P
R
E
V
N
E
X
T

Illustration by Chloe Bennett.

قصة سورية ترويها سيرة أسرة سورية راعية للفن

Syria United Arab Emirates
Also available in:  Chinese  English

(الراعي ليس مجرد مقتني أعمال فنية من أجل متعته الخاصة، أو رجل أعمال خيّر يساعد الفنانين أو يؤسس متاحف عامة، بل هو شخص يشعر بالمسؤولية تجاه الفن والفنانين معاً، ولديه الوسائل والإرادة للنهوض بما يمليه عليه لهذا الشعور)

ألفريد إتش. بار. جي آر

هناك ارتفاع ملحوظ في عدد مستهلكي الفن في الشرق الأوسط خلال العقود القليلة الماضية، وأصبحت المجموعات الفنية موضوع كتب منمقة، ومراجعات المجلات، وحلقات النقاش، وجميع المقتنين تقريباً يتوفر فيهم بروفيل شخصي محدد. ومع ذلك فإن هناك القليل من النقاشات التي تناولت ما يجعل المقتني راعياً حقيقياً للفن والثقافة. يلعب الرعاة دوراً أساسياً في تطور الفن والثقافة في كل زمن أو أي بلد، فهم ليسوا مستهلكين فقط، بل هم أيضاً مبادرون ومروجون للحرية الفنية في التعبير، والمحرضون على الخطاب الثقافي. ويمكن القول إن راعي الفن يمتلك درجة معينة من الامتياز، وهذا يعني أن اقتناء الفن هو نشاط مخصص عادة لأولئك الذين لديهم إمكانية القيام به. 

لكن أعتقد أن مع هذا الامتياز هناك قدر كبير من المسؤولية لاتخاذ القرارات المناسبة التي في مصلحة الفنانين وعالم الفن، ومع الخلفية الثقافية الصحيحة والمعرفة المعمقة للفن؛ يستطيع المرء الاعتماد على هذا الشعور بالمسؤولية، وينتقل من استهلاك الفن إلى رعاية الفن.

كنت مراهقة عندما بدأ افتتان عائلتي بالفن في الثمانينيات. نشأت في مدينة حمص السورية؛ حيث القليل من الترفيه كان متوافراً لصغار السن، لذلك لجأت إلى القراءة التي كانت ممكنة بسبب وفرة الكتب في بيتنا، فوالديَّ كانا قارئين متعطشين للقراءة، وعندما أرادت والدتي وعمتي تأسيس عمل؛ لم يكن مفاجئاً أن تفتتحا مكتبة عام 1984، وبالإضافة إلى بيع الكتب من جميع التخصصات؛ فقد استعملتا السقيفة أيضاً لعرض أعمال فنية. وتلك البداية المتواضعة امتد تأثيرها بعيداً، فقد أسست الشقيقتان تدريجياً صالة عرض كاملة عام 1986.   

في عام 1993 أسست والدتي صالة الأتاسي في حي سكني هادئ في دمشق، وبعد فترة قصيرة أصبحت الصالة منارة للخطاب الثقافي والندوات، وحتى للعروض المسرحية. وقد طبعنا كتباً وأدرنا معارض في العديد من المدن، ومنها بيروت وعمان والقاهرة، ومؤخراً في دبي وأبوظبي. كان ذلك قبل ازدهار سوق الفن في بلدان الخليج العربي، ولذلك كانت الصالة تدار كمشروع ثقافي وليس تجارياً. 

بدأت رعاية الفنون لعائلتي مع تأسيس الصالة وامتدت إلى أسلوب حياتنا، أي بالحماس والحرية والكرم. ومع مرور السنين اقتنينا عدة مئات من الأعمال الفنية السورية، ومن تقنيات ووسائط مختلفة من بدايات القرن الـ20، وحتى يومنا هذا.  

في آذار/ مارس من عام 2016؛ انطلقت مؤسسة الأتاسي للفن والثقافة بهدف الحفاظ على الفن والثقافة السوريين وتعزيزهما، وكذلك الاحتفال بهما من أجل مواجهة السرديات الحالية لسورية، واستعادة الصفات الخاصة للفن السوري التي لم يعد يراها العالم. لقد أصبحت المؤسسة سلاحنا لمقاومة الألم والدمار الذي تواجهه بلدنا، وبتأسيس هذه المؤسسة لم نعد سلبيين، بل أصبحنا مبادرين نشطين في الحفاظ على الذاكرة الجمعية للإنتاج الفني في سورية.

 قال أورهان باموق في رواية متحف البراءة الصادرة عام 2008: (أخشى أنّ جنون المتاحف في الغرب قد ألهم الأغنياء غير المثقفين في هذا البلد – الذين يفتقرون للثقة بذواتهم – بأنْ يؤسسوا متاحف للفن الحديث مع مطاعم تجاورها، متاحف تقلد الغرب ولا تضاهيها، على الرغم من حقيقة أننا لا نمتلك ثقافة ولا ذائقة ولا موهبة في الرسم. ما على الأتراك مشاهدته في متاحفهم الخاصة ليس التقليد السيء للفن الغربي، بل النابع من حياتهم الخاصة. وبدل عرض الأوهام الغربية لأغنيائنا؛ فعلى متاحفنا أن تعرض علينا حياتنا الخاصة بنا).

مجموعتنا ليست ضخمة بالمعايير العالمية أو حتى بمعايير الشرق الأوسط؛ ومع ذلك فإنها بالتأكيد شاهدٌ على سوريا الحقيقية، وتنبع قوتها من القصة التي ترويها. كل مجموعة – عادةً – تروي السيرة الذاتية لمقتنيها، لكن مجموعتنا تروي قصة الهوية الوطنية أيضاً. بدأنا بجمع الأعمال الفنية ليس من أجل إنشاء مجموعة فقط كما حال العديد من المقتنين حالياً، إنما بهدف استعمالها من أجل هدف عام أسمى.

نحن نمثل مبادرة عائلة صغيرة، ولا ندعي أننا نمتلك جميع الأجوبة لما يشكل رعاية للفن أو لمن يمكن أن يعتبر راعياً حقيقياً للفن. وإننا حتى لا ندّعي أننا الوحيدون في رعاية الفن والثقافة في سوريا. قصتنا مكونة من مجموعة أحداث، بعضها خُطِّط لها، والبعض الآخر حدث دون تخطيط، وهي بمجموعها تشكل تاريخ ثقافتنا النابع من قصص جغرافيتها ومجتمعها وسياستها. إننا نؤمن بالتعاون بين المنظمات الخاصة والعامة والتجارية وغير الربحية. ومعاً نحن نأمل أن نعيد سوريا إلى دائرة الضوء. 

SUBSCRIBE NOW to receive ArtAsiaPacific’s print editions, including the current issue with this article, for only USD 85 a year or USD 160 for two years.  

ORDER the print edition of the July/August 2017 issue, in which this article is printed, for USD 15.