم، فالوسيط هو شخص ما يحدد وجوه التآزر الممكنة، ويجمع بين الناس ليقوموا معاً بمشاريع إن كان هناك توافق يسمح بذلك.
إيزابيلا بلو كانت الوسيط المميز في عالم الموضة، وهي التي تمكنت من جمع ألكسندر ماكوين وغوتشي معاً. وبناء على ذلك اشترت غوتشي ماركة ماكوين. وقيل إن المكسب الوحيد التي حصلت عليه بلو من هذا التعاون الذي بدأته بينهما كان فستاناً مجانياً لا غير.
محنة الوسطاء في عالم الفن مشابهة لهذه القصة، وبينما يصل الجميع إلى فرص وصفقات جديدة؛ فإن الوسطاء غالباً ما يتم استبعادهم من المعاملات التي ساعدوا على تحقيقها عبر الأفكار التي عرضوها، والتعارف الذي تم باشرافهم.
إن الوسطاء في عالم الفن مسؤولون عن الصفقات الكبيرة التي تشكل مشهد الفن المعاصر، بما في ذلك استحواذ متاحف على أعمال فنية بملايين الدولارات، وإعارة أعمال فنية من مكان إلى آخر، وجمع الأموال، والفن العام، والبرامج الثقافية، واكتشاف قوة الفنانين الشباب الموهوبين، والتعاونيات التجارية، وحتى المعارض المتنقلة.
كل الوسطاء الذين قابلتهم هم أناس نواياهم حسنة، ويحبون عالم الفن. إن الطبيعة غير الواضحة لدور الوسطاء هو ما جعلهم لطيفين ومتكيفين، وما أعطاهم القدرة على النظر خارج إطار جماعات وحلقات محددة، وفتح مجالات التعاون على أوسع نطاق. وفي الوقت ذاته؛ يعتبر ذلك نقطة ضعفهم.
يجد عالم الفن أن من الصعب حساب قيمتهم، لأنهم لا ينتمون على الإطلاق إلى أي فئة من الفئات المعروفة، فهم ليسوا مشرفين على صالات عرض، وليسوا مقيمين أو فنانين تتوافق أدوارهم مع وظيفة ثابتة، وخاصة فيما يتعلق بالأجر. وغالباً ما يتم نسيان الوسطاء بعد وقت من توقيع العقود، وحتى لو لم يتم نسيانهم؛ فإن السؤال يبقى قائماً حول قيمة مساهماتهم التي يتم التقليل من شأنها ومن قيمتها أغلب الأحايين.
هناك حجة قوية لصالح الوسيط تكمن في مبدأ السببية، فإذا لم يقم الوسيط بعملية الربط، أو لم يقدم المشورة، أو لم يحدد الفرصة؛ فإن الاتفاق حول الموضوع لن يتم. إن مساهمة الوسيط – علاوة على قيمتها الكبيرة – فهي السبب في الاتفاق.
غالباً ما يعاني الوسطاء من الناحية المالية، وتقع عليهم مسؤولية جزئية عن ذلك. فهم يغوصون مباشرة في معارفهم من القيمين ومقتني الأعمال الفنية والصالات والمؤسسات والفنانين والداعمين، ويقدمون أفكارهم حول فرص تعاون ممكنة بينهم، فيكون ذلك مقدمات للتعارف على فنجان قهوة، أو عبر الإيميل، أو في صالات كبار الشخصيات في المعارض الفنية.
من هنا تبدا المشكلة، فالأفكار لا تحميها حقوق النشر، مثل مقترح تعاون فنان مع علامة تجارية فاخرة، أو مقترح تبنّي متحف تمويل عمل فني مهم، أو تنشيط عمل المؤسسات، أو أفكار لبرامج ثقافية. إنه أمر متاح للجميع فيما لو نشر الوسطاء هذه الأفكار، وفي أغلبية الأحايين يؤدي الوسيط هذا الدور بحماسة كبيرة، لكنه في ذات الوقت يعرّض أفكاره للسرقة أو للنسخ.
المطلوب – وهذ غير موجود غالباً – اتفاقاً ملزماً من الناحية القانونية بعدم الكشف عن الفكرة، أو اتفاقاً سرياً يمكن أن يحمي النقاشات الأولية. فمثل هذه الاتفاقيات يمكنها الإيضاح بأن السبب الوحيد لعدم الإفشاء يكمن في تحديد مصلحة الطرف الآخر في الاستثمار التجاري للفكرة، وبالتالي لا بد من محافظة الطرف الآخر على المعلومات السرية. وإذا كان الطرف الآخر لا يريد المضي قدماً في الفكرة؛ فإن ذلك يتطلب إتلاف النسخ المادية، وحذف النسخ الرقمية للمعلومات، كما يمكن للطرفين منع مشاركة أطراف أخرى في التفاصيل المهمة.
يمكن للوسطاء أيضاً التفاوض على النِّسب التي سيحصلون عليها لقاء الصفقات التي توسطوا لإتمامها، وذلك عبر اتفاق مكتوب. ويمكن أن يكون ذلك بهيئة اتفاقيات عمولة، مثل الاتفاق على الأتعاب من الفنان أو الصالة بعد بيع العمل، ويمكن أيضاً مناقشة العمولة المتكررة بشكل نسبةٍ من كل عملية بيع لصالة خاصة. وإذا كان الوسيط قد وصل إلى الفنان والموقع وشجع على التمثيل؛ ففي مثل هذه الاتفاقيات سيكون من الحكمة إيضاح متى وأين يجب دفع العمولة لتجنب سوء الفهم مستقبلاً، مثل (30 يوماً بعد استلام الصالة ثمن المبيع).
يمكن للوسطاء المناقشة بطريقة أكثر إبداعاً، كأن يختاروا أجورهم أعمالاً فنية، ولعل ذلك يكون مساعداً للفنانين الذين لديهم عادةً أعمالاً فنية أكثر مما لديهم سيولة نقدية، أو حتى أن يمنحوا خيارات بشراء وبيع الأعمال الفنية. إن اتفاق “حق الرفض أو القبول الأول” يتيح للوسطاء حق شراء الأعمال الفنية من خارج المرسم، أو يعطيهم أفضلية حق بيع هذه الأعمال، ويمكن لمثل هذه الترتيبات أن تنجح إذا أصبح الفنان معروفاً، أو صار محط اهتمام مقتني الأعمال الفنية والمؤسسات.
إن دور الوسطاء كبير في تشكيل عالم الفن والتأثير فيه، لكنهم يحصلون مقابل ذلك على القليل. أعرف وسطاء سافروا على حسابهم الخاص نصف الطريق حول العالم في الدرجة الاقتصادية للاطمئنان على عمولة فنانيهم وراء البحار، لأنهم ملتزمون حقيقة بكيفية القيام بالعمل. نحن نريد للوسطاء – بعيداً عن اكتشافهم فنانين جدد – صناعة علاقات جديدة، وبناء جسور عبر عالم الفن الذي اتسع أكثر من أي وقت مضى، وبعد ذلك علينا التعامل معهم ومع مكافأتهم بإنصاف.
To read more of ArtAsiaPacific’s articles, visit our Digital Library.