P
R
E
V
N
E
X
T

TAREK ATOUI setting up four microphones in the desert of Ash Shigaya, north of Kuwait, to record the sound piece Unplified, 2012. Courtesy MinRASY Projects, London

طارق عطوي: خفقات الصحراء

Tarek Atoui

Lebanon Kuwait France
Also available in:  Chinese  English
في الصباح الأيّاري الذي تلا العرض الأول لـ (فراغات)/2012 في متحف الفن الحديث بمدينة الكويت، كان مبدعه فنان الصوت طارق عطوي الذي كلّف بالعمل؛ قد بدا نشيطاً على غير المتوقع، إذا ما أخذنا بالاعتبار أنه لم ينم سوى سويعات في الليلة السابقة، وقد رأيناه كعادته على الرغم من الحرارة الشديدة يرتدي سترة صوف غريبة غير مجنّسة، ليبدأ بعدها بإطلاق نكات ساخرة.

جلس الفنان – اللبناني المولد والنشأة والباريسي الإقامة حاليا، كي يناقش معي إنشاءته الجديدة وعملية وسير التعاون مع مشروع “من راسي” – المؤسسة التي يديرها سامر يونس ورنا صادق تقوم بإنتاج وعرض مشاريع فنية معاصرة في الكويت – قبل أن يقصّ عليّ مسيرته كفنان صوت، بالإضافة إلى مشاريعه القادمة.

(فراغات) عطوي هي إنشاءة صوتية عرضت داخل بناية متنقّلة مضيئة حد الإبهار، تقع في باحة المتحف الحارة مثل الفرن، قسمت البناية إلى غرفتين متصلتين من دون أجهزة تكييف، كانت الأولى فارغة إلا من تسجيلات صوتية لأصوات صحراوية صُفّيت عبر نظام ارتجاع صوتي صممه الفنان خصيصا للعمل، أما الغرفة الثانية فكان فيها 4 مكبّرات صوت هدفت إلى تضخيم صوت حركات المستمعين في الغرفة، بحيث يتم إحلال أصوات الحضور الإنساني مكان الفراغ الصحراوي، ليشكّلا معاً ما يصفه عطوي بـ “التجربة الصوتية الكاملة”.

تجاذبنا الحديث على وجبة إفطار، وأخبرني عطوي أن العمل على (فراغات) كان: "مثل تجربة… لم أكن أدرك ما كان يحدث في الصحراء، فأنا أعرف الاستديو الخاص بي في باريس، أما هذا فكان مختلفاً فعلاً.

كيف حدث هذا التعاون بينك وبين مشروعمن راسي؟

بدأ المشروع نوعاً من التكليف، فعلى مدار السنوات الماضية شرع “من راسي” بدعوة فنانين للعمل على موضوع الحضور الفلسطيني في الكويت، وقبلي كان هناك طارق الغصين وخالد رباح وآخرون، لذلك فأنا استمرار لهما، فاقترحت رنا صادق عليّ تصميم إنشاءة صوتية مستلهماً من رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”/1963 التي تحكي قصة 3 لاجئين فلسطينيين لقوا حتفهم وهم في طريقهم إلى الكويت بحثاً عن عمل فيها، وأخبرتني صادق أنه أمكنها وقت قراءة الرواية أن تتخيل سماع الأصوات التي كان كنفاني يصفها، وهكذا بدأنا العمل.

وجرى التعبير عما تأمله عبر (فراغات)؟

ليس عندي أمل مطلقاً! والحق أنني لا أعرف ما أريد أن يشعر به المتلقي عبر هذا العمل، فهو غاية في التجريد، وبإمكانك التفاعل معه بمستويات مختلفة، وهو ما شعرت به من استجابات الجمهور أمس.

لقد عملت على تقديم قطعة صوتية ذهنية ذات علاقة مركّبة بالكتاب، لكنني لم أملك نيّة محدّدة… أعرف أيضاً أن العمل ليس سهلاً، فهو ليس محيطاً يمكنك التعايش معه بيسر، إن المكان حارّ، وملوّن، وصاخب، وهذه العناصر الثلاثة تعمل معاً، وقد سعدت حين رأيتها تعيد إنتاج الحدّة التي أردتها.

لنبقَ في موضوع العناصر.. عملك هذا مختلف تماماً عن معظم مشاريعك السابقة التي كانت مبنية أساساً على الصوت، (فراغات) يحاكي بيئة صحراوية من خلال استخدامه الحرارة الخانقة والضوء الباهر، فهل كانت فكرتك خلق بيئة صحراوية يمكن من خلالها التفاعل مع العمل؟

لقد كانت فكرة صادق في الحقيقة، وأعجبتي جداً، فالعمل مع صادق يمكِّنك من تخطي الحواجز، وقد منحتني هذه الإمكانية، وبعدها قلت: نعم، هكذا يجب أن تكون، فأنا معتاد على العمل في فضاء عرض أكثر تقليدية، وعلى تقديم عملي بصورة أكثر بساطة، و(فراغات) في النهاية عمل جامع فيه الصوت أيضاً، ولا يمكن الفصل بين عناصره بسهولة.

قمت بذات الرحلة التي قام بها أبطال الرواية الذين عبروا الصحراء من مدينة البصرة في العراق إلى الكويت وهم مختبئون داخل خزّان مياه.. كيف كانت تلك التجربة؟

هذه أيضاً كانت فكرة رنا صادق، وقد قمت بها في كانون الأول عام 2011، واستغرقت بضع ساعات فقط/ وقد كان القيام بتلك الرحلة مفيداً، وساعدني أثناء إبداع العمل، فأثناء الرحلة كنت أقرع جدران الخزان، لكن الصوت لم يكن مثيراً، لذلك لم أستخدمه.

قمت بالتلاعب بأصوات الصحراء التي سجّلتها بدل تقديمها بصورتها الطبيعية الخام.. كيف فعلت ذلك؟ ولماذا؟

لم أشأ أن أقدم شرحاً للبيئة الصوتية في الرواية، بل تحويل ذلك إلى شيء آخر، واستخدام الرواية كقاعدة لإنتاج شيء مختلف، لكن هناك شيئاً جامعاً بينهما بالطبع، والمكبّرات الأربعة مثلاً كانت تشير إلى عدد أبطال الرواية، فقد كانت فكرتي ضبط نظام كل واحد من المكبّرات كي يعمل بطريقة مختلفة تؤدي إلى إنتاج صوت مختلف، يستطيع الجمهور أن يميزه حين يمرّ في الغرفة، لكن الأربعة في النهاية يخلقون سيمفونية ما، كما لم أرغب في استخدام أو تقديم الصوت بصورته الخام، فسجلت مادة صوتية مدتها 7 ساعات، لكنني شذبتها وقصصتها حتى وصلت مدتها إلى ساعتين.

لايزال الفن الصوتي مسألة نادرة في الشرق الأوسط.. كيف بدأت مسيرتك الفنية؟

حين كنت مراهقاً عملت “دي جي”، وبعد فترة شعرت بالملل، فقررت دراسة تخصص دراسة جادّة، وبدأت التعرف على الفن الصوتي، وحين أنهيت الثانوية التحقت بجامعة في فرنسا حيث يدرّس هذا الفن، وفي مرحلة لاحقة بدأت بزيارة الشرق الأوسط والعمل على مشاريع فيه.

عملت في كل أنحاء العالم، من نيويورك إلى سيؤول، مروراً بكاسل ودوكيومينتا.. كونك عربياً إلى أي حدّ تتعامل مع العالم العربي كنقطة مرجعية في أعمالك؟

ليس كثيراً في الحقيقة، فأنا لست معنياً كثيرا بالسياق الإقليمي للشرق الأوسط بقدر عنايتي بإدامة وإطالة الأشياء المرتبطة بتاريخ الفن الصوتي والموسيقى المعاصرة، والأسئلة التي تثيرني تأتي عادة من هذه الخطابات، مع قليل جداً من الإحالات الإقليمية، حتى لو كانت المادة أو الموضوع الذي أعمل عليه مستلهما من إقليم ما.

ما هي مشاريعك القادمة؟

بعد مشاركتي القادمة في دوكيومينتا هذا الصيف؛ سأبدأ مشروعاً مع فرقة فنون أدائية بريطانية تدعى “Forced Entertainment”، وهي تعمل على إعادة خلق المسرح المعاصر، وبعد ذلك سأتجه إلى بكين وهونغ كونغ لاستكمال ما بدأته في دوكيومينتا، ثم سأؤدي (عودة إلى الطرب) في صالة “سيربنتين” في لندن ضمن فعاليّات أسبوع “Frieze” في أكتوبر/ تشرين الأول.