تمتع المصور الفوتوغرافي الصيني رين هانغ البالغ من العمر 29 عاماً بسيرة مهنية ناجحة مع برنامج مليء بالعروض قبل أن ينتحر في بكين في شباط/ فبراير 2017. أنتج ميل رين بورتريهات ملونة لنساء ورجال عراة يتشاركون أوضاعاً جنسية مختلفة أثارت غضب السلطات الصينية، لكن تلك البورتريهات منحته العالمية، وأصبح له أتباع على نطاق واسع. وقد اكتسب شهرته بفضل لقطاته البسيطة والجريئة لأفراد مثليين وغير مثليين، والشخصيات ترافقها بعبثية أخطبوطات وأفاعٍ وسحالٍ وسجائر وأسماك وأكياس بلاستيكية ومناظر طبيعة.
كنت مرتبكاً وأنا أقلب صفحات مجلد تاشن الاستيعادي الذي يضم 312 صفحة، والمنشور في كانون الثاني/ يناير قبل رحيل رين بوقت قصير، كما كنت مسروراً في المقابل بسبب وضوح العضو الذكري المنتصب، وبالأخطبوطات التي تلفها مثل الأقنعة، وبأنتيكات عروض جنس غريبة، وما شابه ذلك. عالم رين مضحك، هادئ وسوريالي، للمثليين وغير المثليين، معروض على نحو واسع في كتاب صور ملونة يعرض مشهد ثقافة بكين السرية.
صور الفنان الفوتوغرافية لا سياسية بقرار واضح منه، لكنها مستوحاة من هاجس العري، ومن التفاصيل العادية التي يمنحها الصدارة بلقطات طليعية. التقطت الصور خلال لقاءات مرتجلة مع أصدقاء يستمتعون بمعاكسة نفاق الأخلاق الصينية المحافظة ذات السمات الاشتراكية.
صور رين ليست جميلة أو متقنة واحترافية؛ بقدر ما هي ذكية وحصيفة. كان خيال المصور مقيداً فقط بحدود الالتواء الذي توحيه اليوغا، ووضع (تروب أويل)، مثل أرداف خمسة تشكل سلسلة جبال، والرتابة الباهتة لأجسام عارية. كما يستمد رين من الصور الجنسية التقليدية من المخطوطات والكتب التي انتشرت في عصر مينغ وكينغ في الصين، ومن التقاليد التي ازدهرت في شونغا في إيدو اليابان، إذ كانت المبالغة والنكات الجنسية موجودة دائماً. وللأسف؛ فإن تركيباته تبدو مفتعلة بحيث من الصعب أن تكون حرة وحديثة حقاً. في عصرنا الحالي ومع وجود منصات تبادل الصور عبر الإنترنت مثل أنستغرام وفيسبوك وسناب تشات وإمكانياتها في الوصول إلى تصفية الإنترنت، وتبادل المحتوى الجنسي؛ تبدو صور رين المطبوعة قديمة الطراز، ومتجذرة في الحنين إلى الماضي، وهناك توق كامن خلف تعبيرات الشخوص ووضعياتهم يشير إلى اهتمام الشباب في الصرعة التالية.
وراء صور رين للأصدقاء والعشاق – والتي تعتبر إباحية حسب القوانين الصينية ومعظم الولايات القضائية الأخرى؛ يكمن ذكاء حاد نشعر به أكثر بسبب اكتئاب المصور، وتخبّط حالاته التي وثقها في مذكرات بقيت على الإنترنت بعد وفاته. وهنا يستطيع المرء قراءة قصائد رين العاطفية، وكأنها مطابقة مثالية للقطات التي لا عنوان لها، والعبارات التي يعترف بها باكتئابه. تلك المذكرات الموجزة تصل إلى ما وراء المعاناة الشخصية لتصف الكون الكافكاوي المضطرب. فعلى سبيل المثال كتب في واحدة من تدويناته المؤرخة في 17 أيلول/ سبتمبر 2016: (على مدى سنوات كنت أعالج أمراضي الخاصة، ولعبت دوري الطبيب والمريض. مرة يعالج الطبيب المريض، ومرة يعالج المريض الطبيب. وبهذه الطريقة، تحولت الحياة إلى مستشفى، وأنا عالق إلى الأبد من غرفة إلى أخرى في هذه المستشفى. وما من أحد آخر متاح له أن يدخل، ولا أنا متاح لي أن أغادر).
عندما نطلع على تلك الأفكار الشخصية يصبح من الأسهل رؤية كيف يمكن لشاب كتبها أن ينتج سلسلة من الصور التي تثير سروراً مستهتراً، وتوفر متعة عميقة لتأملها بحالات إنسانية معينة. إذ تجسد صور رين جيل مُمَكّن، ففي مجاز المبالغة في الشبق الجنسي للشباب تضعف مع سلسلة الصور المعروضة لرجال ونساء يشاركون في تخيلات ملتوية ومرحة وكأنهم ممثلين يكشفون عن أعضائهم الحميمة. وفي تصوير أيدي كثيرة محتشدة حول الأعضاء التناسلية؛ فإنها تشبه ديكوراً يتدلى من سقف تشبه هيبيي الستينيات، وفي الواقع التحق هؤلاء الصينيون بالغرب على نحو مثير.
الغربة في أوكيناوا في اليابان ليست بعيدة أبداً عن متناول اليد، والرجال والنساء المصورون في عمل الفنانة ماو إشيكاوا (وردة حمراء: نساء أوكيناوا) أنيقون أكثر، وأفضل من الشخوص في أعمال رين هانغ، وأكثر حكمة. ومع ذلك فهي تصور المتعة والجنس بطريقة أكثر جدية وتجارية. موضوعات الجنوسة والعرق والصراع وهزيمة أميركا في الحرب الفيتنامية؛ هي أيضا حاضرة في خلفية هذه اللوحات.
ولدت إيشيكاوا التي لم يأخذ شهرة كما يجب في أوكيناوا، والتي هي عبارة عن سلسلة جزر انفصلت سابقاً عن اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وسيطرت عليها قوات الجيش الأميركي منذ عام 1945 و1972. درست الفنانة فن التصوير الفوتوغرافي فترة قصيرة في طوكيو، وقبل عودتها إلى بيتها في أوكيناوا أواسط سبعينيات القرن الماضي قررت التقاط صوراً للجنود الأميركيين الموجودين في الجزيرة. وبناء على وصية صديق أخذت وظيفة في حانة صادف أن يتردد إليها جنود أفريقيون أميركيون. وكما كشفت إشيكاوا في مقابلة أجريت معها مؤخراً في مجلة “آي دي” أن في الوقت الذي كانت أوكيناوا مثل مستعمرة أمريكية حيث يستطيع الجنود أن يفعلوا ما يشاؤون – رغم أن الجنود الأميركيين من غير البيض قاتلوا في ساحة المعركة مثل الجنود البيض – فإن المجموعتين كانتا تنفصلان أثناء الشراب واللقاءات وممارسة البغاء في الليل. في انعكاس لسياسة الهوية، وليس بعيداً عن تشظي الولايات المتحدة الأمريكية حالياً. إشيكاوا – وهي في العشرينيات – تعمل مع جنود أمريكيين في العشرينيات، وقد وقعت في الحب مراراً وتكراراً، ورحلت مع جندي أمريكي من أصل أفريقي، وأصبح زملاؤها أفضل أصدقائها.
ثمانون صورة بالأسود والأبيض من دون تعليق، مطبوعة على شاشة حريرية في كتاب صممه استديو لين في نيويورك، وصدر عن دار " Session"؛ تعرض جنوداً مع شريكاتهم من النساء أثناء “العمل” و"المرح". وصور الرجال السود النحاف تظهر التمايز بينهم وبين النساء الموجودات إلى جانبهم، أما أولادهم الصغار من تلك العلاقات الغرامية فتظهر في صور إيشيكاوا العائلية وفي غيرها من الصور مثل صور الألبوم.
تتبنى الفنانة وجهة نظر نسوية قوية تؤمن بالمساواة لهذه العلاقات، وكما تقول فإن ذلك يعكس مشاعر نساء أوكيناوا آنذاك. قالت ماو لمجلة “آي جي” في الإجابة على الأسئلة الجماعية: (ما الخطأ في حب الرجال الأمريكيين من أصل أفريقي؟ وما الخطا في العمل في حانة؟ وما الخطأ في الاستمتاع بالجنس؟)، مشيرة إلى أن لا الجنود، (المرحين والواثقين بذواتهم أحياناً، وإلى درجة الغطرسة أحياناً)، ولا النساء الشابات اللواتي قدمن لهنّ الخمر في الحانة كانوا معنيين (بكيف ينظر إليهم الآخرون).
هذه صور فيها حنين، تصور أناساً على الشاطئ والحانة وغرف النوم والملاهي. تعري الفتيات بفخر صدورهن، وترفع إحداهن وثيقة زواجها، كما لو أنهن يردن أن يصدمن من يشاهد الصورة، بينما تثير اللقطات القريبة للأطفال المتعددي الأعراق تساؤلاً حول مستقبلهم في مواجهة التمييز العنصري الذي لا يعرفون عنه أي شيء بعد.
تكاد تستطيع شم راوائح الدخان والعرق والمكياج في ليل شبه إستوائي في شوارع مليئة بالقمامة في الجزيرة الباسيفيكية الصغيرة. عندما كنت أقلب الصفحات تساءلت إن كانت ربما أنغام البلوز بمثابة مستميات مناسبة.
(الزهرة الحمراء) هي مذكرات تاريخية تركز على لحظة من الراحة السلمية من المعارك التي كانت تدور حول العالم، وإذا خدشت السطح فسوف ترى كيف تكشف هذه الصور أيضاً كيف أن اللقاءات العالمية – سواء كانت عشوائية أم منظمة – لا تستطيع أن تكون متحررة من التيار السياسي الذي يحدد دور كل فرد في المجتمع إن كان مهيمناً أم خاضعاً. على الرغم من عالمية هذه الحالات؛ فإن المشاركة الخاصة للفنانة الشابة إشيكاوا واندماجها الكامل الذي يخلط الحياة والعمل تعطي الصور نكهة لاذعة، حتى بعد أربعة عقود من التقاطها.
SUBSCRIBE NOW to receive ArtAsiaPacific’s print editions, including the current issue with this article, for only USD 85 a year or USD 160 for two years.
ORDER the print edition of the May/June 2017 issue, in which this article is printed, for USD 15.