شكَّل المعرض الفردي الثالث لـ “ريوبن باتيرسون” في صالة “غو لانغسفورد” بعنوانه الشعري لموضوعه الجاد، استجابة الفنان الشخصية لـ "الاستفزاز"، أو الجدل القانوني حول “الذعر من المثليين” في نيوزيلاندا، وقد استخدمت ذريعة الاستفزاز بكثرة قبل إلغائها في عام 2009، كدفاع جزئي لتخفيض أحكام الإدانة بالقتل العمد إلى الإدانة بالقتل الخطأ، كما يتضح من حالات كثيرة في جرائم كراهية المثليين.
ويعد اتخاذ موقف علني بشأن قضايا مسيَّسة كمسألة الجنسية وحقوق الإنسان خطوة جديدة لـ "باترسون"، وهو الذي أبرز هذا التحول من خلال اندفاعه أول مرة باتجاه اللوحات التصويرية2 التي تشكل نصف الأعمال المعروضة في هذا المعرض.
فاللوحات الزيتية البراقة3 هي من اختصاص "باتيرسون"، وعلى الرغم من أنه يشتغل أيضاً على أعمال فيديو وعلى أعمال ذات نطاق واسع، إلا أن معرض “عزيزتي الجميلة، عزيزي الوحش” لم يحتوِ إلا على أعمال مسطحة على الجدران، وفي السابق كان يعتمد إنتاج “باتيرسون” عادة على مواد ومصادر من بيئته وخلفيته الخاصة، مثل نسيج الـ "ريترو"، والتصميم النمطي، وثقافة الـ "ماووري"، والفن البصري، والحداثة الراقية، لكنه في هذا المعرض زاوج بين أعماله المألوفة ذات المنحى التصميمي وبين لوحات براقة لقطط كبيرة، وفي مقابلة إذاعية مع راديو نيوزيلاندا الوطني وصف “باتيرسون” مقاربته للمعرض على أنها نوع من المزاوجة بين نمطٍ من قماش الأزهار وآخر مفترس.
في لوحة تحمل اسم “نيجر”4 (2010-2009)، والتي تملؤها ظلال الكدمات السوداء وزرقة منتصف الليل، يتقدم نمر مصوَّر في لحظة زمجرة، وبما أن “باتيرسون” من “الماووريين” فإن اللعب على الدلالات العرقية يكون قوياً دائماً وفعالاً، بحيث بدا نمر اللوحة ناعم وعدواني في آن معاً، وذلك في محاولة ـ ربما ـ للفت الانتباه إلى التناقض الأساسي في مسألة "الاستفزاز"، وهي أن المثليين يصورون على أنهم مخنثون ومفترسون خطيرون في الوقت ذاته، كما حدث مع المصصم الداخلي والشخصية التلفزيونية “ديفيد ماكني” الذي كان مثلياً، وقتل في عام 2003 على يد عاهر ذكر حُكم عليه لاحقاً بتنفيذ عقوبة القتل الخطأ المخففة.
كانت مقاربة “باتيرسون” للموضوع محتشمة، وجاءت عناوينه في محلها تماماً، وعمل " نشر السرير للاستفزاز" (2010-2009) يلمِّح إلى مصادر صور الفنان، فلوحاته من القطط الكبيرة تذكّر تماماً بالجواعد الرخيصة التي تستخدم كمفارش للسرير، أما “طاولة لاثنين” (2010-2009) فهي نموذج من مشكال ظلاله زرقاء، بحجم غطاء المائدة، عارضةً دعوة خفية للحميمية، وتحفل الأعمال بإيحاءات مجونية، متلاعبة بمزج الألوان على خلفية نمط في أعمال الأزهار الأكثر تجريداً، وفي لوحة “ استراوس5 ” (2010-2009) الزيتية نرى نمراً ضخماً لامعاً يحدق، والعنوان الذي يشير بأدب إلى الدورة التناسلية عند المرأة، هو كناية أيضاً عن الدوافع الهرمونية الجامحة، وخلافاً للهدوء والكمون الغالب على إحالات "باتيرسون"، فإن هذه اللوحة تنم عن هوس وعنف نادرين.
إن إستراتيجية “باتيرسون” مثل عنوان معرضه "أليغورية"، فهو يلعب على الجانب الزخرفي في عمله ليجلب الانتباه إلى المظاهر، والسطوح، والإدراك الحسي أولاً، وتحمل حكاية “الجميلة والوحش” الخرافية رسالة بسيطة عن الفرق الصارخ بين المضمون والشكل، وهنا يخلق “باتيرسون” أعمالاً خصبة جلية بحثاً عن فضاء مفاهيمي للتعبير عن الاستقطابات السياسية، كما أن أعماله المشفرة بعناية تعكس ظروف الإنتاج والعيش في البيئة، مثلما جاء في تقرير صحافي حول قضية “ماكني” الآنفة: (يعامل المثليون في نيوزيلاندا على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية).
وإذا كان أحد النقاد قد رأى في استخدام “باتيرسون” اللمعان على أنه “دالاً مثلياً”، فإن “باتيرسون” نفسه وجد هذه القراءة محدودة، مصرحاً: (في كل سلسلة أعمال أسعى لاستغلال إمكانات اللمعان المفهومية وليس فقط إمكاناته المادية)، ويوظف كل عمل في المعرض مسحة من اللمعان الخاص الذي حضّره خصيصاً للعرض، مانحاً اللوحات بذلك أفقاً ديمومياً تذكارياً، وطابعاً لحظياً فريداً في الوقت نفسه، وإن هذا الأثر الحساس المدروس بعناية يضفي على عمل “باتيرسون” شعوراً بالإتقان الذي يسجل الاحترام والتعاطف مع ضحايا الظلم.
وختاماً فمن المؤكد أن أعمال “باتيرسون” المعروضة هنا ستصبح تاريخية نظراً لخصوصية المعرض المحلية، وهنا تماماً يكمن تجسيد آخر ليد “باترسون” اللامرئية، وهي تلقي بنفسها في السياسة تحت مسمى الخدمة العامة.
FOOTNOTES
1 Auckland
2 Figurative Paintings
3 Glitter-on-canvas- paintings
4 Nigger
5 Estrous