P
R
E
V
N
E
X
T

MINOUK LIM, Firecliff 1_Madrid, 2010, single-channel HD video with sound, 13 min 40 sec. Courtesy the artist and PKM Gallery | Bartleby Bickle & Meursault, Seoul.

Liquid Commune، الجزء الأول

Minouk Lim

PKM Gallery | Bartleby Bickle & Meursault
Korea, South
Also available in:  Chinese  English
في أول معرض منفرد لها تستضيفه صالة عرض تجارية مهمة في كوريا، قدمت الفنانة “مينوك ليم” ذات الـ 43 سنة، والمقيمة في سيؤول عملاً من جزئين، جاء الأول على شكل جناح ضم أفلاماً قدمت لمحات عن حياة سكان المناطق الحضرية والأماكن التي يقطنونها، وقد ظهرت في الأفلام مشاهد لأنشطة أدائية في مناطق عامة، مثل عرض موسيقي حي في “La Tabacalera” الذي كان في السابق مصنع سجائر في مدريد، أو مثل تسكّعات شاب وحيد في المناطق الحديثة والقديمة في سيؤول، وقد بدت الأنشطة وكأنها عفوية تماماً، على الرغم من أن “ليم” كانت في الحقيقة هي من رتّب لها، والفنانة المخرجة ومديرة الرقص تشجع كذلك جمهورها على التأمل في حياة المدينة حينما يشاهد أماكن مفعمة بالحياة، وأخرى مهجورة لم تعد تستخدم في أي شيء.

وكانت أقوى الأعمال المعروضة (أنقذوا حياتنا: معارضة بالتبني)/2009، وهو عبارة عن فيلم توثيقي لأداء صوتي وضوئي صنع لموقع محدد site-specific، يقدم جولة في ليل سيؤول، معرجاً في أماكنها العامة ومصادفاً أناسها العاديين، فيما تظهر اللقطات الطويلة والبطيئة الملتقطة من قاربٍ وكأن المشاهِد مسافر في رحلة بحرية مسائية في نهر "هان"، فتندفع العبّارة متجاوزة جزيرة "نوديول"، وجسراً غير مكتمل، ومرسى سفن، وهناك يصادف سلسلة من الأحداث التي تبدو عفوية وغير مرتبطة ببعضها، على الرغم من أنها في الحقيقة معدة سلفاً، ويقدم شريط الترجمة المصاحب شرحاً جزئياً لتلك اللحظات التي تزودنا بنظرة على حياة سكان المدينة، لنشكتشف مثلًا أن رجلًا وحيداً كان في السابق سجين رأي، وأن جماعة من الناس الذين يحملون مرايا يبدو أنهم يسيرون في مسيرة سلمية، وأن زوجين شابين يهذيان عشقاً وهما يعلنان محبتهما لبعضهما في حديقة ستحوّل لاحقاً إلى دار أوبرا.

وفيما تمخر العبّارة عبر حياة هؤلاء الأشخاص؛ لا يظل المشاهد صامتاً، حيث نصبح نحن المسافرون متورطين ومشتركين في ذاك الذي نراه، فلا نستطيع الفكاك ونحن نرى العبّارة وهي تتنقل بنا في بيئة تخضع إلى تحديث متسارع، ويقوم كابتنها غير المرئي برواية أحداث الفيديو بصوته، طارحاً آراءه في الحقيقة، وفي الذاكرة، وفي كيفية استعادة الإنسانية، ومقدماً شرحاً لمعالم عديدة نمرّ بها، بعيداً عن كليشيهات المادة السياحية، مما يمنح “ليم” وسيلة للغوص في مجموعة من أحلك اللحظات في تاريخ كوريا، بالإضافة إلى حاضر النمو المتفجر في البلاد.

تبدو أعمال “ليم” معنية تماماً بمعنى المكان والسياسات التي تصاحب مواقف معينة، فموضوع فيلمها (صخرة النار 1- مدريد)/2010 هو الفضاء الثقافي النابض في قلب مدريد “لا تاباكاليرا” الذي كان لسنوات عديدة مصنعاً للتبغ، والنقطة المحورية في معركة حقوق عمال مهمة في القرن الـ 19، يوثق هذا الفيديو لإنشاءة ولأداء صوتي شهدهما المكان سنة 2010، فنرى من خلاله مغني راب في ساحة مظلمة يغنون كلمات كتبتها “ليم” نفسه، وقد صوّرت جميع أجزاء الفيلم باستخدام كاميرا حرارية تظهر صوراً حرارية في غياب الضوء العادي، وهذا الوصف البصري للحرارة عبر اللون يدلّ، بكلمات “ليم” نفسها، أنه (مع الدفء تكون الحياة)، والمؤدون في هذا الفيلم يظهرون بأشكالهم التي سطعت وأشبعت باللون، مما يعزز ثانية ما يلّفهم من نشاط، وهم بأدائهم يحيون ذكرى المقاومة والتوق الجماعي التي اعتمل بهما هذا المكان يوماً.

وعلى الرغم من أن الأداءات في أفلام “ليم” ممسرحة ومرتبة مسبقاً، لكن ليس فيها سوى القليل من الخيال، إذ أن “لا تاباكاليرا” يضم بين جدرانه عبقاً من ماضيه المتجسد فيه، فيما يجسد كاتب العبارة في فيلم (أنقذوا حياتنا) شخصية حقيقية لراوٍ التقته “ليم” يوماً خلال رحلة سياحية بحرية في سيؤول، و"ليم" المعمارية لا تهدف إلى إمتاع المشاهد من خلال عرض لمناظر، إنما تبدو وكأنما تتوسل بتمائم وتعاويذ لاستدعاء جوهر الماضي، وذلك بتنشيط حواس المتلقي من خلال الصوت واللون والحركة، وفي هذا كله تعيد “ليم” الحياة إلى المنسيّ، مؤكّدة على مكانه الصحيح في ذاكرتنا الجمعية، وكـأنما تصبح أعمالها نُصباً تحمينا من الغفلة عما غدا في الزمن الحاضر عقيماً بلا جدوى، مثل سوق قديم مفتوح مثلًا، أو طريقة قديمة في المسيرات، وما تندبه “ليم” ليس التغيير نفسه، بل الوتيرة المذهلة التي يتم بها، ملتمّسة منا لا أن نغير سلوكنا بالضرورة، بل أن نتذكر الماضي فقط.