يعد هذا الفنان الروسيّ المولد رقماً ثابتاً في المشهد الفني المحلي لـ “ماكاو” التي اتخذها مستقراً له منذ 1992، حتى أنه مثل المنطقتين الإداريتين الخاصتين “ماكاو وهونغ كونغ” في بينالي البندقية، حيث عرض نسخاً من أعمال “كاناليتو” الرسام البندقي الذي عاش في القرن الـ18، وذلك بتفويضٍ من سوق إعادة الإنتاج الفني في مدينة “جوهاي” المجاورة والواقعة شمالاً عند الحدود بين الصين وماكاو، والفنان المولود في مقاطعة “أمور أوبلاست” الروسية على الجهة الأخرى للنهر المقابلة لمقاطعة “هيلونغج يانغ” شمال شرق الصين، يدّعي وصلاً بهذا الوطن المتبنّى بمعماره وبتنوعه الاجتماعي، وعلى الرغم من تهكمه على قبضة حكومة “ماكاو” الصارمة التي كما يقول إنها تخزن عائدات القمار بدل أن تستثمرها في التنمية الثقافية، فإن “بيسميرتن” لا يتردد في التأكيد: (ماكاو هي مدينتي المفضلة في آسيا).
استديو الفنان هو عمارة بسيطة مكوّنة من طابقين، مدهونة بالأحمر من الأرضية إلى السقف، تطل على فناء خالٍ مبلط بالطوب، وداخل الاستديو طاولة عمل طويلة صُفّت إلى جانب مسودات تحضيرية وكتب فنية، أما لوحاته الزيتية الأكبر حجماً، والمشبعة بالرمزية وبالعبارات اللاتينية المبهمة، فقد وضعت عمودياً على الحائط الأبعد في الاستديو، وفي هذه اللوحات تعامل ملاحظات الفنان الساخرة عن الثقافة المحلية المعاصر كلاً من المقامرين والعاهرات على قدم المساواة مع مدراء البنوك والقادة السياسيين، إذ تعرض كلا الجماعتين جنباً إلى جنب مع أجساد مترهلة بشدة وموبوءة بالطاعون.
وفي لوحات بانورامية مثل (China Trade! Vista da Praia Grande)/ 2009 تحوم بورتريهات لنساء شبه عاريات، إلى جانب رجال أنيقي الملبس وسيدات أعمال، تظهرهم جميعاً باعتبارهم شخصيات “ماكاو” الأيقونية.
وأعلى ذاك الحائط الأبعد ثمة لوحتان قيد الإنجاز، سمّيت إحداهما “نصب القرارات الكونية”، تظهر ما يشبه برجاً بابلياً لحُجَر من الرذائل، أما الثانية فتحوي عملاً سردياً صغيراً مصقولاً على نحو غير معهود، يعرض “آني ميلر”، وهي عارضة أزياء مجهولة لفنانين عدة في القرن الـ19، وقد جلست عارية، ويحيط بها فنانون معجبون كثر في غرفة تذكّر بالحجرات الهولندية الداخلية من عصر النهضة، وعلى يمين الحائط منحوتة خشبية غير مكتملة لشخصية نسائية تقف منبوذة، وضعت خلف طاولة ذات غطاء طيني تناثرت عليها أنابيب طلاء وزجاجات من زيت التربنتين، إلى جانب الطاولة تجيء لوحة بطول 7 أقدام، وهي جزء من سلسلة الفنان عن مصاصي الدماء، وتعرض اللوحة مشهداً من كازينو فيه مقامرين فاتري الوجوه بألوان نافرة من الأخضر والأرجواني والأزرق، وهم يحملقون بسخط في الاستديو.
إن معالجات الفنان الساخرة للحياة المعاصرة التي تزخر بإحالات تهزأ من تحف ما قبل القرن الـ17 الفنية ـ مثل “برج بابل” لـ “برويغيل” في عمله (نصب القرارات الكونية ـ تنبع من تقديره للشخصيات الشهيرة في تاريخ الفن، وبناء على معرفة وثيقة بالمعتمد الفني الأوروبي وتقنيات الرسم الكلاسيكي، والتي اكتسبها في معهد الفنون الجميلة في "فلاديفوستوك"، ومما يقوله الفنان ساخراً: (فن القرن الـ20 كان خطأاً)، مضيفاً أن المؤسسات الثقافية في عالم اليوم لا يبدو أنها تعدّ الفن وظيفة جادة، ولكن على أية حال يعترف “بيسميرتني” بأن الفن اليوم ليس مملاً.
وبفضل نجاح صناعة القمار في “ماكاو” فإن الإفراط في التملك العقاري جعل من الصعوبة أن يجد الفنانون المحليون استديوهات بأجرة معقولة، وحتى أولئك المعروفين جيداً مثل “بيسميرتني” لا يتسطيعون الهرب من آثار الازدهار الاقتصادي في "ماكاو"، إذ في الأشهر التي تلت زيارة “أرتس آسيا باسيفيك” اضطرّ الفنان إلى مغادرة الاستديو الذي يقطنه منذ 5 أعوام، لأن المالك ينوي تحديث البناية، لكن الفنان اختار بشجاعة الانتقال إلى استديو أكبر يقع في منطقة أكثر هدوءاً لا يرتادها الكثير من السياح، وذلك بهدف امتلاك فضاء يلائم مشاريعه الإنشائية الطموحة، وفي نهاية هذه السنة ستقوم صالة عرض “أميليا جونسون المعاصرة” في هونغ كونغ باستضافة بيسميرتني"، وهو معرض لأعمال جديدة صممت في مواقع العمل.