وقد كانت إحدى التظاهرات الحاضرة موسمياً سلسلة عروض تحت عنوان (البحث عن مصورين تايلانديين منسيين)، وهي التي تسلّط الضوء على مصوّري استديو ومجلات بارزين يعملون في الظل، ممن أفنوا أعوماً طويلة في هذا المجال قبل ظهور الفن المعاصر منذ نحو 20 عاماً.
وقد كانت نية سريوانيتشبوم مزدوجة، إذ تمثلت في البرهنة على أن تايلاند كان لها تاريخياً مصوروها الكبار، وفي تتبع انعكاسات الديمقراطية في الإنتاجات التصويرية المحلية من العام الفائت، وحتى اللحظة قد تكون أكثر اكتشافات السلسلة غنى وأقلها توقعاً هي أعمال الفنان العصامي السبعيني بورنساك ساكدينبراي، وهو الذي افتتح عام 1959 حين كان عمره 21 عاماً استديواً صغيراً للبورتريهات في مقاطعة فيماي الريفية في إقليم ناخون راتشاسيما، بموقع مجمع معابد صخرية للخمير الحمر.
وكان ساكدينبراي قد بدأ مسيرته قبل ذلك بعام واحد من خلال بيع صور تذكارية للسائحين القادمين عبر الطريق السريع المنشأ حديثاً في المنطقة، ولم يستخدم الفنان على مدار أعوام سوى ضوء الشمس لتحميض صوره وإضاءة استديوه، نظراً لأن الكهرباء لم تكن قد وصلت المنطقة بعد.
شمل المعرض الأول للفنان على الإطلاق؛ 30 صورة من عامي 1965 وحتى 1967، وقد رُتبت في 3 مجموعات وفقاً لأسلوبية ساكدينبراي، وللكيفية التي أراد القرويون في فيماي أن يُصوّروا فيها.
قدّمت إحدى المجموعات بورتريهات مصوّرة كما غلاف ألبوم “look thung” القديم لموسيقى تايلاند الريفية، والذي كان حينها في ذروته، وتظهر الصور رجالاً يقلدون معشوقيهم، شعورهم مملسة إلى الخلف، وكل واحد منهم يرتدي جاكيت البدلة والقميص والساعة ذاتها التي أعارها إياهم الاستديو، فيما تتدلّى سيجارة غير مشتعلة بأناقة من إحدى اليدين.
أما النساء فإنهن يختلن بشعر “bouffant” وبأزيائن الحديثة، وقد نقح الفنان جميع الصور لتفتيح لون جلد القرويين الملفوح بالشمس، وحواجبهم ورموشهم الكثيفة، من خلال اللمس المباشر للصور السالبة "النيغاتيف"، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصور السالبة أعيد طبعها كاملة في هذا العرض، كاشفة عن التعليقات المرقمة الموسومة على الأشخاص بغية التعريف، والتي تقتطع عادة حين نسخ الصور المطبوعة.
كما أظهرت مجموعة أخرى بورتريهات جماعية ومتنوعة لشبان وشابات وأولاد – التُقطت قبالة خلفية الاستديو المدهونة بطريقة فجة، المطلة على شارع بأبنيته الخرسانية الحديثة.
وفي إحدى الصور نشاهد شاباً خليعاً نظرته آملة، يضع ذراعه برقة على كتف شابة تقف على مسافة محتشمة منه وهي تنظر بارتياب في عدسة الكاميرا، فيما تتدلّى من اليد الأخرى للشاب تلك السيجارة الأيقونية، وتُظهر صورة أخرى ولداً يتحكم مفتخراً بجهاز ترانزيستور كبير، في لقطة كانت نيته منها إرسالها إلى أمه التي تعمل في الخارج، كإثبات لها على أن تحويلاتها المالية لم تضع سدى.
أما المجموعة الثالثة فقد كانت الأكثر روعة، حيث قدمت بشكل شبه عفوي رؤوساً مزدوجة لشبان أصبحوا رهباناً بوذيين، وأظهرت إحدى اللقطات راهباً وقد حلق شعر رأسه وحاجبيه وفق متطلبات الأديرة، فيما عرضته صورة أخرى بالوقفة ذاتها، لكنه كان يرتدي هذه المرة بدلة الاستديو المُعارة، وقد عاد شعره تماماً.
ومع ذلك فإن ما يبدو من “ما قبل وما بعد” مضلّل في الحقيقة، إذ إن ساكدينبراي أنتج هذه البورتريهات بعد أن سأله راهب شاب تنقيح صورته، ليرى كيف سيبدو كشخص عادي، فوجد الراهب أن الصورة الناتجة ستفيده في مغازلة النساء، لتصبح بعد ذلك “تقليعة” محلية.
نجح المعرض في أن يكون نافذة حنين إلى ما يكاد يكون زمناً ومكاناً ضائعين، كاشفاً عن حيوات تايلانديين فلاحين في عصر كان فيه الريف ينتقل نحو مزيد من الاندماج مع العاصمة، في ظل انتشار الطرق والتكنولوجيا والثقافة الشعبية، وما كان أخاذاً كذلك ابتكارات ساكدينبراي بالنظر إلى إمكاناته المحدودة، والجليّ هنا أنه قبل نصف قرن من الزمان – حين كانت الصورة لا تزال حدثاً خاصاً، كان الناس يندفعون بذات الدوافع التي يقوم بها الفوتوشوب والأنستغرام، أي أن يخلّدوا علاقة، أو يعكسوا ذاتاً مثالية، أو يقلدوا معشوقيهم.
وقد أبرز المعرض أيضاً الاحتمال المقلق من أن فنانين تايلانديين مجهولين آخرين لا يزالون ينتظرون أن يُكتشفوا، أما ساكدينبراي فإنه يواصل عمله في التصوير، إلى جانب حصوله مؤخراً على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال.