P
R
E
V
N
E
X
T

EIKO & KOMA, Naked, 2010 performance documentation. Photo by Anna Lee Campbell. Courtesy Museum of Contemporary Art, Chicago.

“الزمن ليس منتظما، المكان ليس فارغا”

إيكو وكوما

Museum of Contemporary Art, Chicago
Japan USA
Also available in:  Chinese  English

أولاً وقبل كل شيء شدّد معرض “الزمن ليس منتظماً.. المكان ليس فارغاً” الذي يستعرض تاريخ فنانَي الأداء اليابانيين “إيكو” و"كوما" من خلال الفيديو والتصوير والأعمال العابرة والأزياء والإنشاءة والأداء؛ على فعل المزاوجة كما أبدعه ثنائي الرقص العالمي المعاصر البارز لما يزيد على 40 سنة، وعلى إعطاء فكرة عن مدى قوتهما معاً، وقد كتبت مصممة الرقص الأمريكية “آنا هالبرن” في كاتالوغ المعرض عن عجزها بإيجاد مكان لها حين تعاونت معهما في رقصة (كن مع)/ 2001؛ وكيف استلزم الأمر منها فصلهما أولاً، كي ترقص مع الأول مرة، ومرة أخرى مع الثاني.

وإن هذا المعرض الاستطلاعي المزدحم الذي نظمه مركز “والكر” الفني في “مينيابوليس” كجزء من مشروع استعادي أكبر، كان قد بدأه الثنائي سنة 2009 لتوثيق رقصاتهما وإنشاءاتهما، وهو الذي يؤطّر ويلتقط بفعالية الجوانب العديدة لعمل “إيكو” و"كوما" التعاوني دائم التغير، ولأن أداء الثنائي يقوم على حركات تتقدم بشكل بطيء، فقد منح هذا مساحة للتأمل دائماً، ثم إن بنية النظرة الاستعادية لمعرض مسحي يشكل إطاراً طبيعياً لانخراط كامل ومتمهل مع الثنائي، فالانخراط الكامل مهم تماماً، والرأي الشائع يقول إن الرقص لحظة عابرة زائلة، وإذا تأملنا معاً طوفان المقالات الأخيرة التي ساءلت مستقبل رقصات “ميرسي كونينغهام” بعد وفاته في عام 2009، وحلّ شركته، وكذلك الرقصات العديدة التي خلت من نوتات رقص ثابتة، فإن عمل “الزمن ليس منتظماً.. المكان ليس فارغاً” يأتي ليبطل هذه السلبية، إن لم نقل الاستسلام، من خلال اقتراحه بأن الحركة يمكن تثبيتها، بل وبالإحساس بها بدقة وبإثارة.

على طول مدخل المتحف نثر جدول زمني ملتبس مكانياً لصور مدبّسة ومسنّدة، وتوصيفات تعليمية، وبوسترات، وبرامج، وكتب تتجاوز الشريط الدعائي لـ (مشروع العربة)/ 1999؛ وصولاً إلى طاولة وضعت عليها شاشات حاسوب لتمكين الجمهور من مشاهدة رقصات فردية، وبعد ذلك يتابع المعرض مع  (37 عملاً)/ 2011؛ وهو فيديو تمت منتجته بإحكام وباختصار، إلى درجة باتت تظهر فيها أغلبية الرقصات مدة دقيقة بالكاد، مع التركيز على الإيماءات في لقطات سريعة، حيث يتعرّى الفنانان.. يهرمان.. يتدليّان.. يتلويّان.. يفقدان الجاذبية.. ينضجان.. يبطئان.. يتنافسان على السيطرة.. يلبسان ثانية.. يغرقان.. يقفان بالأبيض والأسود، ثم يظهران بالألوان، وقد دعا رفّ من الأزياء وجداران مغطيان بأجزاء من أطقم مسرحية؛ الجمهور إلى التأمل في الأقمشة الظاهرة في أداءاتهم، وبعد ذلك العرض أُعطِي الجمهور فرصة مشاهدة عينات من رقصات فردية حسب وتيرتهم الخاصة، رقصات معروضة في 5 شاشات موضوعة على صناديق خشبية رقيقة وجّهت نحو الأعلى.

لكن حجر الأساس في المعرض كان عمل (عاري)/ 2011؛ الذي أبدعه الفنانان وفي ذهنهما ذلك المشروع الاستعادي بوجه خاص، وعرضاه أولاً كإنشاءة مدة شهر في مركز “والكر” الفني في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، وهو عبارة عن ستائر قماشية كبيرة تشبه جلد حيوان مزين بالريش، والستائر تحيط بكومة من أوراق الأشجار الناعمة، وتؤطر حافة بركة سباحة عاكسة، وقد مسرحت المكان الأصوات الميكروسكوبية، ولا سيما المراوح الضئيلة المحفوفة بأوراق عُلقت في أضواء خافتة، فبدا المكان وكأنه غابة كثيفة حية بأصوات وبحركات متعددة دقيقة، وقد قام الفنانان بأداءات تتراوح مدتها بين 4 و7 ساعات يومياً على مدى 10 أيام في المعرض، وحينما لا يكونان حاضرين يتم عرض فيديو خافتاً لهما على جدار مقابل البركة العاكسة.

والعمل ـ على الرغم من إبهاره الحواس ـ إلا أنه كان أقل إثارة للانخراط العاطفي مع حركات الفنانَين، مقارنة مع ما هو متاح في جدول زمني للأعمال العابرة، أو في  (37 عملاً أو في قطع الملابس والديكور، وقد بدا الفيديو الشبحي لكل من “إيكو” و"كوما" وهما يرقصان في إنشاءتهما حرفياً، وكأنه تعويض عن حضورهما الجسدي الحقيقي، مما جعله مفتقراً تماماً إلى الحرارة، وقد اتضح مراراً استحالة خلق نسخٍ أو تعويضٍ كامل لحركة ملموسة تحدث في العالم الحقيقي، غير أن هذا المعرض يصرّ على إمكانية إعادة تركيبها، ومما لا شك فيه أن النجاح حالفه في نواح عديدة.

وخلافاً لهذا الفيديو كان “إيكو” و"كوما" أكثر حضوراً في أجزاء المعرض التي لم تسعَ إلى وضع حضورهما الجسدي في الزمن الحقيقي، وقد منح فيديو (عاري الشبحي) لأجساد متعانقة ـ كونه تعويضاً أو بديلاً حرفياً ـ مشاركة وانخراطاً أقل مع حركاتهما من تلك التي منحها جدول زمني الأعمال العابرة.

حقاً.. إن “إيكو” و"كوما" جميلان، وربما كانت حسيتهما المربكة أكثر وضوحاً في التوثيق الساكن لأدائهما، ولملابسهما، ولإنشاءاتهما الجدارية القماشية، ذلك لأن الكاميرا تعشقهما، وختاماً فإن الصور والقماش ـ ناهيك عن جسد الفنانين ـ تمثل أسطحاً نختبر من خلالها مفاهيم متعددة للزمن، ونعكس عليها كيفية الإقامة في المكان.