في أحد الصباحات قبل عدة أعوام بينما كان لي وان يتناول فطوره؛ نظر إلى مجموعات متنوعة من الحبوب والعصير والسكر على طاولة مطبخه، وبدأ يستعرض على مهل مسميات مكونات المواد وبلدان المنشأ. فاجأه كيف أن تفاصيل غير مهمة تتضمن معلومات مهمة. فكر في كيفية انتقال معظم الضروريات الأساسية للحياة اليومية – مثل أطعمة الفطور البسيطة – من معامل صغيرة في جنوب شرق آسيا إلى متاجر عملاقة في الولايات المتحدة وأوروبا.
أدى ذاك التأمل الصباحي إلى سلسلة (صنع في)/ 2013 – 2017؛ المكونة من فيديو ومجسمات، واعتمد فيها لي على دور المزارع والمنتج والحرفي، ليتحرى كيفية إنتاج السلع التجارية. وعلى مدار عدة أعوام لاحقة سافر إلى بلدان آسيوية مختلفة سعياً وراء المعامل والمزارع التي تنتج السلع الغذائية، والتي هي شريان الحياة لاقتصاد تلك البلدان. وقد صوّر نفسه وهو يكّد في تلك المواقع النائية، مثل مزارع قصب السكر في تايوان، وحقول الرز في كمبوديا، ومعامل طاولات الخشب في أندونيسيا، ومناجم الذهب في ميانمار، ومعمل البِدل الحرير الشهيرة في تايلاند. والنسخة النهائية تمت في مطلع هذا العام، وفيها توثيق لانضمامه إلى القوى العاملة في المزارع، واستخراج الزيت من النخيل.
خلال العرض الجزئي (صنع في) في لِيُوم متحف سامسونغ للفنون في سِيول عام 2014؛ ظهرت ملعقة صغيرة من السكر، وثلاثة غرامات ذهب، ووعاء رز؛ قُدِّمت إلى جانب أربع أشرطة فيديو فيها صور رحلاته الطويلة لصناعة تلك المنتجات. وحصل لي على جائزة آرت سبيكتروم المرموقة في ذات العام على عمله هذا، وهو الذي كرس ذاته كواحد من أكثر الفنانين إثارة بين أبناء جيله في كوريا الجنوبية. معززاً صعود نجمه السريع في بينالي البندقية الـ57 الذي سيبدأ في أيار، حيث سيقدم أعماله في جناح كوريا إلى جانب كودي تشوي.
هناك سيعرض لي 12 فيديو متعدد القنوات، و12 منتجاً من من سلسلته، إلى جانب أعمال أخرى مثل (الوقت المناسب)/ 2017؛ وسيتم تشغيل 365 ساعة بسرعات مختلفة حسب مسح لي الواسع للإحصاءات العالمية، وقياسات الدخل، وتعليقاً على كيفية ارتباط الحياة العصرية بالأوضاع الاقتصادية والسياسية.
ومع ذلك؛ حتى قبل (صنع في) برز لي في دائرة الضوء. فوجبات الطعام وغيرها من الطقوس اليومية الأخرى تبدو بسيطة بالنسبة له. ومنذ بداياته المهنية أواسط عام 2000 كان يركز على النزعة الاستهلاكية في المجتمع المعاصر، وأنظمته كجزء لا يتجزأ من العمل والإنتاج والتوزيع، ودمج مركبات غير عادية من المركبات الجامدة تعبيراً عن وجهات نظره المعارضة للعالم الذي يصبح مادياً على نحو متزايد. وفي حين أخذه عمله (صنع في) عبر آسيا؛ فإن إلهام عمله متجذر في بلده كوريا الجنوبية، البلد الفقيرة بالموارد، والتي ازدهرت بفضل الإصلاح الاقتصادي الذي اتبعته في الثمانينيات عبر التصنيع القائم على الاستيراد والتصدير، فضلاً عن استغلال القوة العاملة الكثيفة، لتصبح في المرتبة الـ12 بين الدول الغنية.
ولد لي عام 1979 في سِيول بداية فترة النمو، وشهد أيضاً إفلاس بلده مالياً عام 1997، والذي هز ثقة الناس بالحكومة، والشركات الصناعية العملاقة “شيبول” التي تسيطر على الاقتصاد الكوري. على هذا النحو يدرك الفنان أن عقود الإصلاح التدريجي في كوريا الجنوبية كانت لها نتائج اجتماعية سلبية أو تراجعية، وهو ما يتجلى في المادية المفرطة للمجتمع المعاصر، وفي نظام التعليم الجامد الذي يحبذ النجاح الناجم عن الربح على الابتكار أو النمو العاطفي.
عند مناقشة مرحلة شبابه؛ ذكر لي أنه بدّل مدرسته الثانوية عدة مرات، ووجد صعوبة في التكيف مع البيئات الجديدة، والأهم من ذلك ذلك أن متطلبات النظام التعليمي الهرمي كانت تربكه باستمرار. وحتى بعد أن التحق بجامعة دونغوك لدراسة النحت فوجئ بزملائه وبالطلبة الذين يعانون من ضغوط مماثلة. وقد أشار إلى التفكير بأن شباب جيله بدو وكأنهم أشياء على حزام ناقل، يتمّ تجميعها تدريجياً في آلات العمل.
إلى جانب تطوير تلك النظرة المجهرية النقدية للجوانب الأساسية في المجتمع الكوري؛ بدأ لي يبتعد عن البحث عن الإلهام في الكتب الدراسية الفنية التقليدية التاريخية ، وبدل ذلك استندت ممارسته الفنية المبكرة على استكشاف ملاحظاته الخاصة حول السلع المادية، وسياقها الاجتماعي، فضلاً عن قوة الفضاء العام وتأثيره على التجربة الفردية.
لي أبدع سلسلته (ركوب الفن) أول مرة عام 2005 بعد تخرجه في جامعة دونغونك بعام واحد. خطرت له فكرة المحاكاة الساخرة للملعب في يومٍ كان يفكر فيه بمن حوله، وبالبيئة القمعية للامتثال الاجتماعي. وقد تصوّر في ذهنه استخدام عملية إدخال التعليم الصارم ونظام العمل إلى ملعب الأطفال، حيث يجبر الناس على اتباع ذات الأسلوب بالقفز إلى الأعلى والأسفل، بينما يدور جولة إثر جولة. اختبر لي أسلوب (DIY) في ترجمة تلك الاستعارة إلى سلسلة من الموضوعات، وقد شحذ هذا الأسلوب واستخدمه في أعمال أخرى مثل (صنع في). وعدّل المكتب القديم وأثاث المدرسة برقائق خشبية ومعدنية ومواد أخرى، لينشئ معدات ملعب هجينة، تضم الأرجوحة وسلم التسلق ودراجة بثلاث عجلات ودوامة الخيل الدائرية، وكان ركوب الخيل مخصصاً لاستخدام المشاهدين الزائرين للمعرض، رغم أنها لم تكن للعب تماماً. وعندما يجلس الزائرون عليها ويدورون على خيولهم يصبح من الواضح أن قصد لي هو السخرية من مجتمع منظم إلى درجة تفرض على الأفراد أن يذعنوا لقواعد الركوب كشرط لانتمائهم لهذا المجتمع.
في الأعوام التكوينية التالية لعمل (ركوب الفن) عمق لي استكشافاته لحالات في المجتمع المعاصر، وقدم عام 2008 فيديو (Dei Gratia)/ 2008؛ في معرض (أنا فنان) الجماعي في المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر في غواشيون، مدة الفيديو الملون أكثر من 8 دقائق؛ وفيه يظهر ما يبدو أنه تصوير لقاعدة تدور، فوقها طير ميت إلى جانب علب عطور شعبية وعلب سجائر ومسكنات ألم، بالإضافة إلى تاج مطلي بالذهب وخاتم ونسخة بلاستيكية كبيرة لجنيه إسترليني بريطاني، وقد استبدل لي على طول الفيديو بشكل متقطع منتجات جديدة من ماركات عالمية شهيرة بالعلب الشعبية مثل زجاجة بيرة هاينكين، وعلبة ماكدونالدز كرتونية للبطاطا المقلية، وعلبة مسكن الآلام تايلينول، في حين أن الطائر الميت لا يزال يتعفن.
يستكشف العمل الفجوة المتزايدة بين الموقف الأخلاقي وأسلوب الحياة، فضلاً عن التفاوت بين العالم الطبيعي والأجسام المنتجة. مع بدء توقيت الفيديو تزحف اليرقات نحو جثة الطائر الصغير، بينما تبقى العلب الفارغة سليمة تماماً، ويبدو أن القرص الدوار يرمز لدورة الاستهلاك البشري التي لا نهاية لها، وتستمر رغم الحياة والموت. عنوان الفيدو هو أيضاً إشارة ساخرة للعبارة اللاتينية “بفضل نعمة الله” التي تشير إلى السيادة ذات الطابع الإلهي التي ادعاها الملوك الأوروبيون، وهي مماثلة للعبارة الموجودة على الوجه الثاني للعملتين البريطانية والكندية. كا يشير فيديو لي أيضاً إلى “عبادة الأوثان” في مجتمع يسوّق بشكل كبير لأشياء مثل العطور الغريبة والسجائر. ذلك الاستعمال الرمزي الغريب للأشياء المتعفنة وهي تدور؛ تستحضر مفاهيم التكرار ودورة الحياة في البوذية التي تذكر باستعارة لي للبشر كأشياء في دوامة الخيل "كاروسيل"، وبشعوره الشخصي بالقلق والحزن عندما يواجه الخضوع للنظام الاجتماعي.
إذا كانت (Dei Gratia) انعكاساً مؤثراً لعدم ارتياح الفنان لدورة مفرغة من نزعة الاستهلاك. إذ أن أعماله أعماله اللاحقة محاولات لتغيير عاداته الخاصة، وعقليته كفرد يتعرض باستمرار لمثل تلك المادية. في ذات وقت تصميم (Dei Gratia) بدأ لي تقريباً بتصميم سلسلة عمله (الحياة تنشر تموجات الدم الحمراء على نطاق واسع)/ 2008 – 2009؛ التي تعرض المواد الغذائية لأول مرة، وتتحقق من فرضية أن النزعة الاستهلاكية جاءت نتيجة حتمية لرغبة الإنسان في الراحة. أول عمل في سلسلته (قبلة وداع وحيدة, كرة بيسبول دجاج)/ 2008؛ وهو مجسم لما يبدو كرات بيسبول عادية، بعضها داخل سلة سوبر ماركت صفراء، وأخرى متناثرة على رقعة أعشاب اصطناعية، وعندما ندقق عن قرب يتضح أن كرات البيسبول منحوتة من مواد غير عادية وغير متوقعة، إذ أنها مصنوعة من الدجاج.
عندما عرضت أعمال لي لأول مرة في كوريا قلبت الرؤوس، فقد أراد الفنان بهذا العمل تعطيل الفرضية التي تكرس روتين الحياة اليومية العادية وطقوسها. وكان الإيهام البصري المضاف ليَّاً للروابط المفترضة بين الغذاء والرياضة، وكان ذلك بمثابة نقد غريب لعبثية عادات الاستهلاك الجماعي في كوريا، وكيف يرتبط ذلك عميقاً بالثقافة الأمريكية، كالدجاج المقلي الكوري، واللحم المعلب مثل "سبام"، والبيسبول، وكلها من مخلفات احتلال الولايات المتحدة العسكري لشبه الجزيرة الكورية في خمسينيات القرن الماضي. وكما أوضح لي الفنان: (البيسبول هي اللعبة الأكثر شعبية في البلدان النامية التي تبني اقتصاداً قوياً، وعلاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة. واستحواذ البيسبول على كوريا ليس استثناءً، فقد نمت شعبيته بالتزامن مع النمو الاقتصادي بعد الحرب تحت التأثير القوي للولايات المتحدة). وفي ضوء ذلك؛ تبدو كرات البيسبول المصنوعة من لحم الدجاج تجسيداً مادياً لفكرة لي عن الاستهلاك اليومي للمنتجات المريحة والرياضة كشيئ يرتبط بشكل وثيق باتجاهات الليبرالية الجديدة.
رغم أن لي انتقد انتشار الرأسمالية في المجتمع الكوري؛ إلا أنه شكك أيضاً في معظم السياسات المحلية. وعمل آخر في (الحياة تنشر تموجات الدم الأحمر على نطاق واسع) عنوانه (الأدوات المنزلية)/ 2009؛ نفذه باستعمال لحم البقر المفروم لصنع نسخ متماثلة نابضة بالحياة من الأدوات النافعة المستخدمة في كوريا الجنوبية، مثل العصا الخشبية والمكنسة ومكبس الحمام والرفش. قال لي إنه اختار بالتحديد أدوات تستخدم بكثرة وبشكل ملحوظ، وعلى سبيل المثال تستخدم العصا عادة في المدارس الثانوية الكورية، وفي الجيش للعقاب الجسدي، بينما تستخدم المكنسة الخضراء اللامعة في تنظيف الشوارع والأماكن العامة الأخرى. عندما أعاد لي صناعة هذه الأدوات من لحم البقر فهو يجعلها عديمة الفائدة، ويضع قيمتها الرمزية في المجتمع تحت المجهر، سواء كانت تمثل السلطة مثل العصا، أم تمثل التبعية مثل استخدام المكنسة ليجعلها موضوع تساؤل. وفيما يتعلق بمعرضه الفردي في متحف توتال للفن المعاصر في عام 2009؛ فقد علق لي تلك المنحوتات على رف تخزين، بينما استندت الأعمال الأخرى على الجدار مثل وضعيتها في استخداماتها المنزلية. عندما ندقق عن قرب؛ فإننا نجد أن النسيج الاصطناعي للحوم الحيوانية المغطاة بطبقة الأكريليك الكثيفة والطلاء يكشف عن الطبيعة الخادعة لأشياء لي. إن الدوران البصري يعززالقيم المدركة والمحددة التي نضفيها على الموضوعات.
إن نظرة لي للمجتمع الكوري صريحة ونقدية دون مهادنة. بعد سلسلة (الحياة تنشر تموجات الدم الأحمر على نطاق واسع)؛ يؤكد رفضه ضلغوط الانصياع للمجتمع بعنف في بعض الأحيان، عن طريق تغيير الأشياء مادياً في سلسلة (معيار مهمل)/ 2010. واحد من الأهداف المركزية في هذا الشكل من الأعمال استكشاف كم يمكن للأدوات أن تعكس الضغوط النفسية المتمثلة في الامتثال للإيديولوجية. أخذ كل المواد والأدوات المنزلية ووضعها معاً بعد إجراء تعديلات جذرية عليها. ألواح قرميدية وحجرية، بلاط، عجلات عربات، ومطارق، وغيرها من الأشياء الدنيوية، قُطعت وفُرمت وصُقلت ليصنع سطحاً عاكساً، ورغم صعوبة تغيير السطح الخارجي غير المتساوي للآجر إلى مرآة؛ فقد أوضح لي أن الأدوات الأخرى مثل أثقال الحديد التي تستخدم في التمرينات الرياضية تتحول بسهولة نسبية إلى مرآة بسبب تركيبها المادي. وهذا التحويل العنيف أجبر أشياء مختلفة جداً كي تصبح أكثر تماثلاً في المظهر والقيمة النفعية، وقد خلق هذا التوحيد شعوراً بالنظام والضبط والسيطرة، وفي ذات الوقت فإن الاختلافات الدقيقة في اللون والمواد والشكل تنقل إلى أي مدى يخلق فرض نظام موحد أيضاً تمايزاً بين الأفراد، دالّاً على استحالة الاعتماد على معيار واحد.
إن استمرار تركيز الفنان على الطاعة الاجتماعية العقائدية، وعلى عمليات التحول القسري كما في عمله (كيف تصبح نحن)/ 2011؛ حيث جمع لي من الشوارع مواداً مستعملة ومرمية، بما في ذلك مانيكانات وزجاجات ماء بلاستيكية وكراسٍ وصوانٍ ومجارف وثلاجات، وعرضها في صالة “Art Space Pool” في سيول عام 2011، وقد قسم هذه المواد وقطعها وجمعها في 60 مجموعة، ووضعها على موازين صناعية فردية تظهر الوزن المتوسط لكل مادة 5.06 كيلوغراما. وكلها معروضة تقريباً كنافذة دكان، والعمل يثير تساؤلاً حول ترتيب المواد في السوبرماركت، عنوانها (كيف تصبح نحن)، وحملت أيضاً مفارقة ساخرة للنظم الجماعية الشاملة التي تحدد هوياتنا الفردية.
مرة أحرى يكافح لي ضد الواقعية التي يرى الذي يمليها هو الإيديولوجيا الرأسمالية، وقد ذكر خلال حديثنا أنه يشعر غالباً بالصدمة من القواعد العالمية المعقدة للرأسمالية، والتي يعتقد أنها غير منطقية ولا يمكن التنبؤ بها، وأنها محفزة للظروف الاجتماعية المتقلبة. في واحدة من أكثر منحوتات لي إبداعاً (إمكانية الأشياء المستحيلة)/ 2012؛ يستكشف قدرتنا على تحديد المستقبل والتنبؤ بقيمة الأشياء في عصر الرأسمالية والإنتاج الضخم. ويظهر العمل ميزاناً مع آجرّة معلقة على جانبه، وكيس قمامة كبير فيه محتويات لم يكشف عنها على الجانب الآخر، والعمل يشير إلى الانهيار الاقتصادي الذي شهده لي عام 1997، حين تم استنزاف احتياط الحكومة من النقد الأجنبي، واقتضى الأمر وضع خطة من قبل صندوق النقد العالمي. ورغم أن لي لم يذكر تلك الحادثة صراحة؛ إلا أن العمل يعبر عن موقف ساخر من فكرة المساواة بين القيم النقدية والمادية. إن ذاك التخوف والارتباك حول ما يساوي ما هو متمثل في توازن دقيق بين اليقين وعدم اليقين. عندما عرض لي (إمكانية الأشياء المستحيلة) في متحف دايغو للفنون عام 2012؛ كان الحامل العمودي للميزان مغطى بقماش أخضر على قمته طائر تُدرج محنط، في حين يعكس الوشاح عدم استقرار سوق الأوراق النقدية، وذلك عن طريق تغطية محور التوازن. والطير – برأي لي – هو استعارة تدل على عدم قدرتنا على العمل خارج المجتمع الاستهلاكي. قال لي عن الدُرج: (إن أسلافه البريين أقوى بكثير… وهي متفوقة عقلياً، لكن الطيور تراجعت بسبب الخمول).
حتى عام 2013؛ عبر لي عن نطاق استكشافات الاستهلاك من خلال مجموعاته التجريدية ومنحوتاته، وبينما كانت أعماله السابقة تنتقد الثقافة الاستهلاكية؛ فإن سلسلة (صنع في) تمعنت عميقاً في تلك الاهتمامات من خلال النظر في الآثار الجيوسياسية للرأسمالية في الحياة الحضرية الحديثة. كل مقطع فيديو من الفيديوهات الـ12 المتعددة القنوات في السلسة يقدم تعليقاً ثاقباً على تجربة الفنان بالدخول إلى بيئة غير مألوفة، وخلق مادة واحدة، ففي مقطع كمبوديا على سبيل المثال؛ وفرت الترجمة المصاحبة للفيديو اللغتين الكورية والإنكليزية لتقديم ملاحظات شخصية وتفسيرية عن التاريخ السياسي لكمبوديا، وعن إنتاج الرز، منذ تحررها من حكم الاستعمار الفرنسي في خمسينيات القرن الماضي وحتى منتصف السبعينيات عندما استلم الخمير الحمر السلطة بقيادة بول بوت عديم الرحمة. نحن نشاهد لي أولاً وهو يسافر إلى متحف تول لينغ جينوسايد، وفيما بعد وهو يشق طريقه إلى مزرعة رز على مشارف بنوم بنه، حيث التقى مزارعاً كان فيما مضى جندياً من الخمير الحمر، وهو الذي أعطى لي حبوب الرز لزراعة المحصول الذي سيصبح أحد المنتجات النهائية في العمل. بهذه الطريقة يربط لي عمل زراعة الرز الذي ما يزال حيوياً بفترة صادمة ومضطربة، حيث قُتل بوحشية أكثر من مليوني شخص بسبب الإرهاق من العمل، أو بسبب المجاعة نتيجة محاولة بول بوت لبناء مجتمع زراعي لا طبقي.
عندما التقيت لي في مستودع الصُلب الذي تحوّل إلى استديو في منطقة مولاي دونغ في سيول في كانون الثاني/ يناير؛ أخبرني أنه كان يعمل على عدد من المشاريع في ذات الوقت. وفي اليوم الثاني كان من المقرر أن يسافر إلى ماليزيا ليصور الجزء الأخير من (صنع في) للعرض في بينالي البندقية، وسيكون الوقت مناسباً ليكون معه السيد (k) و(مجموعة من التاريخ الكوري)/ 2017؛ وهو مشروع حجمه كبير يروي سيرة السيد (k) شبه الخيالية، والمبنية بتصرف لسيرة رجل يدعى كيم كيمون عاش بين عامي 1930 و2011. وسيضم المجسم في الأرشيف مع 14 ألف صورة، ومجموعة آثار متنوعة، لتقديم روايات لا يمكن الاعتماد عليها لتاريخ كوريا الحديث المضطرب، وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن ستكون الصور مشوشة جزئياً، ويمكن أن ترى فقط من خلال ثقوب، لتثير المزيد من الأسئلة حول “شرعية البناء السلس والمتماسك للتاريخ العالمي”، وتتحدى المشاهدين لاستكشاف العلاقات النسبية وسط جو اجتماعي خانق من المواد التي لا ضرورة لها، والمعلومات الزائدة.
إن الأعمال التي عرضت في معرض لي وان الأخير في شباط/ فبراير في “313 آرت بروجكت” في سِيول؛ تعزز عميقاً مثابرة الفنان الثابتة في معالجة القضايا الاجتماعية. وتتألف سلسلة (مقاربة رقمية لشيئ لا قيمة له)/ 2017؛ من لوحات تجريدية مميزة، وخربشات مبهمة بخط اليد، وقد تشارك في إنتاجه لي وثمانية عمال مهاجرين تم توظيفهم عبر وكالة توظيف محلية. كانت الإضاءات التي يقدمها على جدران صالة العرض آسرة بصرياً، لكنها تركت المشاهدين مع معضلة أخلاقية تردد صداها في كل أعماله. بدا الفنان لي وكأنه يسأل: ما الذي يحدد القيمة الحقيقية للفن؟ هل هو المشاهد؟ أم التضحيات التي قدمت باسم العمل والإمبريالية؟ إن معالجات لي وان التمردية السياسية والتحويلية؛ تشجعنا على النظر إلى العالم خارج شروطه المادية والاستهلاكية.