P
R
E
V
N
E
X
T

CAI GUO-QIANGBlack Ceremony, 2011, photo documentation of a fireworks event in Doha, December 5, 2011, which applied 8,300 black smoke shells fitted with computer chips, and had an explosion area 29,500 square meters. Photo by Lin Yi. Courtesy Cai Studio, New York.

سراب

Cai Guo-Qiang

Mathaf: Arab Museum of Modern Art
China Qatar
Also available in:  Chinese  English
في مسعى لتطوير إستراتيجية تنظيمية تنظر نظرة جادة صوب شرق آسيا، فقد اختار المتحف العربي للفنون الحديثة “متحف” في الدوحة الفنان الصيني النيويوركي الإقامة “ساي جوو- تشانغ” ليكون ضيف معرضه الثاني للفن العالمي، فالمعرض الذي سيكون أول عرض منفرد لـ “تشانغ” في منطقة الخليج سيوسّع كذلك من رقعة التحولات التنظيمية في المتحف بإشراف مديره ومسؤول التنظيم فيه “وسن الخضيري”، لتستكشف الآن الروابط الثقافية والاجتماعية بين العالم العربي والصين.

وعنوان المعرض (سراب) يوحي بنية المتحف، إذ يبدو للوهلة الأولى أن ليس ثمة الكثير من القواسم المشتركة بين العالم والعالم العربي والصين، إلا أن نظرة تاريخية متفحصة ستميط اللثام عن أن الثقافتين متقاطعتان ومرتبطتان بتاريخ مشترك يتمثل بـ “طريق الحرير” البري والبحري.

وفي معرض (سراب) أكثر من 50 عملاً، 16 منها كُلّف بها الفنان، ومن بينها أعمال على الورق والقماش، وأفلام، وحدث نهاري مثير حول فرقعة بارود، وكلها أعمال تسبر اهتمام الفنان المزمن بالثقافة الإسلامية.

يتحدّر “كيانغ” من بلدة “شوان جو” ذات الحضور والأثر الإسلامي البارز، منذ أن بدأ المسلمون بالهجرة إلى الصين في عهد سلالة “يوان” بين القرنين الـ 13 والـ 14 الميلاديَين، حين أصبحت البلدة نقطة انطلاق تجارة “طريق الحرير”، وقد اعتاد الفنان في طفولته اللعب بين أطلال المقبرة الإسلامية في البلدة، حيث شواهد القبور ما تزال تحمل آيات قرآنية وجملاً من أحاديث النبي محمد، مكتوبة جميعها بالخط العربي.

ويمكن ملاحظة ذلك الارتباط بين مشهد المقبرة الإسلامية وذكريات “تشانغ” في عمله الملحمي (عودة إلى الوطن)/2011؛ وهي إنشاءة مكونة من 60 صخرة صُممت خصيصاً للمتحف للترحب بالزائرين في الساحة الخارجية للمتحف، لتقودهم بعد ذلك إلى منطقة الأتريوم، وقد حاول الفنان في ذلك العمل إعادة تقديم صخور المقبرة الإسلامية من خلال اختبار صخور مشابهة من “شوان جو”، وكتابة نصوص عربية عليها تدور حول حتمية الموت، وذلك قبل نقلها إلى الدوحة، وإحدى تلك الاقتباسات العربية اللافتة ذات المغزى الكبير للمعرض نفسه تقول: (من مات غريباً فقد مات شهيداً)، تلك العبارة التي وجدت صدى لها في لفتة الفنان الرمزية بـ “إعادة” الصخور المنقوشة إلى أرض عربية، والتي هي كناية عن العودة إلى الوطن، وتحية إلى المسلمين الذين عاشوا وماتوا في “شوان جو”

إن فكرة إعادة اللاجئ أو المهاجر إلى وطنه وجدت لها صدى أيضاً في عرض الألعاب النارية الذي أقيم في الهواء الطلق تحت عنوان (احتفالية سوداء)/2011، فهذا العمل المخصص للمتحف أقيم بداية في صحراء نائية، وقد خضع لرقابة خبراء الألعاب النارية، وإذا كانت فرقعات “تشانغ” تحمل عادة معها مسحة طقوسية عميقة حين تتم في بلدان أجنبية، فإن حدث الدوحة هذا وبتوقيته النهاري مثّل رثاء بصرياً للـ “شهداء” الراحلين الذين عادوا أخيراً إلى الوطن، وبدا شبيها بسرب من ألف طير أسود غطوا السماء جميعاً في لحظات ما قبل الغسق.

والمعرض حمل أيضاً في ثناياه عناصر احتفالية بارزة، وذلك باحتوائه على صالات عرض مكرسة لأعمال “تشانغ” السابقة من لوحات البارود، وتوثيقه مشاريع عامة متنوعة أقيمت في أماكن مثل بكين، كما الحال بالنسبة لـ (آثار أقدام التاريخ) مشروع الألعاب النارية لحفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين/2008، والصحراء الكبرى في مصر (الإنسان، والصقر، والعين في السماء)/2003، وهو ما ساهم في وضع أعمال “تشانغ” في سياق عالمي أوسع، وتقديمه فناناً متعدد الثقافات.

لقد كشف معرض (سراب) النقاب أكثر عن اهتمام هذا الفنان بالمشاريع الكونية، من خلال دراسته الهجرة بين المجتمعات العربية والصينية، وعبر اللعب بكلمة “سراب” – الوهم البصري الذي يجعل المشاهد يرى الأشياء على غير حقيقتها – فإن “تشانغ” يدفع الجمهور إلى النظر أبعد مما قد تبدو عليه الاختلافات الظاهرة بين الصين والعالم العربي، وإلى استكشاف تقاطعاتهما التاريخية والثقافية.