وحيدتين معاً في القاعة الصخرية الغائرة من حمّام تركي.. فتاة باكستانية تفرك جسد امرأة بيضاء عارية مستلقية على لوح رخامي.. والمرأة التي ترتدي قميصاً بحرياً، وتنورة قطنية قصيرة، وجوارب نايلون، وجزمة سوداء ذات كعب عال، هي حمراء عباس، أما الأخرى المستلقية فتبدو غافلة عن وجودها، وهذا المشهد المصوّر في “حمام الباشا” الكائن في مدينة سالونيك اليونانية؛ هو جزء من تسع صور فوتوغرافية لحمراء عباس أطلقت عليها اسم “حمام الفردوس”، وقد ظهر هذا العمل للنور حين زارت عباس المدينة إثر دعوتها إلى بينالي سالونيك عام 2009، ومثَّل استجابتها لتاريخ المدينة وثقافتها، فحين انبهرت عباس بالحمام المبني في عام 1444م، والذي يعد معلماً إسلامياً بارزاً في اليونان، وأول حمام تركي في المدينة، قضت أشهراً هناك تتعلم الممارسات، وطقوس الاستحمام، وذلك تحضيراً لِما شكَّل أساس صورها.
وتلعب هذه الصور على نماذج لوحات مستشرقي القرن التاسع عشر التي كثرت خلال عصر الإمبراطورية الفرنسية، مصوِّرةً “الشرق” وكأنه عالم شهواني، غرائبي، براق، وعلى الرغم من هذا فإن النساء العاريات في هذه الأعمال كن أوروبيات الملامح أكثر منهن شرق أوسطيات أو إفريقيات، كما تشهد لوحة “الحمام التركي” (1862) لفنان الكلاسيكية الحديثة الفرنسي جان أوغست دومينيك إنغريس، وقد كتبت عباس في رسالة إلكترونية أرسلتها لمجلة "أرت آسيا باسيفيك " في شهر آب الماضي: إن (الحمام صورة أيقونية)، وأضافت بأن حضورها بدور المرأة المغسِّلة يرمز إلى (غياب) يقلب ألفة الصورة النمطية للحمام، ممثلاً ـ ربما ـ الجوانب غير الأوروبية الغائبة غياباً صارخاً في كثير من رسومات المستشرقين للنساء العاريات، وأوضحت الفنانة: (أنا لا أتحدث حديثاً مباشراً عن العرق أو الذاكرة أو السلطة، لأن هذه العناصر موجودة أصلاً في الصورة والمكان)، وبالنسبة إليها فإن “حمام الفردوس” يعيد توجيه وتشكيل الطاقة الكامنة في الأيقونية الشعبية بطريقة تسمح لقراءات متعددة بالظهور، وهي ـ كما أضافت عباس ـ العناصر الأساسية في مجمل أعمالها.
وسواء كانت تعيش في الباكستان، أو في ألمانيا، أو في الولايات المتحدة؛ فإن عباس تلتقط كل ما يثير إلهامها، وتترواح موضوعات أعمالها من رسم وفيديو ونحت وصوت وأداء ونحت1؛ بين الأعمال اليومية، والطقوس الدينية، والأيقونية الجنسية في الـ"كاما سوترا".
قضت عباس ـ المولودة في الكويت عام 1976ـ سنواتها التأسيسية في مدينة لاهور الباكستانية، إذ أن عائلتها عادت إلى باكستان في عام 1985 إبان تورط الكويت في الحرب العراقية الإيرانية بين عامي (1980-1988) كحليف للعراق، وقد أدركت عباس منذ سن مبكرة أنها تريد دراسة الفن، وتتذكر: (لم يكن لدي خيار آخر، لأنني لم أحسن بأي شيء آخر)، وبعد تخرجها من قسم النحت بكلية الفنون الوطنية في لاهور عام 1999 بقيت عباس في نفس المكان لإكمال دراسة الماجستير، مركزّة على تاريخ الفن المعاصر في شبه القارة الهندية، وحول ذلك تقول عباس: (إن جزءاً أساسياً من المنهاج كان تعلم هذا الموضوع)، فأرسى هذا الاهتمام بالتاريخ الثقافي الأساس لكل أعمالها التي تلت دراستها.
كان للاغتراب الثقافي الذي مرت به عباس أثر واضح كذلك، ففي عام 2003 حصلت على منحة خدمة التبادل الأكاديمي الألماني، وانتقلت على إثرها إلى برلين للدراسة في جامعة "كونست"، وقبل أن تعود إلى باكستان في عام 2006 حاضرت حول فن المنمنمات المعاصرة، وتتذكر عباس بالقول: (كان الانتقال إلى برلين هو المرة الأولى التي أترك فيها باكستان وحدي، وكوني غير ملمة أبداً باللغة وبالثقافة فقد شكّل هذا تحدياً تواصلياً في كل خطوة قطعتها هناك)، وقد قاد الحاجز اللغوي غالباً إلى سوء فهمِ وانتقادِ عملها من قبل أساتذتها وزملائها، (لم أكن قادرة على ممارسة النحت مدة طويلة في برلين، على الرغم من أنه كانت وسيلتي الأساسية للتعبير في باكستان، ويرجع السبب الرئيس لذلك إلى غياب مرافق الاستديو التي كان حصولي عليها سهلاً في الماضي)، وبدلاً من النحت ركزت عباس على وسائط أخرى مثل المنمنمات والتصوير الرقمي، مبدعة أعمالاً مثل " درس أول في بلد أجنبي" (2003)، وهو عمل نحتي يجمع بين بورتريهات وتسجيلات صوتية لسبعة مهاجرين ـ ستة علماء هنود وعباس نفسها ـ وهم يتعلمون الألمانية في لايبزغ، تقول عباس: (شكّل فن المنمنمات في ذلك الوقت ممارستي المفضلة، لأنه مكنني على الأقل من مواصلة العمل من دون حاجة إلى مساحة كبيرة أو إمكانات، بالإضافة إلى ذلك كنت أشتغل غالباً على الكولاج والأعمال الرقمية، ثم ظهر النحت ثانية في تجربتي حين انتقلت إلى إسلام آباد في عام 2006).
إن الاستثناء الوحيد كان ما قامت به عباس في برلين كان تحت اسم “ دروس في الحب” (2004)، وهو عبارة عن مجموعة أعمال تصور عناقاً جنسياً بين ذكر وأنثى بحجمها الطبيعي، وتستند هذه المنحوتات المصنوعة من طين غير محروق على منمنمات إيروتيكية من الـ “كاما سوترا” يمكن ترجمتها بـ “دروس في الحب”، وخصوصاً صورة تظهر رجلاً وامرأة جالسين على هودا ـ عربة مغطاة موضوعة على ظهر حصان ـ وهما يمارسان الجنس في خضم مشهد صيد، ويؤكد الـ “كاما سوترا” ـ وهو نص هندي قديم يعتقد أن تأليفه تم في القرن الثاني بعد الميلاد ـ أن الصيد أحد الفنون الاجتماعية المهمة، وأنه لا يمكن لمن لا يتقنه تحقيق متعة جنسية وجمالية، والمنحوتات الطينية ذات الطن الواحد تبدو بتعابيرها الصامتة مثل أسير الصخر، لا أسير نشوة الحب، وعباس من خلال تحويلها الرسومات القديمة إلى منحوتات بالحجم الطبيعي إنما تقدم تعليقاً ساخراً على العلاقة المتناقضة بين الجنس والعنف.
بعد ذلك بسنتين أعادت عباس النظر في “دروس في الحب” أثناء عملها كمحاضرة في الكلية الوطنية للفنون/ فرع راولبندي في اسلام آباد، ونظراً لمشاركتها في بينالي إسطنبول 2007، فقد أبدعت ثلاث مجموعات جديدة لذكور وإناث صنعتها من مادة لدائنية براقة، لكنها شرحت أن الضرورة وحدها هي ما جعلها تلجأ لهذه الوسيلة، كما كانت عباس قد اشتغلت على شكلين طينيين جديدين قبل بداية البينالي، لكنها لم تستطع نقلهما إلى إسطنبول بسبب نقص الميزانية المخصصة للشحن في البينالي، ونتيجة ذلك واجهت عباس التحدي المتمثل بإكمال المشروع في إسطنبول خلال وقت محدد، وعن ذلك تقول: (كان عليّ تكوين ثلاث منحوتات كبيرة، ولهذا استخدمت مادة لدائنية لتسريع العمل في المشروع، فكل أعمالك الفنية تخضع في تفاصيلها لأسباب، وعليَّ أن أعترف أن الأعمال الجاهزة ترتبط غالباً وبشكل مباشر بمخاوف ومحددات براغماتية)، وفي النسخة الثانية من “دروس في الحب” أضاف استخدام المادة اللدائنية البراقة أي الصلصال الذي يستخدمه الأطفال؛ دلالات جديدة من المرح والتسلية، وذلك زيادة في تأكيد الخلط المحرج بين الجنس والعنف.
إن العودة إلى باكستان بعد سنوات عديدة من العيش في برلين والسفر إلى بلاد أخرى قدمت لعباس إلهاماً غير متوقع، وعن ذلك تقول: (غالباً ما يقرأ الواحد عن فنانين عادوا إلى أوطانهم بعد سنوات قضوها في أوروبا أو في الولايات المتحدة ليجدوا أنهم غير قادرين على التعرف على الأشياء مطلقاً)، وتضيف: (بالنسبة لي لم يكن الرجوع إلى باكستان مشكلة بالدرجة ذاتها، بل على العكس؛ كنت في أمسّ الحاجة إليه، إذ شكلت هذه المرحلة من حيث العمل أكثر مراحلي إنتاجية)، وفي السنتين اللتين قضتهما عباس في إسلام آباد زارت مدارس إسلامية “الحوزات الإسلامية”، وأماكن ذات أهمية دينية في باكستان، لتصبح الثيمات الدينية والطقوسية أساسية في منحوتاتها، مثلما في " قراءة" (2007)، و“ إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون” (2009)، وكما كان الحال عليه في التعامل مع التصوير الاستشراقي للحمام في “حمام الفردوس”، فقد انصب اهتمام عباس على إعادة تفسير كل صورة أيقونية للإسلام، وتقول: (تُفهم فكرة “اليومي” خطأً على أنها مرادفة لـ "اعتيادي"، مع أنها في الحقيقة مشبعة بذاكرة التاريخ والإيديولوجيا، وغيرها).
“قراءة” هي تشكيل مكوّن من هياكل خشبية متحدة المركز على شكل حرف “C” معلّق بمستوى العين، وفيه مكبرات صوت تبث أصوات أطفال يقرأون ويحفظون آيات من القرآن ـ وهي الطريقة النموذجية للتعلم في مدارس الباكستان الإسلامية ـ مع أن النشاز في أصواتهم هو نقيض التناغم المتوقع في نظام مدرسي كهذا، والمدرسة خلافاً لتقديمها في وسائل الإعلام الغربية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر على أنها قواعد تدريبية لتعليم المتطرفين، إلا أنها تعالج هنا بطريقة إنسانية، أي أن الطلاب الصاخبون لا يختلفون عن أية مجموعة من الأطفال في العالم.
على الجهة الأخرى، فإن المتفرجين على منحوتة “إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون”، المقتبس عنوانها من آية قرآنية، والمستوحاة من حضور عباس جلسات الذِّكر الصوفية، مدعوون لوضع سماعات على آذانهم، والمشي عبر ممر ضيق يقسم كتلتين جداريتين بيضاوين كبيرتين، وسماع تسجيلات لأصوات أنفاس الحاضرين في جلسات الذِّكر تلك بينما يتزحزح الجداران داخلاً وخارجاً بتناغم مع الأنفاس المسجلة، ووفقاً لعباس فإن هذه المنحوتة التي شاركت في بينالي الشارقة عام 2009، وحصلت على جائزة لجنة التحكيم فيه، تهدف (إلى إعادة خلق عناصر تجربة حسية)، فتمكِّن المتفرجين من تخيل قدرة عقول كثير من الناس حين تتوحّد مع عقيدة أو فكرة واحدة.
تبدو عباس غاية في الاقتناع بأن أعمالاً مثل “قراءة” و" إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون" لم يُقصد بها أن تكون دروساً عن الإسلام، بل هي مجرد تمثيلات لما اختبرته الفنانة خلال دراستها وبحثها، توضح: (من المزعج أن أرى أحياناً بعض الناس يقدمون أنفسهم كـ “خبراء للثقافة” بعد خروجهم من مجتمعاتهم الإسلامية، سيما حين يتعلق الموضوع بحساسيات دينية)، وعلى الرغم من أن عباس قضت أشهراً ـ إن لم يكن سنوات ـ وهي تعمل على هذه المشاريع، إلا أنها ترى فيها استجابتها الخاصة للإسلام، لا معرفتها به، وتقول: (أنا نفسي لست خبيرة بالإسلام، لكنني أرتبط بعلاقة وجودية وثيقة معه، بكل تعقيداتها، وعلى هذا المستوى فقط يمكنني أن أنخرط وأتعاطف مع مسائل الاعتقاد، ممتنعة ـ في الوقت ذاته ـ عن تقديم أحكام قيمية مطلقة في أعمالي).
المفارقة أن إعادة الاهتمام بأعمال عباس جاء أثناء إقامتها في إسلام آباد، وفي وقت التوتر في باكستان نتيجة الحرب المتواصلة بين جيش باكستان والميليشيات الإسلامية بقيادة طالبان في شمالي غرب البلاد على الحدود مع أفغانستان، وأزمة الطاقة الأكثر حدة في تاريخ باكستان، والتي تعوق التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي باستمرار، وحين سئلت عباس فيما إذا كان للتوتر السياسي أي أثر عليها أو على أعمالها، وصفت الإحساس بالفوز الذي يغمر المثابر على صناعة الفنون في ظل ظروف صعبة.
(والمثير أنه على الرغم من توافرالاستديوهات الضخمة والمساعدة الإضافية لي في إسلام آباد إلا أن ذلك ترافق مع انقطاع الكهرباء معظم الأوقات نظراً للنقص في الطاقة الكهربائية، وفي تلك اللحظات أدركت أهمية الهواتف النقالة التي يمكن استخدامها كوسيلة إضاءة أيضاً! فكان الهاتف النقال رفيقي الأساسي أثناء الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي في أمسيات الصيف الرطبة، بالإضافة إلى ملايين البعوضات)، وعلى الرغم من أوضاعها القاسية فقد كانت باكستان هي المكان الذي تحس فيه عباس بأنها “في بيتها”، حيث تقول إنها تشاركه “حميمية وألفة”، وتوضح: (هذا لا يعني بالطبع التقليل من إمكانية إيجاد الإلهام في أماكن جديدة، وهو شيء فريد حقاً، لكن ما إن تطأ مكاناً مريحاً حتى تقبل ـ تلقائياً ـ على البيئة الأكثر اتساعاً بسهولة أكبر).
تواصل عباس في أحدث أعمالها معالجة ثيمة الحب، وعلاقته المتشابكة مع الحرب، “ أحب نفسك” (2009) هي منحوتة من منحوتات السيليكون المصقولة الشفافة، بألوان حمراء وصفراء وخضراء وزرقاء، وهي تحاكي بوضوح القضبان الاصطناعية، والهزازات، وغيرها من الألعاب الجنسية، وعلى الحائط وراء المنحوتة لافتتان للنيون، إحداهما تعرض رسماً لساقي امرأة في وضعٍ موحٍ جنسياً، والآخر يقول: (جيدٌ جودةَ الأشياء الحقيقية)، وهنا تفسّر عباس: (جاءتني فكرة “أحب نفسك” من خلال زيارتي متحف “بيت أوهسي” الإيروتيكي الذي كان على مقربة مني حين كنت أسكن في برلين)، وكانت قد سمعت عباس أن هناك شركة ألعاب جنسية ألمانية تدعى “مصنع المرح” وشعارها "أحب نفسك "، الأمر الذي جعلها تبتسم، وكما تقول: (اعتقدت أن فكرة “أحب نفسك” مشحونة جنسياً وسياسياً إلى حد كبير)، وقد يبدو للوهلة الأولى أن المزج بين القضبان الاصطناعية البراقة ولافتات النيون إنما هو تجسيد لشعار “مصنع المرح” برنينه الباعث على الانتشاء، غير أن التمعن يكشف بوضوح أن هذه الألعاب الجنسية ما هي إلا طائرات مقاتلة وصواريخ وقنابل ورصاصات بشكل دمى تدعو الجمهور لإعادة التفكير في رموز العنف التي حُوِّلت إلى أغراض للمتعة والمازوشية.
“لماذا لا تصفق الأيدي الزائفة” (2010) من مشاريع عباس الأخيرة، وهو مبني أيضاً على عبارة واحدة وإن كانت من صياغتها هي هذه المرة، تقول عباس: (تشكَّل السؤال “لماذا لا تصفق الأيدي الزائفة” في ذهني قبل فترة طويلة من إنجاز العمل الذي كان نفسه تجسيداً بصرياً له)، ويتألف المشروع من اثني عشر زوجاً من الأيدي السيراميكية على غرار يدي عباس ذاتهما، والأيدي مركَّبة على آلة تجعلها تصفق باستمرار، ويصاحب العمل عرض شريط فيديو حول كيفية تكسر كل زوج وتهشمه لحظة اتصال اليدين ببعضهما، (يُصدر التصفيق صوتاً غريباً يرمز إلى النزعات التخريبية التي تتوارى خلف ما يبدو أنه فعل اتفاق جمعي، والصوت ليس صوت التصفيق على الرغم من أنه ناتج عن فعل التصفيق ذاته، ومن هنا فإن هذه القطيعة هي ما يخلق إحساساً بالقلق).
تم التفكير والعمل على هذين المشروعين بعد انتقال عباس إلى الولايات المتحدة قبل سنتين، حين لحقت بزوجها الذي يدرس الدكتوراه في جامعة هارفارد في ولاية ماساتشوستس، ومنذ نهاية شهر سبتمبر الماضي استقرت عباس في نيويورك، حيث تشغل حالياً منصب “فنان مقيم” في منظمة “أرتس ترايانجل”، لكنها تواصل عرض أعمالها دولياً، وكونها حصلت في عام 2010 على جائزة “أبراج كابيتال” للفنون فإنها ستسافر إلى دبي لعرض جديدها في شهر آذار من هذا العام.
وأثناء تفرغها كفنانة في نيويورك تأمل عباس في أول إقامة طويلة لها في المدينة أن تشتغل على عدة مشاريع جديدة تركز على حياتها في الولايات المتحدة، وهي التي انتهت من “مناظر المدينة” (2010)، والعمل عبارة عن سلسلة صور بانورامية لمدينة إسطنبول، وقد جُرِّدت من شخصيتها الدينية والتاريخية من خلال إزالة مآذنها، الأمر الذي يشكل رد فعل على الاستفتاء الذي جرى في سويسرا في شهر تشرين الثاني من عام 2009، والذي أقر منع بناء مآذن جديدة هناك، ويأتي هذا المشروع الذي ستنتهي عباس من إنجازه في نيويورك في الوقت المناسب إذا ما أخذنا بالاعتبار الجدل الدائر حول المركز الإسلامي المقترح بناؤه في “غراند زيرو”، وتقول عباس: (فوجئت حينما علمت أن المركز الإسلامي ـ وكجزء من برنامجه ـ يخطط لاحتواء استوديوهات فنية، وإقامة أنشطة ثقافية، بما فيها المعارض، ولذلك فإنه من المؤسف أن يتم تحويل أحداث كهذه إلى “مسرحيات” تلقي بظلالها على المجتمع بشكل عام)، ومع ذلك فإن عباس لا تريد أن تزج بنفسها في هذه القضية، إذ إن الجزء الثاني من “مناظر المدينة” سيدور حول موضوع مختلف، وسيُنفَّذ بحجم متوسط، (بدأ هذا الجزء كتعبير عن اندماجي مع مكان ما نقدياً وغير نقدي، وأنا أتطلع للعمل على هذا المشروع لأنه سيمنحني فرصة الإحالة المباشرة على تجربتي المكانية في ذلك الجزء الذي أسميه الوطن".
ويتزامن حماس عباس لحياتها الجديدة في الولايات المتحدة مع أسوأ كارثة في تاريخ باكستان التي تعرضت منذ شهر تموز الماضي لأمطار موسمية غزيرة أغرقت خُمس أراضي البلاد، وشرّدت حوالي مليوني شخص، وتصف عباس مشاعرها قائلة: (إن عدد الضحايا والنطاق الواسع للخراب يدمي القلب، وهذه النكبة ستجعل الوضع أكثر تزعزعاً في باكستان التي كانت تشهد أصلاً اضطرابات رهيبة، لقد فقدت الحكومة كل مصداقيتها، وبدت عاجزة في وجه التحديات الراهنة، وإذا لم تتم معالجة الأمور بعناية وحساسية وخبرة فإنني أخشى ألا نتعافى من المحنة أبداً)، وعلى الرغم من ذلك تبقى عباس متفائلة، مفضلة أن ترى في المأساة (اللحظة المواتية للأمة كي تنهض من جديد)، و(فرصة لصياغة وسائل بديلة لإدارة شؤون البلاد)، وتضيف عباس باختصار: (أخشى الأسوأ، لكنني أيضاً ممتلئة بالأمل في الأحسن).
FOOTNOTES
1 Installations