2 أو 3 نمور

المفترس، الفاتح، الحاكم.. تتبادر إلى الذهن عدة صفات عند النظر إلى واحد من أكثر مخلوقات الطبيعة مهابة، وبسبب تلك الصفات أصبح النمر مجازاً شعار القوة والهيمنة الاقتصادية في القارة الآسيوية، وللاستفادة من فكرة أن القط المخطط يمتلك قوة هائلة؛ فإن القيّمَين أنسيلم فرانك وهيونجين كيم نظما معرضَ (2 أو 3 نمور) في بيت ثقافات العالم في برلين، كجزء من سلسلة معارض (100 عام من الآن)، والتي تهدف إلى تعزيز الأفكار الاجتماعية السياسية الجديدة في الفن، وذلك بربط حالاتنا السياسية الراهنة بالمِثاليات التاريخية، وقدم العرض ثمانية فنانين منفردين، والثنائي الذي يصف تأثير التاريخ الاستعماري على هويات الشعوب الآسيوية في وقتنا الحالي.     

استلهام اسم عنوان المعرض وفرضيته شمل العمل (نمر واحد أو نمور متعددة)/ 2017؛ لفنان وسائط الاتصال المتعددة السنغافوري هو تزو نيين، والذي يتضمن إسقاطات شريطَي فيديو على الأطراف المقابلة لغرفة صغيرة مظلمة في بيت ثقافات العالم.

وقد تم عرض رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد لإنسان ولنمر، كلاهما يطفوان في الفضاء الخارجي، والجسم الأخير ينفجر كبالون ثم يتضاءل ليتحول إلى سجادة من جلد النمر، وفي ذات الوقت يتخذ وجه الرجل ببطء صفات القط. تلك التحولات يرافقها صوت يتحدث بارتفاع هائل وبانخفاض شديد، وهو يروي قصصاً شريرة من تاريخ استعمار ماليزيا. مشاهد الفنان الخيالية تحرض على الإغراق في اعتماد النمر كرمز في فتوحات القرن الـ20، أي القوات العسكرية اليابانية التي هزمت الجنود البريطانيين وتابعت لتحتل ماليزيا وسنغافورة عام 1942، وأطلق عليها اسم “النمور”.      

في مكان آخر من المعرض عدد هائل من الأعمال معروض أكثرها على الشاشات؛ تكشف عن المزيد من الرؤى الفنية للماضي والمستقبل. فيديو جين جين كايسن، وجوستون سوندين كونغ (المرأة واليتيم والنمر)/ 2010؛ يستكشف الإتجار الياباني بالنساء الكوريات للمتعة في فترة ما بين الحربين. وبهدوء يتأمل المخرج السينمائي الكوري بارك تشان كيونغ الاستشهاد الإيديولوجي في (مدرسة كيوتو)/ 2017، فيدمج مذكرات يومية قصيرة عن الحرب العالمية الثانية لطيار كاميكازي مع منظر هائل “للانتحار” في شلال  كيغون الذي أصبح شعار حركة مدرسة كيوتو الفلسفية التي تمجد التضحية بالنفس أثناء حرب المحيط الهادئ.

على مقربة من كولاج وسائط الاتصال المتعددة الداكن يوجد فيديو جيمس تي. هونغ  (فرصة تشاينمان)/ 2017؛ الذي يصور النزاعات الحديثة بين اليابان وكوريا على جزيرة دوكدو، وبين اليابان والصين على سينكاكو. فيعرض الفنان التايواني الأميركي مناظر بسيطة للسائحين ولطيور نورس، ولمناظر للجزيرتين من المحيط، بينما يعبر عن آرائه في ازدراء ديناميات السلطة الحالية، والخلافات التي لا معنى لها حول الأراضي.

أعمال مينوك ليم الرقمية المتعددة من صورة الفيديو ثلاثي القنوات (S.O.S. الإجماع بالتبني)/ 2009؛ لأرواح قلقة على طول ضفاف نهر هان في سيول، واتصال تشيا وي هسو مع الإله الضفدع الصيني مارشال تاي جيا في (روح الكتابة)/ 2017؛ سرعان ما أسر الزوار. 

ثمة مجسمات قليلة قدمت الارتياح. ففي منحوتات ليم للوسائط المتعددة تتلاقى المواد الطبيعية والاصطناعية في أشكال غريبة. وعملها الغريب (ثقب أسود)/ 2015 عبارة عن مجموعة  أضواء مشوهة مصنوعة من رقائق خشب وريش، وعمود إضاءة يشوه تاريخنا ما قبل الرقمي من خلال تصفيته بوساطة التكنولوجيا الحديثة. هذه الصفات المشؤومة يتردد صداها في عمل ليكو شيغا (صورة من الزراعة)/ 2009، وهو عبارة ورق جدران فوتوغرافي، فيه يتمعن زوجان يابانيان عجوزان في وجوه المشاهدين، والرجل تتخلل جسده شجرة، ولا يبدو عليه أي انزعاج. صورة ليكو شيغا المرعبة تصوير يتجاوز الندوب الخفية في منطقة توهوكو؛ حيث أصيب السكان بشدة جراء تسونامي عام 2011.

العديد من الحقائق التي تتكشف في (2 أو 3 نمور) تترك أثرها على الزوار، ولكن أيضاً على بعض الأعمال الفنية. وإلى جانب الشهادات المصورة للعذاب الصامت والاحتجاج؛ قام يوئيشيرو تامورا بجمع أحزمة ناسفة من الحرب الكورية بعنوان (يا أبي، يا أخي)/ 2017، أو العمل الجصي لنمر ميت (عد إلى البيت/ 2017؛  لإم هيونغ سون، لكنهما عملان أضعف من أن يعرضا. 

يهدف المعرض إلى التعطيل والتشويش والإرباك، لكنه أيضاً جعل النمر يطارد ذيله، من الذي كان الوحش الحقيقي؟ ربما كان المعرض، والزائرون فريسته.