P
R
E
V
N
E
X
T

Kawayan de Guia standing by Axis Bus, part of “Halsema AXS Art Project,” a  collaborative project between de Guia and the artist collective AXS. Courtesy Kawayan de Guia.

كاوايان دي غويا

Kawayan de Guia

Philippines
Also available in:  Chinese  English

تعني كاوايان في اللغة التاغالوغية الخيزران، والحقّ أن كاوايان دي غويا بطوله ونحافته ورقَّة كلامه يبدو اسما على مسمّى، وعلى الرغم من أن العاصمة مانيلا هي معقل المشهد الفني الفلبيني الأساسي؛ إلا أن دي غويا قرّر الإقامة في إقليم جبال كورديليرا بقريته باغيو التي شكّلت موضوعاً لكثير من أعماله.

حتى أعوام عدة خلت كانت وسيلة المواصلات الوحيدة بين باغيو والمناطق النائية الشهيرة بزراعة الأرز في مقاطعة الجبل هي حافلات دانْغْوَا المتداعية التي خطّت طريقها عبر ممرات جبلية خطرة وغير معبّدة، أما الآن فقد سهّلت الحافلات المكيّفة والطريق السريع الجديد الأمر على الناس، وجلبت أيضاً زائرين غير مألوفين، ودرجة من تغيير النسيج الثقافي في الإقليم، فحلّت تلك الخواطر في صميم عمل دي غويا الأخير (Halsema AXS Art Project) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.

حوالي 30 فناناً أكثرهم من باغيو قطعوا مسافة 120 كم على طريق هالسيما السريع في رحلة استغرقت 5 أيام قضوها على متن واحدة من حافلات دانْغْوَا المهترئة، وذلك تحقيقاً لفكرة دي غويا التي سعت لإقناع مجموعة من ممارسي الفنون – من الحرفيين إلى الفنانين المفاهيميين – بركوب الحافلة معاً والانخراط مع المجتمع المحلي على طول الطريق، وذلك من خلال خلق أعمال فنية عابرة مرتبطة بمواقع الطريق ذاتها، أما مساهمة دي غويا فكانت عبارة عن خيمة بشكل حافلة، تم نصبها في كل موقع توقفوا فيه، بالإضافة إلى امرأة ثلجٍ صنعت من روث الدجاج السماد الشائع هناك، ونُصبت على أعلى نقاط الطريق السريع، وهي أمكنة مشاهدة مدهشة للسياح عشاق التصوير، وعن ذلك يشرح الفنان قائلاً: (للموضوع علاقة بالسياحة طبعاً، لكنه مرتبط كذلك بالقذارات التي تملأ الجبال التي  تتدهور أوضاعها سريعاً نتيجة الزراعة المفرطة).

قبل الشروع بالرحلة أقام دي غويا معرضاً شهدته أروقة صالة عرض مو سبيس في العاصمة مانيلا، وهناك جمع التبرعات، حينها كان الفنان يشرح مشروعه وهو جاثم فوق قطعة كبيرة من الخشب المنحوت، وقد وُضعت أمامه نسخة طبق الأصل من حافلات دانْغْوَا مصنوعة من مواد الخيام، إذ قال إنه سيضم أشياء سيتم جمعها والتقاطها أثناء عبور طريق هالسيما، وهو العمل الذي يذكّر بمشروع (لاكارنا/1986) للفنان رينيه أكويتانيا، وفيه سحب الفنان عربة خضار كتب عليها (الفن مقابل السلام) من باغيو إلى مانيلا عقب الثورة التي أطاحت بنظام ماركوس، ملتقطاً أثناء رحلته أشياء متنوعة، وبالمثل تضمّ إنشاءات دي غويا ورسوماته أشياء موجودة يلتقطها من بيئات طبيعية، أو يختارها من فنون وحرف تقليدية، أو يلتقطها من الشارع، أو يستخرجها من النفايات، أو حتى يجلبها من بيت العائلة، قائلاً: (إن لهذه الأشياء قيمة عالية، لكنها أُهملت وغدت في طيّ النسيان)، وغالباً ما يكون لهذه الأشياء صدى شخصياً لدى دي غويا، غير أنه يراها أيضاً جزءاً من ذاكرة جمعية يسعى إلى إعادة بعثها.

يستلهم دي غويا فكرة عقد مهرجان في الإقليم من ذكريات طفولته، إذ عُقدت الدورة الأولى من مهرجان باغيو الدولي للفنون عام 1989 بتنظيم من نقابة الفنون هناك، وضمّ المهرجان الفنان الكبير بينيدكتو كابريرا، إلى جانب المخرج الكبير كيدلت تاهيميكلا المعروف باسم إريك دي غويا والد دي غويا ذاته، وفي العقد التالي أصبحت باغيو بقعة فنية ساخنة يقصدها منظمو المعارض من مانيلا؛ بغية التعرف على مشهدها المحلي، وعن ذلك يشرح الفنان: (كانت باغيو متقدمة تماماً على عصرها، حيث كان فيها أول مهرجان في الفلبين يُنظم حصرياً على يد فنانين)، ومن هنا يمكن النظر إلى دي غويا وزملائه على أنهم الجيل التالي الذي يسعى لإعادة وضع باغيو على خريطة الفن في البلاد.

كانت نقابة الفنون في باغيو تتعاون مع السكان الأصليين الذين يقطنون الجبال، ويعترف دي غويا الابن بفضلِ جيل والده في إشاعة الوعي بالثقافة المحلية، وفي غرس إحساس جديد بالفخر في نفوس القبائل من خلال الفن، فيقول: (اعتاد الفلبينيون على وصم سكان الجبال بكلمة إيغوروتس، وهي مصطلح تحقيري استخدمه المستعمرون الإسبان من قبل، أما الآن فيفتخر الجبليون بذواتهم، فيقول أحدهم: أنا إيفوغاو، أو: أنا كالينغا، أو: أنا إيبالوي)، وقد تعرّف الفنان على تلك البيئات الاجتماعية منذ سن مبكرة، مثلما تعرّف إلى وسط بورغس الفلبيني الذي وُلِد فيه.

شكّل المعرضان الفرديان الأوليان الذي أقامهما دي غويا دلالة واضحة على ما ستكون عليه مسيرته الفنية، فالمعرض الأول أقيم عام 1995 في مدرسة الفلبين الثانوية للفنون – المجمع الذي شيّد على جبل ماكيلينغ في لوزون أثناء الحقبة الماركوسية -، وذلك حين كان يُنظر إلى الثقافة على أنها جزء أساسي من بناء الدولة القُطرية، وفي ذلك المعرض شوّه الفنان 100 نسخة من ميكي ماوس، ووضعها في قفص وأضاءها، في تحيةٍ خفية منه لطفولته، وعن ذلك قال: (كانت لوالدي طريقة غريبة في الإجابة عن سؤال من هو الفلبيني، إذ كان دوماً يستخدم ميكي ماوس باعتباره رمزاً للتأثير الهادف لأمريكا علينا، فيظهر الفأر الطروادي غاية في اللطف أولاً، قبل أن ينتهي به الحال إلى أعمال التخريب والتدمير)، وبعد التخرّج أحسّ دي غويا بضرورة الانعتاق من الشروط الاجتماعية عبر السفر ومحاولة (إيجاد طريقي) كما قال.

في البداية ارتحل من اليابان إلى كاثماندو متّبعاً طريقاً بوذية، ومنتجاً وموثّقاً أعمالاً فنية عابرة تحت عنوان (من الأرض إلى السماء: كاوايان دي غويا) قدّمتها لاحقاً جوسيلينا كروز أثناء عملها قيّمة لمتحف لوبيز في باسيغ عام 2001، وقد أقرّ الفنان بتأثير فنانين كبار على مسيرته في معرض (الحاضن) الذي أقيم عام 2007 في صالة عرض غرفة الرسم في مانيلا، حيث قدم بورتريهات مقصوصة من مواد متنوعة للفنانين الفلبينيين الذين كانوا أساتذته فيما مضى، بمن فيهم بينيدكتو كابريرا، أكويتانيا، سانتياغو بوسي، روبرتو فيلانويفا، أغنيس أريلانو، تومي هافالا، بالإضافة إلى والده كيدلت، وقد حصد الفنان عن معرضه هذا جائزة أتينيو المرموقة للفنون عام 2008.

وفي معرضه (Katas Ng Pilipinas – God Knows Hudas Not Pay) الذي أقيم في صالة غرفة الرسم عام 2009؛ زيّن الفنان سلسلة من خزائن الفونوغراف الآلية jukeboxes المهملة التي كانت قد وصلت إلى باغيو من خلال القواعد العسكرية الأمريكية بين الستينيات والسبعينيات.

يبدي الفنان حساسية عالية تجاه سيادة الموسيقى الطنّانة العاطفية غالباً على المشهد الحياتي اليومي في الفلبين، متسائلاً: (ما قصة الفلبينيين وأغاني الحب؟)، فقد دُهِش دي غويا من التشابه بين صندوق الفونوغراف الآلي من جهة والجيبني من جهة أخرى، وهي عبارة عن وسيلة مواصلات عامة تشبه سيارات الجيب الأمريكية، والتي غدت فلبينية بفرادة من خلال استخدامها أغانٍ هابطة، وأيوقنيات دينية، وتجهيزات كروم مبهرجة، وهي العناصر التي وظفها دي غويا في أعماله المازجة بين الجيبني وصندوق الفونوغراف.

نال دي غويا جوائز أيضاً عن عرضه (بومبا) الذي نظمه باتريك فلوريس في متحف جامعة الفلبين عام 2010، وفيه قدّم صفوفاً من المرايا المتدلية من السقف بشكل قاذفات التوربيدو، مع مكبرات صوت ضخمة تذيع أغاني حب، وقد تلاعب الفنان بالجناس الكامن في مفردة بومبا التي تعني قنبلة باللغة الإسبانية وتستخدم أيضاً للإشارة إلى الأفلام الإباحية التي راجت في الثمانينيات، وعن ذلك قال: (ما أردت فعله في الحقيقة حفلة جنون، إنني لا أرى العالم يتجه في الطريق الصحيح، فماذا يمكننا أن نفعل تجاهه؟ أنت تخلق نقاشات حين تجتذب أفراداً إلى لقاءات اجتماعية جنونية، سيما حين يكونون خليطاً متنافراً من البشر). 

وعلى الرغم من انشغال الفنان بعديد الفعاليات الدولية عام 2013  كونه واحداً من عشرات منظمي بينالي سنغافورة، بالإضافة إلى معرضه الفردي الذي أقيم في غيلمان باراكس في سنغافورة بصالة عرض غرفة الرسم؛ إلا أنه يبقى بالتأكيد ملتزماً تجاه باغيو والمشهد الفني المحلي، وعن ذلك قال: (إنها أوقات عصيبة، تختلط فيها أشكال عديدة من حياة متوترة معاً).

إن الفن بعيون دي غويا هو تسليط الضوء على تلك النواحي من خلال استلهام المؤثرات الاجتماعية الثقافية المختلطة التي تشكّل إحساس الفلبيني بهويته، وتجميع أفراد القبائل المختلفة معاً، إن لم يكن في قدّاس أو قربان فعلى الأقل في حفلة روك صاخبة.