إن الأرقام بالنسبة لتاتسو مياجيما هي مفتاح الكون. ذلك الفنان الياباني يعتقد أن الأرقام من 1 إلى 9 تجسد الفلسفة البوذية في التغير والتجدد، في حين يمثل الصفر السُبات والفراغ ولحظة التوقف بين الموت والحياة. وقد كانت دورة الحياة هذه في أغلبية أعماله الأخيرة في معرضه (تواصل مع كل شيء) في متحف الفن الأسترالي المعاصر، تظهر التصاعد والتنازل، ومع ذلك كان الصفر غائبا دائما. وبحذف هذا الفاصل المميت فإن دورة الأرقام يمكن أن تصعد وتنزل إلى ما لا نهاية.
أبدع مياجيما أعمالاً أدائية في ثمانينيات القرن الماضي، ومع ذلك يرى أن ذاك الشكل الفني بخيلاً مع الجمهور نظراً لحياته قصيرة الأجل. وهو الآن يشير إلى منحوتاته ومجسماته على أنها (موضوعات أداء) في منزله. ومعظم أعماله فيها الخط الذي نجده في شاشات الإلكترونيات، مثل الآلات الحاسبة، والساعات الرقمية. وهذه الأرقام تميز أعمال مياجيما، وتظهر بصورة بارزة في منحوتاته ومجسماته ولوحاته وصوره الفوتوغرافية.
في صالة العرض المركزية في متحف الفن الأسترالي المعاصر أعمالاً منفردة 1ات بعدين وثلاثة أبعاد، وهي تضم منحوتات موضوعة على الأرضية وعلى الجدار، مع أرقام مضاءة موضوعة على سطوح عاكسة، تضع المشاهد داخل العمل من خلال انعكاساتها. والمكونات الإلكترونية مخفية، أو مكشوفة، والأرقام ترتفع قليلاً أو تنزل في تسلسل مبرمج مسبقاً.
أحياناً يجمع مياجيما مواداً طبيعية مع مواد إلكترونية مصنعة، فالأرقام المضاءة المعروضة كانت متناثرة عبر أطنان من الفحم في مجسمه (Counter Coal)/ 2008 – 2016؛ بينما تسبح الأسماك الذهبية في المجال وكأنها بيض ضفادع، في مناضد تعكس أضواء (LED) ضمن مسبح طويل في عمل (100 Time Lotus)/ 2008 – 2016.
لا شك أن المجسمات التي يغمرها الضوء هي أكثر الأعمال إغراء للعامة. عندما زرت المعرض بعد ظهر أحد أيام الأسبوع الهادئة سمعت زملائي من الزوار يطلقون صيحات عالية. كل من (Mega Death)/ 1999 – 2016، و(Unfinished Life)/ 2016؛ هو بيئة مصممة من أرقام مضاءة ملونة بلون واحد. وقد استعمل الفنان اللون الأزرق ممثلاً اللانهائي في اتصاله مع سماء بلا عمق. ويشير عنوان العمل السوداوي إلى دمار الحياة في القرن الـ20، والجدار الذي وضعت عليه الأرقام المضاءة مبرمج كي تسقط عليه العتمة في لحظات عشوائية.
الزوار في (Arrow of Time) مدعوون لأن ينحنوا، وينظروا إلى السقف الأسود، حيث علِّقت الأرقام الحمراء على ارتفاعات مختلفة. وعلى الرغم من الإيحاءات العنيفة للون فإن القاعة المشبعة باللون الأحمر لديها قدرة على التهدئة مثيرة للدهشة.
عمل مياجيما في تسعينيات القرن الماضي (Counter Voice)، وهو سلسلة عروض مسجلة مسبقاً، والتي ميزت عودته إلى جذوره في أعماله الأدائية التي أداها على المسرح قبل ذلك بعقد من الزمن، وكل فيديو يظهر مؤدياً يَعدُّ تنازلياً من الرقم 9 إلى 1 بلغته الخاصة، وبينما ينتظر المشاهدون أن يصل إلى الرقم 0؛ فإن المؤدين يضعون وجوههم في وعاء ماء وحليب أو نبيذ كرموز للولادة والتقمص في ثقافات مختلفة، قبل أن يعدوا مرة ثانية تنازلياً من الرقم 9. يُبطئ العدَّ أو يتسارع بصعوبة، بينما يسيل الماء داخلاً إلى عيون المؤدين وأنوفهم وأفواههم. هذه الأعمال هي تعذيب منحرف للروح، وتحية لروح الإنسان في ذات الوقت، لكن من الغريب أنها حقيقة تجربة مثيرة.
صاغ مياجيما عبارة (الفن في داخلك)، والذي يعني أن الفن موجود ليكتشفه المشاهد، وأن الفن لا ينجح من دون جمهور. هذا المنهج الذي يضع المسؤولية على المشاهد لينتج مفهوم العمل الفني من خلال تجربته الخاصة، بالإضافة إلى الأعمال المصنوعة في أعماله الإبداعية؛ تجعل من الصعب الشعور بالتواصل مع مياجيما من خلال المعرض.
وبصرف النظر عن الرسوم التحضيرية والبيانية؛ فإن يد الفنان بالكاد تظهر في أعماله. عندما نرى مياجيما شخصياً، ونتابع سلسلة الفيديو المبكرة (Counter Voice in the Water at Fukushima)/ 2014؛ فإن أداءه يشعرنا بأنه مبالغ فيه. وبينما تحيل أعماله إلى ماضي اليابان؛ فإن تلك العروض تأتي من اهتمام واسع بالتاريخ العالمي، وتتجاهل أي سرديات شخصية.
مياجيما فنان وسائط متعددة، لكن مادته الفنية هي في الواقع نظام الأرقام والزمن. وبينما عرضت شاشة من سبع قطع على تأثير الحنين في عصر شاشات "LCD"؛ فإن الأرقام ذاتها بقيت رموزاً فعالة، والأعمال التي تنتج عنها مثل الماندلات البوذية الرقمية التي تدعو المشاهدين إلى تأمل وجودهم الخاص.
To read more of ArtAsiaPacific’s articles, visit our Digital Library.