P
R
E
V
N
E
X
T

Sahand Hesamiyan in his studio located in Khorramdasht Industrial Zone, Iran. 

All photo by Kevin Jones.

ساهاند هيساميان

Iran
Also available in:  Chinese  English

مرسم النحات الإيراني ساهاند هيساميان أسطورة في عالم الفن في طهران. نصحني أحد الفنانين خلال زيارتي السريعة التي تستغرق ثلاثة أيام قائلاً: (إذا كنت تريد أن تزور مرسماً واحداً في العاصمة؛ فإنه الاستوديو الذي عليك أن تزوره). يندهش كثيراً زوار المكان الهائل – أصحاب صالات العرض والأدلاء والصحفيون والقيمون – من ضخامته، ومن دقة الأعمال الموجودة خلف جدرانه الأربعة. يوجد الاستوديو في المنطقة الصناعية خورامداشت خلف تخوم المدينة، قبالة الطريق المؤدية إلى جبال دامافاند، ومرسم هيساميان هو الموقع الذي تلتقي فيه الصناعة والتعقيد. 

أعماله الضخمة التي تستلقي مثل السفن، وكل عمل منها يقدم أكواناً بنماذجها المتكررة؛ تذكّر بالهندسة المعمارية الإسلامية، أي أنها تشبه كل شيء، من القباب المقنطرة والحجرات الاستشرافية، مستحضرة الصوفية، والميتافيزيقية، والرمزية، والروحانية، وهي أعاجيب نحتية تنبثق من الهندسة والشعرية. 

كل استوديو سواء كان الأفضل أم الأسوأ؛ يحكي قصة المنشأ، والأسلوب القائم وراء العمل، والإيحاءات المستمرة التي يقدمها مع الشكل، والتجريب الذي يشكّل قدر العمل. والتجول في استوديو هيساميان يكشف بداية تركيب تماثيله الضخمة، والمكونات المرمية كأكوام صامتة تنتظر إدراجها في تكوين نهائي، وتشمل تلك المكونات شبكات متقوسة وأضلاعاً متعرجة وأسلاكاً وقفصاً كالعين وصفائح من الجلد المعدني، وكل مكوِّن له وظيفته المحددة، وهو مثل كلمة في جملة نحتية. وبالرغم من كتلتها وحجمها؛ فإن الأعمال النهائية المرقعة والمطلية والمذهبة أحياناً تُبنى كشبكة خفيفة. وسط أصوات التقطيع واللحام والإكساء التي يتردد صداها تحت السقف الحديدي المموج العالي؛ يمكن الاطلاع على العمليات التي تنبثق عنها تلك المنحوتات الضخمة المذهلة والمثيرة، والتي تملأ المكان بشكل مهيب، إلا أنها في ذات الوقت توحي بأنها بالكاد تلمس الأرض في انعدام وزن هادئ.

هيساميان جاء بداية إلى المنطقة الصناعية خورمداشت، وهي منطقة صاخبة بشوارعها المحفّرة، ومستودعاتها القرميدية المزدحمة بورش التعدين، ومحال النجارة، ودكاكين الدهان، وما شابه ذلك. وفي عام 2008، أي بعد عام من حصوله على الشهادة الجامعية في النحت من جامعة طهران؛ كلفته منظمة طهران للتجميل بصنع تمثال لوضعته عند قاعدة برج الميلاد أحد معالم العاصمة، عندئذ احتاج هيساميان لاستديو يستطيع فيه أن يصنع تمثالاً كبيراً، فاستأجر ورشة، وصنع تمثال (شمس 1)/ 2008؛ وأبعاده 6 أمتار بـ6 أمتار، والذي جسّد اهتمامات الفنان بالهندسة والزخرفة الإسلامية والتكرار والحجم والشفافية.

بعد استئجار ورشتي عمل في المنطقة؛ وضع في ذهنه مشغله الحالي عام 2011، فاشترى هيساميان الأرض مع زميله في النحت ورفيقه في الدراسة، وشرعا في بناء مكان يناسب الأشياء الخاصة بهما. أما الأرضيات المرصوفة بالحصى فتمتد حتى الجدران المبنية من الآجر المتوجة بسقف مائل رمادي يمر عبو عوارض حديدية سوداء. وتتدفق أشعة الشمس في الفضاء الضخم عبر النوافذ المستطيلة. عند الجدار الخلفي في طابق الميزانين مطبخ ومكان للمعيشة يتم الوصول إليهما عبر درج مصنوع من الخشب والصُلب. فيما تنقسم مساحات العمل الملطخة التي تحتوي ما لا يقل عن اثني عشر صندوقاً خشبياً كبيراً، وكلها تحمل عبارة “سهل الكسر”. المنطقة الواسعة قليلاً بعد المدخل الأمامي مخصصة للسبك واللحام، يشغلها عمال يضعون على وجوههم أقنعة واقية ويعالجون ألواحاً خشبية. ويكشف هيساميان بثقة على هدوء المكان الذي يوفر فضاءً واسعاً لبناء القطع الكبيرة، وعلى الصمت الذي يساعد على تصور تفاصيل أكثر جمالاً وعمقاً، قائلا: (هنا أمتلك راحة البال لصنع ما أريد).

خلال زيارتي كانت هناك مكونات متناثرة على الأرض وهي أجزاء من عمل آخر. إذ من المقرر أن يزين أوبرا دبي التي أُعلن عنها حديثاً، وشكلت في نهاية المطاف تمثالاً أبيضاً لامعاً (خالڤات)/ 2016؛ وهو بشكل كوز صنوبر خشن برقائق موشورية تشبه التي استقرت بأناقة وسط دبي، وهو أول تمثال لهيساميان يعرض للعامة خارج بلده، ويتفاعل الزوار معه كما لو أنهم يشاهدون مركبة هادئة قادمة من مكان ما من عالم آخر. معنى اسم التمثال بالفارسية “الملاذ الآمن”، ومثل كثير من أعمال هيساميان ينبع من السعي الصوفي الشبيه بالسلام والخلود، ويستطيع الزوار عبر الكوى المقببة لتمثال (خالڤات) النظر إلى داخل ما يبدو مستطيلاً طبيعياً، مثل حرم خاص فيه أشكال وتفاصيل تتكاثر إلى ما لا نهاية. إن (خالڤات) مثل العديد من تماثيل هيساميان، فهو نشوة ملموسة.

مع ذلك لم يكن تمثال (خالڤات) قد أنجز، إنما ظهرت أشكاله الأولى مثل أكوام مكونة من قواطع وصفائح معدنية وإطارات من الصُلب، وكلها متداخلة مع بعضها مثل دمية ماتريوشكا الروسية. وما حولها مجموعات من القطع المفككة لـعمل (فوروگ)/ 2016؛ وهو عبارة تمثالان ضخمان كانا قد عرضا في نارا العام الماضي كجزء من تماثيل المدينة اليابانية التي كانت المدينة الثقافية في جنوب شرق آسيا عام 2016، ومثل (خالڤات) استوحى هذا العمل من قبة “راسمي” التقليدية في العمارة الإيرانية، وليس فقط من خلال فتحة يمكن رؤية الأجزاء الداخلية المعقدة من العمل، لكن أيضاً الأجزاء الخارجية المذهبة التي تعكس اسمه الذي يعني باللغة الفارسية “السطوع”. تم صنع العمل لعرضه في الهواء الطلق، والعملان (فوروگ) و(خالڤات) من الأعمال الفنية العامة الضخمة التي يعرف بها هيساميان. ومع ذلك  فإن العمل الفردي الأصغر الموضوع على الطاولة هو نحت مدبب طوله متر واحد من عام 2012، وهو يثبت لي أن الفنان ماهر أيضاً في تقديم العروض، وغالباً ما يتكيف مع نطاقه الخارجي ليؤثر بشكل مفاجئ في الداخل.

كان (ذاكرة مستمرة) هو المعرض الفردي الثاني للفنان عام 2012 في صالة “عون” في طهران. والعمل المركزي هو قبة بشكل سلم – مع كل التأثيرات المترتبة على الصعود الروحي – مائلة على جانبها، ومغطاة بألوان الأشعة فوق البنفسجية، ومضاءة بأضواء سوداء تكشف عن التغيرات اللونية طوال النهار والليل. (أحب أن تظهر أن تظهر قطعاً كبيرة في صالات العرض) كما يعترف هيساميان مبتسماً. يكاد يكون حجم (ذاكرة مستمرة) بحجم صالة العرض. العمل شفيف تماماً، إذ لا توجد كسوة تحجب النظر إليه. ثم إن التأمل في عدد لا يحصى من النقوش المتكررة كالتي في (خالڤات) هو نشوة. وبالمثل ففي معرض (تاڤيزه)/ 2015؛ في قبو داستان في طهران؛ ترك مساحة صغيرة للمشاهدين كي يدوروا حوله.

Models rest on a work table.
Models rest on a work table.
PreviousNext

Parts of various works scattered on the floor of Sahand Hesamiyan’s studio. On the left is the outer shell for his work Gonbade Kabood (2012), the interior of which will be covered by stainless steel. 

View of the industrial buildings in Khorramdasht. 

Work in progress for the outdoor stainless steel sculpture Gonbade Kabood (2012). 

ليس من المستغرب أن تكون الضخامة موجودة في تفكير هيساميان، وهو حالياً في منافسة لإعادة تصميم القبة في ميدان إنقلاب في طهران، على مرمى حجر من جامعة طهران. وقد استدعت هذا الحدث التأمل في الطبيعة الإشكالية للنحت العمومي في طهران اليوم.

( لا يمكنك إرضاء الجميع) يختتم هيساميان، في إشارة إلى الديناميّات التي تحكم تمويل اللجنة العامة التي تتوقع الاحتفال بالثورة الإيرانية التي قامت عام 1979. إذا تم اختياره؛ سيكون هذا العمل أكبر عمل له خلال حياته المهنية، ويبلغ طوله 12 متراً، وعرضه 8 أمتار. وحسب المخططات سيصنع من المعدن والشبك والزجاج، وسيحمل كل السمات المميزة له، النضج، الشفافية، التكرار، الزخرفة الإسلامية، وشدة الشبه مع الصوفية.

ومع ذلك، في مدينة يتم فيها تمويل من 300 إلى 400 منحوتة سنوياً، وبينالي النحت الحضري الذي انطلق بنجاح مع دورته الرابعة؛ يرى الفنان تحولاً في المشاريع البلدية نحو فلسفة (الجودة أكثر من الكمية). لكن لس لدينا الكثير من الفنانين الجيدين هنا لخلق النحت العمومي)، ويبدو أن عصر النحات الإيراني الشهير برويز تناولي وجماعته الذين هيمنت الأسلوبية على أعمالهم وأثاروا المجال العام قد انقضت أيامه، وصار مكانها فنانون يعملون أكثر قليلا من منفذين. 

ومع ذلك؛ فإن الفن العمومي لا يزال شريان الحياة بالنسبة لهيساميان الذي يتم الاعتراف به على نحو متزايد بسبب أسلوبه الخاص. وقد قال: (إنه شعور مُرضٍ لإشراك الفضاء والجمهور في العمل)، ويعترف بأن الحوار بين المشاهد والعمل النحتي يتعاظم في المكان العام. ويتحدث الفنان عن العلاقة الحميمة التي يخلقها الحجم والعرض في مكان عام، مشيراً إلى فلسفات النحاتين أنيش كابور المولود في الهند (كن كبيراً قدر ما تستطيع)، والفنان البريطاني أنتوني غورملي الشهير بتدخلاته في الطبيعة (إنه يجلب شيئاً جديداً كل مرة). 

خلال زيارتي كان هيساميان منهمكاً. وقد تزامن اللقاء مع سفره الوشيك إلى إستانبول والاحتفالات بجائزة (جميل) ذائعة الصيت، التي وصل اسمه فيها إلى القائمة القصيرة. وعلى الرغم من أن فناناً آخر حصل على الجائزة في نهاية المطاف؛ إلا أن الشهرة التي سيوفرها المعرض للشباب الإيراني ستكون مهمة للغاية. في حدود هذا الاستوديو الفسيح والحميم في ذات الوقت؛ يبدو واضحاً لي أن طريقة هيساميان صامتة وشاملة. وأنا أقود سيارتي عائداً إلى طهران كنت أتساءل فيما إذا كان الاستوديو ذاته – بمعنى ما – مثل فضاء (خالڤات) الداخلي هو ملجأ صامت في ذات الوقت، ومركز نشاط ينمو.

SUBSCRIBE NOW to receive ArtAsiaPacific’s print editions, including the current issue with this article, for only USD 85 a year or USD 160 for two years.  


ORDER the print edition of the May/June 2017 issue, in which this article is printed, for USD 15.