P
R
E
V
N
E
X
T

Illustration by Oliver Raw

ما الذي ننتظره؟

Indonesia
Also available in:  Chinese  English
على مدى العقود الأخيرة أسهمت الفنون البصرية في تشكيل الخطابات العامة حول قضايا اجتماعية وسياسية وتربوية، إلى جانب سبرها في الهوية والتحول نحو الديمقراطية في عدة بلاد آسيوية، ففي أندونيسيا على سبيل المثال؛ كان الفن طوال عهد سوهارتو (1968-1998)  مسيّساً في جوهره، وكان الفن وعبر استكشافه حدود حرية التعبير، أداة معارضة وعنصر احتجاج.

أنتجت حقبة الإصلاح التي تلت سقوط سوهارتو فناً تربوياً – في الأساس – متجهاً نحو المجموع ومحرّراً، وشهدت البلاد طفرة في الفن النقدي والمفاهيمي، وسلّطت الضوء على نقائص البنية التحتية في مجالي صالات العرض والفضاءات البديلة، فيما كان محترفو الفن وقيمو المعارض يطورون برامج البحث والعرض التي شجّعت رؤى جديدة حول المجتمع والتاريخ.

وقد أحدثت السنوات الـ 5 الأخيرة تغيرات مهمة في المشهد الأندونيسي، لا سيما اتجاهات “الذهاب عالمياً”، والتأثير المتصاعد لقوى السوق، وهي التغيرات التي تضطرّنا لإعادة النظر وظيفة وصلة الفن، واللحظة الراهنة تشير إلى أننا لا نستطيع التأثير في الأشياء التي تحدث حولنا، مما ينتج وضعاً من الاستهلاك السلبي.

إذا كان الفن فيما مضى من أجل رؤية الأشياء بشكل مختلف وتغيير وجهات نظرنا، فإن الأسئلة التي تطرح ذاتها الآن: ماذا ننتظر من الفن؟ وما دوره في مجتمع مثل أندونيسيا؟ وهل لا يزال في الفن ما يثيرنا ويتحدّانا؟

يميل جيل الشباب من الفنانين إلى إنتاج أعمال جاهزة للاستهلاك في صالات العرض التجارية وأسواق الفن، وهو ما يبدو نتيجة تدريبهم – الذي يقودهم غالباً إلى هذا النظام ـ ومسعاهم في المشي على خطى الفنانين "الناجحين"، وبغياب أي متحف عام فعّال للفن المعاصر يمكنه أن يقدّم بديلاً عن القطاع التجاري؛ فإن المنظمات الفنية الخاصة تحاول ملء الفراغ، وبذلك فإن التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الفني الأندونيسي الخاضع حالياً لقوى السوق؛ يكمن في كيفية تأمين الدعم المتواصل لمنظمات الفن غير الربحية، حتى يظل هناك أساس قوي للحركات الفنية القديرة، وذات الصلة في المستقبل.

استطاعت – وحتى وقت قريب – عدة منظمات فنية مثل روانغروبا وأرشيف الفن الأندونيسي البصري ودار سيميتي للفنون وكيلولا؛ جذب تمويل عالمي، لكن الكثير من المؤسسات الأجنبية الخيرية التي توفّر ذلك الدعم قد بدأت بتقليص نشاطها تدريجياً، ونتيجة ذلك قامت أكثر من 20 منظمة فنية من مختلف الاهتمامات بالتجمّع معاً لتأسيس “تحالف الفن الأندونيسي” الذي يهدف إلى إنشاء كتلة جمعية وطنية يمكنها الدفاع عن أهمية الفن ودعم المشاريع غير الربحية، ولكن حتى اللحظة، وفي ظل غياب أية إستراتيجية ثقافية حكومية، فإننا في دار سيميتي للفنون، وجنباً إلى جنب مع منظمات فنية غير ربحية وبديلة أخرى؛ مضطرون إلى الاعتماد على مبيعات الفن وجمع التبرّعات من الشركات الخاصة والجمعيات الدولية.

ومن المفارقات أنه في الوقت الذي يصبح فيه الفن هذه الأيام أقل إمتاعاً وإثارة للذهن؛ فإننا نشهد في الوقت ذاته اهتماماً متزايداً من جمهور أكثر اتساعاً، ففي افتتاح “ART/JOG12” المعرض الفني الخالي من صالات العرض والذي أقيم في يوغياكارتا في تموز/ يوليو؛ اصطف أكثر من ألف شخص في ليلة الافتتاحية.

إن الفن المعاصر هو آخر “التقليعات” في أندونيسيا، ويحب الشباب أن يلتقطوا لأنفسم الصور وهم أمام أعمال فنية، وذلك قبل أن يضعوا الصور على الفيسبوك، كما أن الاهتمام المحلي من مقتني الفن الأحدث سناً واعد أيضاً.

ومع ذلك – وبالنظر إلى التسليع المتزايد للفن البصري الأندونيسي – فإن الواجب يقتضي تركيزاً أكبر على الخطاب النقدي، وفي مقالة (طريق ثالث) التي نُشرت في العدد السابق من هذه المجلة يعالج هوهانرو ضرورة أن يشجع قيمو المعارض كلاً من الفنانين والجمهور، مؤكّداً أن مكان قيّم المعارض هو في إنتاج النقد الثقافي الفكري، لكن الحال في أندونيسيا هو أن قيّم المعارض يتأرجح بين مبادرات تجارية وبديلة تحت مسمّى “القيّم المستقل”.

إن صالات العرض “بحاجة” إلى القيمين المستقلين الذين يعملون – للسخرية- مثل السماسرة، وذلك كي تصل إلى الفنانين المعروفين، أو تؤكّد على موهبة فنان صاعد، وصالات العرض التجارية تنتظر من القيمين أن يجلبوا لها الأعمال الفنية التي ستبيع جيداً.

وضمن تلك الدائرة الضيقة فإن خيارات القيّمين لا تكاد تستطيع تجنب الانقياد بحاجات السوق، أضف إلى ذلك أن هذا الوضع يجعل من ظهور جيل جديد من القيمين أمراً في غاية الصعوبة، وهو ما نحن في أمسّ الحاجة إليه.

على مدار الأشهر الـ 6 الماضية نظمت دار سيميتي للفنون 4 نقاشات مع مجموعات مركّزة من الفنانين والقيمين والباحثين من مختلف الأجيال، وقد أكّد الحديث إلى القيمين الشباب مخاوفنا، إذ إن الفنانين الصاعدين – في اندفاعهم نحو الشهرة – يرغبون العمل مع القيّمين الكبار المعروفين.

هذه الحالة أدّت إلى خنق حقيقي للصوت النادر لهذا الجيل الجديد، وهو ما يجب أن يناقشه نظراء أولئك الفنانين الصاعدين، من كتاب وقيّمين ونقّاد، كما أدّت كذلك إلى ألا يظفر القيّمون الصاعدون سوى بفرص ضئيلة لتطوير ممارستهم الخاصة وخطابهم مع معاصريهم، ومن القضايا الأخرى التي أثارها القيّمون الشباب صعوبة الموازنة بين رؤيتهم التنظيمية ومتطلّبات هذا الوسط المحكوم بالمال، وهو غالباً ما يجعلهم يطيلون أمد دراستهم، أو يختارون العمل في قطاع التعليم بديلاً.

إن الفن في أزمة، وما نأمله هو ردّة فعل، أية مبادرة يمكن لها أن تحرّك الوضع الراكد، لكن الأمانة تقتضي منا القول: إن أولئك الذين يظهرون قلقاً في المجتمع الفني تزيد أعمارهم عن 35 عاماً، فيما يقضي الجيل الأصغر وقته مستريحاً أو مشوّشاً، فلا هو يرغب في أن يُعامَل باستعلاء من جيل الشيوخ، ولا لديه في الوقت ذاته أعداء تجب الثورة عليهم، ونحن لا يسعنا سوى أن ننتظر ونرى ما الذي يمكنه أن يكسر هذا الجمود.