* The translation of this essay is part of ArtAsiaPacific’s collaboration with Raseef22.
لا يحتاج بالضرورة أن يتناول كل عمل فني أزمة المناخ. ولا ينبغي أن يكون الحال كذلك. إلا أن التزايد الملحوظ الذي شهدته الآونة الأخيرة في الأعمال والمعارض الفنية التي تتناول تغيير المناخ كموضوع لها، ولّد ضرورة لمعالجة الفجوة الكبيرة الموجودة بين التصورات النمطية لفاعلية مثل هذه المشاريع الفنية وبين ماهيتيها الفيزيائية والكيميائية والوظيفية، وبالتالي آثارها المادية على الغلاف الجوي. وفي النهاية فإن تغير المناخ يعد مشكلة فيزيائية كيميائية واسعة النطاق. إنه تدفق متراكم للكربون الغازي لا يمكن لأفكارنا ومعتقداتنا وآمالنا ومخاوفنا كأفراد أن تستوعبه، فهو نتيجة بقدر ما هو صنيعة للأنشطة البشرية المادية على نطاق جماعي في كوكب الأرض..
إن أصل الفجوة بين التأثير المتخيل للعمل الفني وتأثيره الفعلي، ربما يرجع إلى الميل العام للخلط بين الأعمال الفنية التي تمثل شيئاً معيناً وبين الشيء نفسه. فمثلا، لوحة يدور موضوعها حول احتجاج سياسي ناجح تاريخياً قد تصبح خطابياً الاحتجاج نفسه على الرغم من سياقها الحالي وشكلها وطريقة تلقيها. وعلى عدة نواح، ينشأ هذا الانفصال (بين الموضوع وسياقه) بشكل جوهري بسبب ميل الفن المعاصر لتصور نتاجه منفصلاً عن نمط الإنتاج في المنظومة المجتمعية ككل، ليصل في الغالب إلى العجز عن تحديد موقعه داخل هذه المنظومة. إضافة إلى اللغة الغامضة والتي تفتقر للدقة كما نرى في بعض العبارات التي تتحدث عن فاعلية مشروع ما في “إيقاف” أو “علاج” أو “مواجهة” أو “مكافحة” تغير المناخ، والتي من شأنها أن تزيد من التشويش على الفرق بين إدراك الضرورة الحتمية للقيام بعمل ما وبين القيام الفعلي بهذا العمل.
إن الأعمال الفنية هي منتجات تحمل ملامح طرق الإنتاج الحالية والتي تتخذ بشكل رئيسي آليات تعتمد على انبعاث غاز الكربون. ويعتبر نظام إنتاجنا القائم على “الرأسمالية النفطية” والتنظيم الاقتصادي للمجتمع هو مصدر الأزمة المناخية، ولهذا فإن أية جهود متعلقة بالمناخ – سواء كانت أعمال فنية أو خلافها- يجب، لكي تكون فعالة، أن تبني مشاريعها انطلاقاً من هذا الموضع وأن تؤثر فيه.
فميل الفن للتنصل من الظروف المادية والاقتصادية والكيميائية المحيطة به لصالح رسالته المعلنة يسمح في ظهور مزاعم في عالم الفن توازي مزاعم الشركات التجارية عن منتجاتها “الآمنة بيئياً”. وعلى غرار تأثير هذه المغالطات على النواحي التجارية والسياسية، فإنه يربك خلق مسار نحو تغيير حقيقي وممنهج ويعيق رؤية نقاط التدخل الإنتاجي في الظروف المادية (وباعتقادي أنه أيضاً يعيق الدرب نحو فن أكثر إمتاعاً). يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا بأنه ضمن النظام الحالي لإنتاج المواد، يمكن اعتبار معظم الأعمال الفنية مساهمة في تلوث البيئة بهامش كبير. فكلما ارتفع معيار “بطولية” العمل الفني، كلما شكل مصدراً أكبر للتلوث، وهذه حقيقة لا يمكن إخفاؤها خلف ما يتضمنه الفن من رسائل تتعلق بتغير المناخ.
لقد كتب كثيرون عن مشروع الساعة الجليدية الذي قام به الفنان الدنماركي أولافور إلياسن عام 2014. ولا أملك إلا القول بأن هذا العمل هو خير مثال على الهوة الإدراكية لأزمة المناخ في وقتنا الحاضر. لقد استلزم تنفيذ المشروع نقل اثنتي عشرة قطعة من الجليد الثقيل من غرينلاند إلى ثلاث مدن في أوروبا أولها كوبنهاغن حيث وضعت على شكل ساعة كي يتسنى للجمهور مشاهدتها وهي تذوب (كناية عن ذوبان الجليد القطبي). وقد نتج عن هذه العملية انبعاث كميات كبيرة من الغازات الدفيئة بسبب شحن القطع الجليدية عبر مسافات كبيرة ضمن ثلاجات. وربما توقع إلياسن تلقي بعض الانتقادات فيما يتعلق بأضرار المشروع البيئية، فكلف منظمة جوليز بايسكل التي تتخذ من لندن مقراً لها بتحليل كمية الكربون المنبعث عندما أقام نسخة من المعرض في باريس.
وقد نتج عن هذه النسخة لوحدها ما يقدر بنحو 30 طنا من ثاني أكسيد الكربون، وهو مكافئ صغير بالمقارنة مع إجمالي انبعاثات الكربون في العالم، ولكن بالنسبة لعمل فني واحد فقد يكون مشروع إلياسن واحداً من أكثر المشاريع انبعاثاً للكربون في ذلك العقد، وخاصة إذا وضعنا بالحسبان ما نتج عن عروضه الثلاثة.
ومن المفارقات التي أود الإشارة لها هي أن الناحية الإيجابية الأساسية في مساهمة مشروع إلياسن هي حساب كمية الكربون المنبعث كخطوة ملموسة سمحت بتسجيل التكاليف المادية والبيئية التي رافقت المفهوم الإدراكي للمبادرة، وهي خطوة لم تلجأ إليها إلا قلة من المبادرات. ومع ذلك، فإن مسألة نجاح هذا العمل في رفع سوية الوعي بأزمة المناخ ووصوله إلى العامة وإنارة عقولهم بهذا الخصوص ما يؤدي بالتالي إلى اتخاذهم للتدابير الفعلية للحد من الأزمة، لا تزال موضع جدل.
وبالرغم من احتمال وجود نافذة تاريخية لمساع ذات صلة كان لها دورها في رفع الوعي حول قضية المناخ، إلا أن جمهور اليوم بات مدركاً بالعموم لوجود مشكلة تغير المناخ والحاجة الملحة إلى “معالجتها” (أو من المحتمل أنه، على العكس، يعيش حالة إنكار لا يمكن للرسائل المضمنة في الأعمال الفنية المعاصرة شفاءها). وعدا عن أن وسائل الإعلام كانت قد طرحت الموضوع بدقة، فإن المناخ نفسه يقوم بعمل أجدى بكثير لرفع مستوى الوعي بخصوص أزمته. فعلى سبيل المثال، على الرغم من كثرة الأعمال الفنية المتعلقة بالمناخ في معرض البينالي العالمي المقام في مدينة البندقية الإيطالية عام 2019، مما لا شك فيه أن الفيضانات التي حصلت في المدينة كانت أشد تأثيراً في جعل مخاطر تغير المناخ ملموسة أكثر من أي معرض للفن المعاصر.
إن المشاريع المكرسة لرفع مستوى الوعي كقيمة وحيدة، هي من أعراض فشلنا الحالي في ربط نقاط التلاقي بين النظم الفنية وأنماط إنتاجنا الرأسمالية التي تتخذ من النفط وقوداً لها، وهو المادة الكيميائية الأساسية التي تنفذ بواسطتها الأعمال الفنية. وهكذا تبقى هذه المشاريع مجرد تعبير عن رغبة يائسة للفن في تكوين صلة مع البيئة والمجتمع في وقت تحكمه أطر متسارعة التحول ويزداد فيه احتمال الانهيار الاجتماعي والبيئي في المستقبل القريب.
لا يمكننا حل الأزمة المناخية من خلال نفس النظام الاقتصادي الذي أنتجها؛ لسنا بحاجة إلى كمية إضافية من التحف الفنية والمعارض التي ينتجها النظام الحالي؛ نحن نحتاج بالأحرى من الفنانين (ومن الجميع) المساعدة في خلق أنظمة جديدة تمامًا.
SUBSCRIBE NOW to receive ArtAsiaPacific’s print editions, including the current issue with this article, for only USD 95 a year or USD 180 for two years.
ORDER the print edition of the March/April 2020 issue, in which this article is printed, for USD 20.