P
R
E
V
N
E
X
T

AI WEIWEI, Sunflower Seeds (detail), 2010, lifesize sunflower seed made from porcelain, taken from the 100 million-seeds installation at Turbine Hall, Tate Modern, London. Photo by Tate Photography. Courtesy the artist.

AI WEIWEI, Sunflower Seeds (detail), 2010, installation of 100 million lifesize sunflower seeds made from porcelain. Photo by Tate Photography. Courtesy the artist.

بذور عباد الشمس

آي ويوي

Tate Modern
China UK
Also available in:  Chinese  English

من الصعب الجزم إذا كان “آي ويوي” قد توقع ذلك الأثر الأولي الذي أحدثه عمله الضخم (بذور عباد الشمس)/ 2010، والذي تم بطلب ورعاية من متحف “تيت موديرن”، وهذا العمل النحتي عبارة عن حقل شاسع من بذور خزفية بحجمها الطبيعي، فبدت عن بُعد لعدد كبير من الجمهور أنها مصنوعة ليس من قشر حقيقي، إنما من حصى أو شظايا مرتّبة بعناية، وأياً كان الحال، وسواء كانت مكونات العمل منحوتات يدوية أو مواد صناعية، فإن معاني التفكك والفضول والإدراك المشوّش؛ المقصودة تظل حاضرة، إذ أن ارتباكاً مشوباً بالانبهار قد صاحب عقل الجمهور وهو يجاهد ليدرك العلاقة بين الفردي والإجمالي.

إن البذور المستخدمة في العمل بعددها الذي قارب المائة مليون، تغطي مساحة ألف متر مربع وبارتفاع عشرة سنتيمترات، وقد تمت صناعتها بطرق تقليدية، وجرى طلاؤها يدوياً في مدينة “جينغ ديزان” المركز الرئيس لإنتاج الخزف الإمبراطوري منذ ما يزيد على ألف عام، وقد كان “ويوي” مفتوناً دائماً بالتقاليد الثقافية للمواد والأشياء، وخصوصاً الخزف، وذلك لدوام إنتاجه، ولجودته الفاخرة، وللتقاليد القديمة التي صاحبت إنتاجه الضخم وتصديره إلى العالم، وللقيمة التي مايزال يحملها حتى اليوم في الصين باعتباره أثراً ثقافياً، وقد استغرقت صناعة المائة والخمسين طناً من البذور المطلوبة للعمل ـ من المراحل الأولى وحتى النهائية ـ حوالي سنتين ونصف، موظِّفة في شهور الذروة ما يقارب ألفاً وستمائة حرفي، وهو ما وضع “ويوي” ـ الذي يعتبر زائراً دائماً للمدينة ـ في مكان غامض بين مدير مصنع وراعي فن، حيث جعل مصائر العمال في يده، تماماً كما كانت تفعل النخب القديمة، لكن ذلك العمل الغريب ـ كما بذور الخزف الهشة ذاتها ـ قد لا يحمل سوى ثمار محدودة، فقد تناقص عدد مشاغل “جينغ ديزان” كثيراً نظراً لسياسة السوق الحرة في الثمانينات، وإغلاق شركات الخزف المملوكة من قبل الدولة، مما جعل المدينة عرضة للمنافسة مع مقاطعات أخرى متخصصة في سلع أقل ثمناً، وعلى الرغم من الخلق غير العادي لعمل (بذور عباد الشمس) إلا أنه يتوازى مع العولمة، ومع المادية، ومع الإنتاج الضخم في الصين التي تقدم منتجات لامعنى لها لأسواق بعيدة مُتَطلِّبة، في ظل العجز المتزايد للعمالة الحديثة.

لقد شكّلت البذور أيضاً رموزاً فعالة للثورة الثقافية، فقد شاع تشبيه “ماو تسي تونغ” بالشمس، والمؤمنين به بزهرة عباد الشمس التي تتأمله، وفي “تيت موديرن” بدا جلياً تداعي معاني تلك اللحظة بآمالها وبخيباتها القاسية على الصعيدين الروحاني والمادي، فجاء قرار المتحف بمنع الزوار من المشي فوق العمل بعد ثلاثة أيام من الافتتاح، خوفاً من أعراض جانبية قد تنشأ من استنشاق غبار الخزف، ليضاعف ذلك الإحساس بالأسى وبالسكون، وقد عزّز مشهد الحقل الساكن ببذوره ـ التي تبدو متماثلة على الرغم من اختلافها عن بعضها ـ الإشارات إلى كل من الرماد بمعانيه المرتبطة بحرق جثث الموتى، وبالتوترات الجوهرية بين الفردي والإجمالي في المجتمع الصيني.

وهناك أيضاً مسألة شخصية ذات صلة، وهي أن الشاعر “آي كينغ” والد “ويوي” كان مصنَّفاً بأنه عدو للثورة التي قامت في عام 1957، فتم نفيه بشكل قاسٍ إلى مقاطعة “شينغ يانغ”، حيث كانت تعدُّ بذور عباد الشمس جزءاً من الكماليات الغذائية، فشكّل تقاسم البذور بين المُبعدين لحظة تضامن مجتمعي خفي، ويملك “ويوي” ذكريات بعيدة عن أمه وهي تقشّر البذور بأسنانها محافظة ببراعة على لبّها، وماتزال البذور ـ أو البزر ـ في العالم المعقد الذي نعيش فيه تحمل إلينا أحد أفعال المتعة البسيطة.

إن تجربة “ويوي” الحيوية توظف تلك العناصر في حياته الصعبة، وكأنها مكونات عزم، فيمنح عمله معنى لجمهور واسع، وهو مدفوع دائماً بغاية تشجيع حرية التفكير وقوة العمل، سواء كان ذلك لمواجهة القمع السياسي أو الرقابة، أو كان لمواجهة التهديدات الجديدة للتعبير الفردي بدءاً من المادية وحتى الإنتاج الشامل، وقد أعربت (بذور عباد الشمس) عن المسؤولية التي يحملها “ويوي” تجاه التعبير عن هذا النضال وتأييده، وعن اعتقاده بإمكانيات التحول المجتمعي.

تجاوز حضور (بذور عباد الشمس) عتبات المتحف، ليصل إلى "تويتر"، وإلى الأكشاك التي صُفَّت إلى جانب العمل، حيث أتاحت للزائرين طرح أسئلة مباشرة على “ويوي” من خلال الفيديو، ليجيب عنها عن طريق الموقع الإلكتروني للمتحف، وبفحص إجابات “ويوي” يتضح مدى شعوره بدور العمل، وبدوره كفنان يطرح أسئلة كونية عن كل من الواجبات والقيم والقوى والحقوق والمادية في المجتمع، ويسائل من خلال كل ذلك البنى الثابتة للسلطة، فقد بدا عمل (بذور عباد الشمس) حاذقاً، جميلاً، موجزاً، موحياً، وعاطفياً أيضاً، غير أنه لم يكن إرشادياً واعظاً. ربما أشار العمل إلى علاقات، ربما طرح أسئلة، أو ألهم عملا، لكن معناه النهائي، والقرار الحاسم حول أن تعمل، ومتى، يعود للجمهور وحده.

Ads
Honolulu Biennial Massimo de Carlo ARNDT E-flux SAM