P
R
E
V
N
E
X
T
01_cm_opti_1000

PAN JIAN FENG, No Matter, 2010, series of ink paintings. Courtesy Museum of Contemporary Art, Shanghai.


SUN YU, Absolute Isolation, 2011, oil on canvas,110 × 70 cm. Courtesy FQ Projects, Shanghai.

(This image and below) FAN SHISAN, Two of Us, 2009– , from a series of photographs. Courtesy the artist.

إعادة تعريف أجيال الألفية

Young Chinese Artists

Features from Sept/Oct 2011
China
Also available in:  Chinese  English

فيما يواصل المشهد الفني المعاصر في الصين تطوره بسرعة فائقة، فإن عالم الفن الخارجي يبقى متلهفاً للتعرف على روح العصر في فن الصين من خلال عرض أعمال فنانين جدد، فربما لاتزال اللوحات التصويرية الأيقونية التي ولدت من رحم حركات الثمانينيات الطليعية لفنانين مثل “زينغ فانزي” و"وي منجون" تسيطر على السوق التجاري، لكن منظمي المعارض والنقاد بدأوا يلتفتون على نحو متزايد  إلى الفنانين الشباب الذين هم من جيل بـ"ما بعد الثمانينيات"، ولأنهم كانوا في عجلة من أمرهم لتعيين المواهب الجديدة وتمييزها عما سبقها من الفنانين، فإن النقاد والمنظمين على حد سواء وسموا الجيل بأكمله بذات الصور النمطية المترسخة في المجتمع الصيني الآن، وتحديدا أن أولئك الذين ولدوا بعد سنة 1980 هم أكثر أنانية وانصرافاً نحو ذواتهم، وأقل انخراطاً في السياسة والثقافة من نظرائهم الأكبر سناً، غير أن المعارض العديدة التي أقيمت في بكين وشانغهاي مؤخراً تشهد بغير ذلك، فهي تكشف ملكة الفنانين الشباب في العمل الجماعي، واحترامهم للنظريات والممارسات المستمدّة من ذروة الحركة التجريبية في الصين فترة الثمانينيات.

ويبدو للوهلة الأولى أن التقييم الفني العام لفناني ما بعد الثمانينات يرتكز على بعض الحقائق، إذ يسهل وصف جيل نشأ في مرحلة سياسة “الطفل الواحد” وتفشي القيم الاستهلاكية بالتمركز حول الذات واللامبالاة، وخصوصاً حين المقارنة بالمصاعب المادية التي واجهها آباؤهم، بالإضافة إلى ذلك ما يقوله “ميشيل ني” مدير صالة شانغهاي/مشاريع ف. ك. حيث أن “جيل الشباب هو أكثر عزلة ممن سبقه”، ويواصل “ني” الذي عمل بشكل حصري تقريباً مع من هم في سن العشرين من عمرهم: “أبناء هذا الجيل يتحدثون ويتسوقون ويعبرون عن مشاعرهم عن طريق شبكة الإنترنت، بدل التواصل مع الناس وجهاً لوجه، ونتاجهم يتمركز أكثر فأكثر حول مشاعرهم وأحساسيهم”.

يستشهد “ني” للدلالة على ما يقول بأعمال الفنان “سن يو” المولود سنة 1982 والمقيم في “كوانغ شو”، وهو الذي قدّم لوحاته التصويرية بألوان رمادية كئيبة، فأغلب رسومات الفنان المتجهمة هي بورتريهات للذات، وإذا كان لمحياه العبوس أية دلالة، فإنه يشير إلى بؤس التأمل في دواخله، وقد عكست لوحته الزيتية (عزلة مطلقة)/2011 إحساس “سن” من الانفصال عن بقية العالم، وذلك بتصويرها شخصاً عارياً طويلاً يمشي وحده في شارع خالٍ.

ويشير “ني” أيضاً إلى فنان آخر هو المصور “فان شيسان” وهو من مواليد 1984، وتحتل الوحدة الناتجة عن سياسة “الطفل الواحد” بؤره اهتمامه في سلسلته الجارية (اثنان منا) /-2009، تلك التي تصور شباباً صينياً إلى جوار “أناه الأخرى” المتخيلة المتماثلة اللباس، ويشرح الفنان أن هذه الصور تتعامل مع سعيه وأقرانه نحو تشكيل هوية قوية من دون أشقّاء. وعبر الوِقفة الفاترة للشخصيات وتعابيرهم المحرومة تؤكد هذه الصور الأفكار المسبقة حول الجيل الضائع عديم الهدف.

ثمة من يرى في الصين أن بعض مواقع شبكة الإنترنت تعمّق الانطباع السائد عن اللامبالاة العميقة بين الشباب، مثل موقع (  NeochaEDGE) الذي أسسه رائدا أعمال أمريكيان شابان هما “شين ليو” و"آدم شوكورا"، ويشكل الموقع نافذة تعرض من خلالها أعمال أكثر من 200 فنان ومصمم وموسيقي، أعمال تأثر أكثرها بالتصميم الغرافيكي والرسوم المتحركة اليابانية، كاشفاً بذلك عن جيل مفتون بالثقافة الشعبية وبالأزياء وبالموسيقى المحلية والعالمية، وهنا تبدو السياسة غائبة، وقد أكّد منشئ الموقع مراراً في مقابلات أجريت معه أنّ الفنانين الذين قابلهم ليسوا معنيّين بالنقد الاجتماعي، وعلى الرغم من أن (  NeochaEDGE) يسهّل ـ مثل أغلبية مواقع الإنترنت ـ النمط الاستهلاكي الفردي باستخدامه من قبل الأفراد وهم في بيوتهم، إلا أنّ شعوراً اجتماعياً يغلب عليه، إذ تنتشر الأفكار في منتديات النقاش، ويستطيع الفنانون التواصل مباشرة مع بعضهم، وإن نوافذ الكترونية كهذه تشهد بأن الحركية الجمعية ـ سواء كانت حقيقة واقعة أو مفترضة ـ تظل نمطاً جوهرياً من أنماط حياة الشباب في جميع أنحاء الصين، وبمقارنة أبناء هذا الجيل مع آبائهم فإنهم يبدون أكثر تعرضاً للأفكار من خلال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وأكثر امتلاكاً لمعرفة غنية بتاريخ الفن الحديث، وبما أن هذا الجيل يتواصل ويرتبط مع بعضه ومع العالم المحيط به بهذه الطرائق الحديثة، فإنه من السابق للأوان وصف فنانيه بالوحدة وبالتمركز حول الذات.

وخلافاً للرأي السائد عن جيل من الشباب المنعزل، فقد بدا أثر سياسة الطفل الواحد على الفنانين الصاعدين بميلهم نحو البحث عن زملاء يمكن التعاون معهم وتبادل الأفكار، ومن الأمثلة البارزة على ذلك؛ المشروع الجمعي العائم الشكل الذي تأسس في شانغهاي وحمل اسم  “متحف المجهول”، وهو يفتقر لعضوية دائمة، حيث يحمل كل معرض جديد أعضاء جدداً وآخرين منسحبين، وذلك على الرغم من أن عضويته الأساسية تحمل أسماء فنانين مثل “كوي آنكسيونغ” (1972)، “وو دينغ” (1982)، “كسي كسينغاتو” (1983)، “سوي شانغ جانغ” (1980)، “زينغ هوان” (1983)، “لي كسياوهوا” (1978)، “لياو في” (1981)، “كسو شينغ” (1983)، “وو كسياوهانغ” (1972)، الملحن “جن وانغ” (1978)، وتعمل هذه الجماعة كمختبر يتعلم فيه الفنانون الشباب من نظرائهم الكبار الذين يقومون بالمقابل بالتعليق على أفكار مريديهم الطازجة، حاذية حذو جماعات وحركات إقليمية ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي، مثل “كسيامين دادا”، ومثلها أيضاً يقوم فنانو"متحف المجهول" بتنظيم عرض أعمال بعضهم.

03_cm_opti_1000

Installation view of “+Follow” at Museum of Contemporary Art (MoCA), Shanghai, 2011. Courtesy MoCA, Shanghai.

LU YANG, Happy Tree (detail), 2009, mixed-media installation, dimensions variable. Courtesy the artist.

ففي السنة الماضية أقيم معرض “ما الذي نتحدث عنه حين نتحدث عن الفن؟” في فضاء “بيز” الفني بشانغهاي قبل توقفه عن العمل، حيث أقامت الجماعة هناك غرفة جلوس فنية، داعية الجمهور لاختبار مشاريع الملتيميديا بطرائق غير تقليدية، فنثرت مقاعد في كل أنحاء المكان للسماح للجمهور بالجلوس وقراءة كتب مصممة خصيصاً، وقد ملأت كتب أرفف الغرفة، كما عرضت أفلام فيديو على شاشات تلفزيونية تقليدية، وعلى صناديق ورقية ضئيلة وضعت على ركائز بيضاء، وتركت كراسات رسم في الغرفة ليرسم عليها الجمهور ما شاء من إبداعاته، فيما اقتسمت مزهريات وآلات كاتبة عتيقة وصور مبعثرة ظاهرياً حصصها من المكان، معمّقة الطبيعة الفوضوية لهذه الإنشاءة، ومعيقة أية إمكانية لرسم الحدود بين الأعمال الفنية وديكور الغرفة، كل ذلك جعل الجمهور يتساءل محتاراً إذا كان ما يراه ويجلس عليه ويتصفحه عملاً فنياً أم لا، وهي حالة تطلبت مشاركة الجمهور الفعلية، وليس مجرد المشاهدة السلبية، وقد طبّقت الإنشاءة فكرة “النحت الاجتماعي”، وهو مفهوم للفن واسع وعابر للتخصصات، ولد على يد الفنان الألماني الكاريزمي “جوزيف بيبوس” الذي يقرّ بتأثيره الملموس عدد كبير من فناني هذه الجماعة، بالإضافة إلى ذلك أنه وبدلاً من خلق خبرة افتراضية بالكامل ـ كما يتوقع من فناني ما بعد الثمانينات ـ فإن معرض “ما الذي نتحدث عنه حين نتحدث عن الفن؟” قام بربط الجمهور والأعمال الفنية معا في بيئة مادية حقيقية.

وعلاوة على سبر حدود الشيء الفني والخبرة الفنية فإن “متحف المجهول” عالج مسألة لا تقل إرباكاً وغموضاً، وهي كيف نعيّن القيمة للعمل الفني، ففي إنشاءة ( ديكور)/أيار ـ أغسطس 2011 التي عرضت في فضاء “أرو فاكتوري” ببكين، حولّت الجماعة واجهة الفضاء ضئيلة الحجم إلى مكتبة إعارة يمكن للجمهور استعارة لوحات منها وفقاً لتعليمات وضعها كل فنان على حدة، فقد اشترط البعض تأميناً نقدياً، وبعضهم الآخر وضعوا حدوداً عمرية، بهدف منح الفنانين قدرة على التلاعب بمفهوم القيمة، وتحديد جمهورهم المستهدف، وقد تمّ توثيق اللوحات التي اختار الزوار استعارتها، الأمر الذي منح نظرات ثاقبة فيما إذا كان الجمهور يفضّل المفهوم على التنفيذ، والجمال على الفكرة، وفيما إذا كان يرى في العمل الفني مجرد ديكور خارجي، أو يراه شيئاً يمكنه أن يضيف معنى لحياته اليومية.

كما شكّل العرض أيضاً نقداً لتثمين الفن بأسلوب المضاربة، وهي عملية لا يشارك فيها الفنانون مشاركة بشكل مباشر أحياناً، ولا سيما في السوق الآن الذي تتحدّد فيه القيمة على يد بيوت المزاد وأصحاب صالات العرض، ففي الوقت الحاضر يعتبر تثمين الفن برأي “لياو في” أحد أعضاء الجماعة المنتظمين عمليةً عديمة الجدوى في جوهرها، وهو الذي صرّح لي بالقول: “لا يمكننا معرفة القيمة الحقيقية للفن، فمن يستطيع أن يجزم كم أساوي أنا كفنان؟ من يمكنه حقاً أن يعرف أي فن سيصمد أمام اختبار الزمن، وأيه سيظل مثيراً لاهتمام الجمهور بعد مائة سنة؟ إنها مسألة مبهمة تماماً”.

إن استكشافات “متحف المجهول” لحضور أو غياب القيمة والخصائص الجوهرية للأشياء الفنية يسهّل عليه مقارباته العابرة للتخصصات، وقد اتضح ذلك في تعاون “متحف المجهول” مع 40 فناناً وموسيقياً وكاتباً ومصمماً في مشروع "Follow+"، وهو عبارة عن دراسة مسحية أجريت في متحف الفن المعاصر في شانغهاي لفنانين شباب اختارهم قيّم المعارض “وانغ ويوي”، وكانت البداية جغرافيّة، إذ طلب " ويوي " من كل فنان أن يعلّق على فكرة “المكان” ـ مكانه هو وعلاقته بأمكنة الآخرين ـ، وقد جاء المشروع مشابهاً لـ “لعبة التلفون”، حيث يقدم فنان فكرته لفنان آخر يقوم بإنتاج عمل مستلهِماً إلى حد ما فكرة الفنان الأول، وقد استمر الفنانون بالقيام بذلك إلى أن جمعوا كلهم في مكان واحد ليصبح المشروع أقرب إلى شبكة معقدة، ووضعت شرائط في جميع أجزاء المكان لتدل على العلاقات المتداخلة بين الفنانين ومن كان مصدر إلهام للآخر، أما الأعمال الناتجة فكانت عبارة عن تشكيلة غير منتظمة شكّلت جميعها إنشاءة بدت مثل مجموعة مضطربة، بحاوية شحن كبيرة ثُبِتَت على أرضية المكان لتزاحم إنشاءة صوتية ومجموعة سيراميك ومنحوتات تجريدية، وجدران علّقت عليها لوحات وخرائط وصور وإنشاءات، في حين تدلّت رسومات من السقف، ولم تظهر أي من الأعمال نشازاً عن سواها، وكما كان الحال في عروض سابقة لـ “متحف المجهول” فقد بدت جميع الأعمال كما لو أنها وحدة واحدة.
روح التعاون هذه زيدت فيها خطوة إلى الأمام على يد عضو “متحف المجهول” الفنان “لياو في”، الذي جاءت مساهمته لـ “Follow+” على شكل مشروع تعاوني جمع بين الأدب والرسم، مسلّطاً الضوء على قصة رجل ميت مجهول وجدت جثته في الثلج، حيث قام الفنانون المشاركون في المشروع ـ “كسو شينغ” (1983)، “لي كسياوهوا” (1978)، “يي لينغان” (1985)، الفنان البلجيكي “لوري فانيلسلاند” (1983) ـ بتقديم نسخهم ورؤاهم الخاصة لقصة تمت تسميتها ببساطة ( م )، حيث أعطى كل عمل، سواء كان رسماً أو لوحة أو جزءاً مكتوباً من رواية، أدلة ما على هوية الرجل الميت، وإذا أُخذ كل عمل على حدة فإنه سيبدو مجزءاً وغامضا عن قصد، إذ لا يقدم أي عمل من الأعمال القصة الكاملة وحده، بل على المشاهد أن يضم أجزاء القصة مستخدماً العناصر المتناثرة في كل الأعمال، وكأنه محقق في قضية ملغزة، ومن خلال وجهات النظر المتعددة اللازمة لرؤية الصورة الكبرى يمنح ( م ) دليلاً على أن الجماعة أكثر حيوية من الفرد.

تجدر الإشارة هنا إلى أن المقاربة التعاونية التي ينتهجها “متحف المجهول” في صناعة الفن وتنظيم المعارض ليست أمراً جديداً على الصين، إذ نظمت مجموعات غير رسمية من الفنانين عروضاً جماعية منذ الثمانينيات، مثل جمعية الرابطة التي تأسست سنة 1986، والتي عالجت قضايا عرض الفن ضمن المجال الضيق لمجتمع حديث الانفتاح، وكان أبرزها ما قام به “زانغ بيلي” الذي شارك في تأسيس جمعية الرابطة إلى جانب فنانين آخرين منهم “جينغ جيان يي” و"سونغ لينغ"، حيث قدم " بيلي" رسومات سلويت لأناس يمارسون “تاي تشي”، وألصقها على الجدران في جميع أنحاء "هانغتشو"، وعلى الرغم من مرور أكثر من 20 عاماً فلا تزال القضايا ذاتها تلحّ على أذهان الفنانين الشباب، ثم إن “متحف المجهول” ذاته يمكن عدّه وريثاً لمجموعة فناني شانغهاي المحكمة التنظيم، والتي تضم “يانغ زهينغ زهونغ” و"اكسو زهين" و"يانغ فودونغ".
يتزايد تبني الفنانين الشباب لأساليب عابرة للتخصصات تسمح لهم بدفع حدود ما هو مقبول اجتماعياً، يساعدهم في ذلك عيشهم في مجتمع أكثر انفتاحاً، وتعرضهم المستمر للعالم الخارجي، وخصوصاً من خلال الانترنت، وقد ظهر هذا واضحاً في مشاريع “لو يانغ” (1984)، وهي إحدى أعضاء “Follow+” ويجمع عملها بين الطب والأحياء والموسيقى والخيال العلمي، فالفنانة في سلسلتها طويلة الأمد ومتعددة الأجزاء “مشروع للبحث عن تعاون مع فرق علمية” (-2011) تقوم بتوظيف شكل التجارب المختبرية لغايات سادية، ففي عملها (صندوق موسيقى زومبي ـ باليه الضفدع تحت الماء) ألصقت الفنانة ضفادع من دون رؤوس على صناديق موسيقية تصدر لحظة عزفها نوتات تجعل سيقان الضفادع ترتعش بشكل رقص باليه مرضي، وقد وُضِعت على شاشة عرض في “Follow+” تعليمات دقيقة لكل تجربة من تجارب الفنانة، بما يشبه صفحات في كتب جامعية طبية، مصحوبة بفيلم قصير يعرض العملية بأكملها، ويتناثر بين المصطلحات التقنية ذات النغمة الباردة في التعليمات، والفيلم عبارة عن صور عنيفة لضفادع تقطع رؤوسها بمقصات، وفئران تغرز فيها أسياخ عبر الجمجمة، وأوتار لذراع إنسان يتم سحبها من العظم، تشكل جميعها صوراً عدمية لفضول الإنسان ورغبته في السيطرة على الطبيعة.

لم يكن (صندوق موسيقى زومبي) أول أعمال “يانغ” المثيرة للجدل مع الحيوانات الحية، إذ سبقه عمل( الشجرة السعيدة)/2009، حيث يسري تيار كهربائي عبر خزانات صغيرة فيها ضفادع حية وسمادل وأسماك، ما يجعل تلك المخلوقات تقفز وتتشنج، وقد قامت “يانغ” بتصوير وتسجيل وبث الحدث كاملاً على شاشات فيديو صغيرة وضعت حول العمل، وحين عرضته في  “بيز أرت” في شانغهاي 2009  فإن ردود فعل الجمهور تباينت بشدّة لرؤية حيوانات تتعرض للأذى في سبيل الفن، ما أدّى بالفنانة إلى القول بأنها لن تعرض عملها هذا مرة أخرى، مقرّة في الوقت ذاته أن النتائج الممكنة للعمل استغرقت جميع انتباهها إلى حد جعلها تغفل عن الأبعاد الأخلاقية.
أثارت “يانغ” الجدل ثانية بعملها (Krafttremor)/ 2011 الذي استقصت فيه مرض "الباركنسون"، والمرضى الذين يعانون من أعراض شديدة لا يمكن للدواء السيطرة عليها، مثل ارتجاف اليدين والارتعاش وتصلب العضلات، وهؤلاء تجرى لهم عملية جراحية تدعى “تحفيز عميق للدماغ”، يتم فيها زرع محفّز عصبي في دماغهم، ويقوم هذا الجهاز بإرسال نبضات كهربائية تعترض سبيل الإشارات العصبية الشاذة التي تسبب أعراض المرض، وفي عمل Krafttremor المعروض على شكل جداول بيانية كبيرة مطبوعة، أقامت “يانغ” نوعاً من التوليف بين أعراض المرض والموسيقى، مستخدمة محفزاً عصبياً بطريقة مبتكرة تماماً، حيث سجّلت النبضات الكهربائية التي تندفع في دماغ المريض حين يبدأ بالارتجاف، وحوّلتها إلى موسيقى إلكترونية، وفي إحدى الأغاني المصورة التي صنعتها نرى مرضى حقيقيين تم تصويرهم وأعراض الباركنسون تعصف بهم، مصحوبين بموسيقى تصويرية إلكترونية نافرة، وقد أعطى المرضى موافقتهم على تصويرهم لقاء مبلغ من المال، غير أن رؤية أولئك الرجال وهم يرتجفون بلا قدرة على التحكم، ومرتدين بيجامات مخططة تذكّر بلباس مستشفى الأمراض النفسية أمر يبعث على القلق بلا شكّ.

صرّحت الفنانة بلامبالاتها بالسياسة، مؤكدّة تفانيها الذي يصل حد الهوس في النظريات العلمية، لكن الذي يعيش ضمن الحدود الصارمة التي تفرضها دولة قوية كالصين قد لا يراها صدفة أنّ فكرة التحكّم مركزية تماماً في أعمال "يانغ"، إذ أن جميع شخصيات أعمالها ـ البشرية كانت أم الحيوانية ـ عاجزة أساساً، وتتحرك تلك الشخصيات أو تتفاعل طبقاً للتعليمات المعطاة لها في هذه السيناريوهات التجريبية، صحيح أن أعمال “يانغ” قد تكدّر المشاهدين، إلا أن لديها إدراكاً ثاقباً للطاقة المجازية الكامنة في لغة العلوم، والعنف المفرط المغلِّف لأعمالها والمصحوب بافتتان شبه طفولي بالمرض، ينبعان من ذهن لا يكفّ عن مساءلة السلطات القائمة ودور الفرد السلبي في مجتمع تسلّطي.
يشكل توظيف “يانغ” للحيوانات في أعمالها حلقة وصل تربطها بأجيال سبقتها من تجريبيين صينيين، ولا سيما الثنائيّ المثير للجدل “بينغ يو” (1974) و"سن يوان" (1972) اللذين قاما في عملهما ( الكلاب التي لا تستطيع لمس بعضها)/2003 بتثبيت كلبين على أجهزة ركض "تردميل"، ووضعهما وجهاً لوجه بطريقة تجعلهما ينبحان ويركضان تجاه بعضهما من دون إمكانية لالتقائهما، وبالمثل نرى أن صولات “يانغ” في الفن الحيوي قد سُبِقت بمشاريع “لي شان” (1942) الذي قاده افتتانه الأبديّ بالحمض النووي “DNA” والهندسة الوراثية إلى تعاون مع مزرعة قرع محلية ومهندسين حيويين لتصميم سلالات جديدة عبر التهجين، وقد عرض “لي” بعضاً من القرع الناتج بأشكاله المتعددة في صالة شانغهاي للفن سنة 2007، ومنح وقتاً لـ"مخلوقاته" تلك كي تنمو في فضاء المعرض، مقدماً بذلك دليلاً لأثر الإنسان المحتمل على النظام البيئي، وجرياً على عادة من سبقوها، فإن “يانغ” تستخدم زخارف العلم من أجل توسيع الأعراف الجمالية، والتعليق على علاقة الإنسان بالطبيعة، وهي بذلك تواصل السير على خطاب قائم أصلاً في الفن الصيني، قوامه موقع الفنان باعتباره مبدعاً للقاءات غير طبيعية.
وفي حين لا يمثل “متحف المجهول” و"لو يانغ" سوى حفنة من مجموع الفنانين الشباب في الصين، فإن أعمالهما تخرق أفق التوقعات لعالم فني يسارع في تعريف جيل لا يزال طور النشوء، وبعيداً عن كونهم لا مبالين ومنعزلين ـ كما كان يُخشى بداية ـ فإن فناني ما بعد الثمانينيات يكشفون عن اهتمامهم بالسياسة وبالأفكار النقدية، وبتوقهم للتعاون، وبوعيهم التام للتقاليد المؤسسة، سواء على يد أسلافهم داخل الصين أو خارجها، وفيما يستمر هذا الجيل بالنضج فإنه ومن دون شك سيُدخل أساليب وإستراتيجيات جديدة في عالم الفن الصيني تكون مصدر إلهام لمن سيأتي فيما بعد.

Ads
E-flux Artspace 4A Centre for Contemporary Asian Art Silverlens