معرض “وداعاً لما بعد الاستعمار” في مدينة “قوانغتشو” الصينية يبدو وكأن الوقت قد حان للتوقف عن التفكير في تلك الحركة باعتبارها مجرد قوة عسكرية، وهو ما يشكّل أساس النضال السياسي نحو السيادة في كتابات مفكريها الكبار مثل إدوارد سعيد وفرانز فانون، وقد عبّرت مجلة “أرتس آسيا باسيفيك” عن قلق مماثل قبل ذلك بعام، وذلك في عددها رقم 54 الذي حمل عنوان “ما بعد مابعد الاستعمار”. ويبدو أن الوقت قد حان لتحديث النموذج.
يقدّم الفنان الماليزي " وونغ هوي تشيونغ" رزمة جديدة من إشكالات ما بعد الاستعمار في احتفاليته المصغرة “أيام من حياتنا” التي تضم مجموعة متنوعة من أعمال أنتجت على مدى الاثني عشر عاماً الماضية، وتشمل التصوير والفيلم القصير وفن الفيديو ومنحوتات، ويرى “تشيونغ” أن النضال نحو السيادة وتقرير المصير والهوية لم يعد سياسياً فحسب، وعلى الرغم من اعترافه بأن النضال مايزال يحتفظ بعناصر طبقية، إلا أنه يشير إلى عوامل جديدة تدخل الساحة، كالثقافة والميديا، فيسعى الفنان مثلاً في سلسلتي صور: (صنع في ماليزيا)/ 2008 و(وقائع الجريمة)/2006 إلى تأسيس هوية ماليزية ضمن لغة الثقافة الشعبية الكونية، ويحاول إيصالها للمتلقي مستخدماً بشكل أساسي أيقونية وجماليات أفلام هوليوود، والنتيجة هي تابلوهات جاءت بأسلوب الأمريكية “سيندي شيرمان”، حيث يقف فيها ماليزيون متوسطو الحالة الاقتصادية أبطالاً في لقطات أفلام ملفقة، وفي ( الفتاة السوبر، جان دارك، لارا كروفت) وغيرها من سلسلة ( الخادمة) نرى خادمات ماليزيات يقفن وهن يرتدين لباس العمل كأنهن بطلات الشاشة الفضية، أما في (وقائع الجريمة) فيقدّم رؤى ماليزية لدراما جرائم العصابات و"فيلم نوار"1، وإذا كان لنا أن نقرأ أعمال “تشيونغ” على أنها نضال ضد سيطرة هوليوود الثقافية، فإن هذه السلسلة تطرح نموذجاً أكثر قوة في هذا الإطار، لأنها لا تعتمد بشكل مباشر على الرموز الغربية المتواجدة في السلسلة الأخرى.
وفي الوقت نفسه فإن أعمال الفنان في الفيديو تطوِّر هذا التفكير، اي “ما بعد الاستعمار الجديد” من زاوية العدالة التاريخية، فعمل ( إعادة نظر)/ 2002 هو فيلم وثائقي تلفزيوني إخباري ساخر2 مدته 27 دقيقة، يقدّم النمسا على أنها المستعمرة السابقة لما كان امبراطوريّة ماليزيّة عملاقة نالت استقلالها منذ زمن، لكن التفاوت الاقتصادي يجبر العمال النمساويين المهاجرين على العودة إلى مركز الامبراطورية مثل كوالالمبور، بينانغ، وغيرها من كبريات المدن الماليزية، حيث يتدبّرون شؤون حياتهم بالحدّ الأدنى من الأجور، ويظهرون مثل بسطاء يمارسون تقاليد شعبية متواضعة، وفيلم الفيديو هذا مضحك جداً، لكنك ستتخلص بسهولة من جو النكتة بمجرد أن تفهمها.
فيما يقدّم الفيلم القصير ( فتحة الكلب)/ 2010 نموذجاً أكثر عمقاً، وهو المبني على مقابلة مع أحد الناجين من معسكر اعتقال ياباني في الحرب العالمية الثانية، إذ يعرض إعادة تشخيص مؤثرة لتجربة الرجل في المعسكرات التي أودت بحياة 80 ألف ماليزي، والفيلم بجانبيه التاريخي والواقعي السحري هو إعادة بناء لتجربة ذاك الناجي، من خلال تصوير أخاذ في قرية صغيرة شمال كوالالمبور، أما الصوت المصاحب لفيلم الفيديو المأخوذ من مقابلات مسجلة، فهو صوت الرجل نفسه.
من السهل فهم صور “وونغ” وأعماله في الفيديو، لكنّ أعماله النحتية والمفاهيمية تتطلب تفسيرات وإيضاحات من الفنان، أو عناوين فرعية مسهبة، وهو أمر غير مرغوب به بالنسبة للعمل الفني، أما عمل ( النسيج المزخرف3)/ 1998- 2004 فهو مجموعة مكونة من 15 ألف بصمة إبهام موزعة في لفافة ورق طويلة معلقة في الهواء، وممتدة بطول صالة عرض، وقد قصد منه الاحتجاج على قانون الأمن الداخلي الماليزي الذي يسمح بالاحتجاز التعسفي لأجل غير مسمّى.
يبدو “وونغ” ذكياً باستمرار، وعلى الرغم من أنه يختار دائماً الوقوف مع أصحاب الحق ـ أي المهمشين ـ إلا أنه من الصعب أن نجد في أعماله رثاء حقيقياً، أو شيئاً آخر غير المفارقات وتماهي البرجوازية مع موضوعاته، باستثناء عمل ( فتحة الكلب)، لذلك وإنه على الرغم من الأشياء المهمة التي يريد الفنان قولها، فإن المرء غالباً ما يقرأ هذه الأعمال على أنها بيانات “وونغ هوي تشيونغ” ذاته، بدل أن تكون كشوفاً مثيرة أو حقائق ضرورية.
ووفقا لأحدث مقابلة مع “وونغ” فإن مشروعه القادم قد يكون فيلماً روائياً طويلاً عن "زومبي"، لتبدو هذه الخطوة أكثر دقة في الاتجاه الصحيح.
Film Noir
Mockumentary-style TV-news feature
3 Tapestry