عادة يتم ربط ظهور الممارسة الكورية في الفن المعاصر عالمياً بفنانين هما: “نام جون بيك”/ 1932- 2006؛ و"لي أفان"/ 1936، اللذين ظلا نقطتين مرجعيتين على مدار المؤتمر، كما كانا موضوعاً لورقة بحث عن الأصول الروحية للفن المعاصر في كوريا قدّمها “شاندونغ كيم” من “مجلس كوريا للفنون”، أكد فيها الباحث على أهمية الكشف عن الشروط المحلية – والتي تمثلت في حالتنا هذه بخلفية ثقافية مزجت بين البوذية والكونفشيوسية والشامانية – بدلاً من اللجوء إلى مقارنات قومية غير مسنودة.
امتلأ المؤتمر على مدار أيامه الثلاثة باهتمامات مثيلة، فادّعاءات الخصوصية الثقافية القومية مثلاً قد تبدو مثل التماس خاص، لا سيما في حالتنا هذه، حيث التأثيرات الفنية التي يتم التقليل من شأنها جاءت من مصادر يابانية وأمريكية، مع ما للبلدين من علاقات ملتوية مع شبه الجزيرة والكورية، هذا فضلاً عن أنهما البلدان اللذان اختارهما “بيك” و"أفان" محطتين لمواصلة أغلب مسيرتهما الفنية، ومع تواصل فعاليات المؤتمر اتضح وجود نوع من الصحوة المدهشة في مجال البحث العلمي على مدار السنوات الـ 10 الماضية، كشفت عن عمق الممارسة في الفن التجريبي الجنوب كوري في النصف الثاني من القرن الـ20، وهو الأمر الذي لا يزال بحاجة إلى اعتراف كاف.
ألقى “إنهي كيم” من المتحف الوطني للفن المعاصر/كوريا إحدى المحاضرات المؤثرة اللافتة في المؤتمر، مستعرضاً فيها الحياة القاسية لـ 3 فنانين ولدوا بين عامي 1900 و1916، ينتمي اثنان منهما “أونسونغ باي”/ 1900- 1978؛ و"كوي- دي لي"/1913- 1965؛ إلى جنوب كوريا، وهما درسا في اليابان وألمانيا وفرنسا قبل الحرب العالمية الثانية قبل أن يعودا على التوالي إلى سيؤول عامي 1939 و1940، لينتهي بهما المقام في كوريا الشمالية في الخمسينيات، وذلك لأسباب لا تزال غامضة، على الرغم من أن الإيديولوجيا قد يكون لها دور في ذلك، أما الثالث فهو “وولريونغ بيون”/ 1916- 1990؛ الذي يتحدّر من منطقة بريمورسكي كراي الحدودية مع الاتحاد السوفياتي، وقد قام “بيون” بالتدريس في أكاديمية الفنون في لينينغراد، لكنه مُنع من السفر إلى كوريا الشمالية بعد الشقاق الصيني السوفييتي عام 1960.
لقد ظل حظر الكلام عن هؤلاء الفنانين الـ3 سارياً في كوريا الجنوبية حتى عام 1988، لكن تشعّب مسيراتهم الفنية والتطوّر السريع لأساليبهم يجعل البحث في أعمالهم شاقاً، على الرغم من أن محاضرة كهذه تمنح بارقة أمل ما.
سلّط عدد من المشاركين الضوء على الفن في كوريا الجنوبية بين عامي 1960 و1975، وهي الفترة التي تم وصفها بالسكون، بما هي فترة فاصلة بين حركة “البقعية” التجريدية أوروبية النزعة في الخمسينيات، والمقارِبة الأكثر شكلانية لحركة “المونوكروم” في السبعينيات، والتي سعت إلى تجديد التواصل بالروحانية والتراث الكوري.
وبغرض تفنيد هذه الفرضية أكد “جون كي” من جامعة ميتشغان/ آن آربر؛ أهمية الجانب المادي في أعمال “لي سونغ- تايك”/1932؛ المبكرة، كما تجلى ذلك في كل من استكشافه للأشياء الشعبية وإنشاءاته غير التمثالية، فيما وجه “شنغهون شين” من جامعة ولاية نيويورك/ بينغهامتون نقداً لفيلم “كيم كو- ليم” الطليعي (معنى واحد على 24 من الثانية)/1969، واضعاً تمثيله المشوّه للحياة الحضرية الميكانيكية في سياق الخطط المعاصرة للتطور البنائي العملاق في سيؤول.
استقصى “هوي كيونغ آن” من معهد كورتولد التعاونيات الفنية الطليعية من عام 1963 إلى عام1973، مصوّراً مجتمعاً صغيراً نابضاً حميمياً تمركز أولاً حول تجريبية فرقة “AG” المتنوعة لكن القصيرة عمراً، ثم عمّر بعد ذلك متجاوزاً القيود السياسية ولامبالاة الجمهور، وكان على من يرغب في التعرف إلى وجهة نظر رحبة ومفيدة حول سيرة الفن الكوري نحو النجاح العالمي الاستماع إلى “جيون لي” من مكتب المشروع، حيث قدّم لتغيّر مقاربات تنظيم المعارض في انخراطها بالعروض العالمية من الستينيات وحتى بداية الألفية الجديدة، ولأن البحث في الجوانب المطروحة في المؤتمر لا يزال في بداياته فإن المؤتمر شهد كثافة ممتعة من الحوارات وتبادل الآراء والمعلومات، بل والذكريات الشخصية، كما ظهر ذلك في محاضرة “جيونغمو يانغ” عن باهك ييسو"/1957- 2004؛ حين فاضت ذكريات الحضور حول Minor Injury، وهو الفضاء الفني البديل الرائد في نيويورك في منتصف الثمانينيات.
وعلى الرغم من وجود محاضرات مميزة في المؤتمر لفنانين مثل “ميكيونغ شين” و"دك هيون شو" و"يوندو يونغ"، والتي تعرّضت لقضايا الترجمة الثقافية على نحو خاص، فإنه لم يفِ عنصر المعاصرة حقه الكامل كما كان وعده، ونظرة أخرى قد تجعلنا سعيدين بهذا النقص، فالمنظمون لم يسعوا إلى الاحتفال النجاح المعاصر للفنانين الكوريين في البيناليهات والمعارض الدولية فحسب، بل أن يقدموا إلى جانب ذلك السياق والمادة اللازمين لفهم أكثر رحابة لهذه الظاهرة، وثمة أخبار عن المؤتمر أنه يسعى إلى نشر كتاب تعريفي، وأنه قد يصبح تظاهرة سنوية، وكلا الخبرين مصدر ترحيب أكيد كخطوة على طريق التأكد من أن السبب الذي قام لأجله المؤتمر قد تحقّق.