ستانلي وونغ

ظهر مركز “InnoCentre” في منطقة كولون تونغ في هونغ كونغ نتيجة مبادرة حكومية تهدف إلى توفير فضاءات ذات تكلفة منخفضة للأنواع الإبداعية، معزّزة بذلك التصميم والإبداع، ومع ذلك فقد اخترت أن ألتقي مصمم الغرافيك والفنان ستانلي وونغ المعروف باسم “رجل جبال آخر” في المقهى أسفل البناية، نظراً لأن مكيف الهواء في الاستديو الخاص به لا يعمل سوى وقتاً محدوداً كل يوم، وفي غير الصباحات، وقد غدت هذه المشكلة صفة مميزة للفضاءات الإبداعية الممولة والمدارة حكومياً في شتى أنحاء هونغ كونغ، فالأولوية تمنح دوماً للانتظام وحسن التدبير ويسر الإدارة.

تحدثنا عن المقاطعة الفنية في فو تان الضاحية التي تُعرَف في هونغ كونغ بـ “الأراضي الجديدة”، وعن الفنانين الشباب وكيف بدأوا يحصلون على فضاءات خاصة بهم هذه الأيام.

كثير من فناني جيل وونغ ابن الـ 52 عاماً يعملون عملاً إضافياً كي يدبّروا متطلبات حياتهم، ثم إن من يملك فضاء مستقلاً للعمل الفني منهم عددهم محدود.

يصف وونغ ذاته بمصمّم غرافيك، إذ صدف أن وجد ذاته يقوم بأعمال تصوير وإنشاءات حرّة، ويعتقد وونغ أن الفنان هو الشخص المنغمس في الفن والفن وحده، وأن مجرد الحصول على فضاء خاص بنشاطاته الأخرى هو نوع من الترف.

لم نلبث أن انتقلنا إلى الاستديو الخاص به داخل البناية، عابرين ممرات عاديّة الوصف، تذكّر بكثير من البنايات التجارية حول المدينة، وأول ما يخطف البصر حال الوصول هو كاميرا كبيرة من نوع 8×10 وحاملتها الضخمة، والموجّهة إلى خارج النافذة، وما تطل عليه من مناظر منخفضة الارتفاع، وهو مشهد نادراً ما يُرى في الفضاء الحضري المزدحم بكثافة في هونغ كونغ، أما الجدار المقابل فقد أسنِدت عليه صورتان مؤطرتان مأخوذتان من لانوي (2006)، وهي سلسلة صور لايزال وونغ يعمل عليها، وفيها ينقّط بنايات غير منتهية بعارضات أزياء يرتدين أزياء كلاسيكية، في محاولة لتجميل المحيط الخامل، وقد قدّم الفنان هذه الصور في معرضه الذي استضافته صالة بلايند سبوت في هونغ كونغ.

لانوي أو الذيل المكسور هو مصطلح يشير إلى مشاريع البنايات التي لا تكتمل أبداً، حيث تُهجر في مراحل مختلفة من العمل، وتتوزع في مدن شتى في الصين، بعض تلك البنايات بقيت على تلك الحال سنوات – بل عقوداً – لتصبح آثاراً من حقبة جنون البناء التي تلت الإصلاحات الاقتصادية في الصين في الثمانينيات، ويمنح الهيكل الاسمنتي الفارغ لتلك العمارات مسرح عمل فسيح للفنان وونغ الذي يموضع مشاهد صوره المرحة غالباً على خلفية تلك المدن المزدهرة، ويعمّق الحجم الضخم للصور الناتجة من التباين بين برودة وصرامة البنى الإسمنتية المعرّاة من جهة، والأشكال البشرية الشهوانية المرتدية أزياء فترة غابرة من جهة أخرى.

ويكشف التصوير بالحجم الكبير عن تفاصيل المشهد جيداً، فيما تساعد الطبيعة التناظرية للعملية على منح الفنان تناغماً مع الجوانب التقنية من عمل الفن، ففي آخر المطاف يحتاج أخذ صور لائقة بالكاميرا إلى عملية طويلة ودقيقة جداً.

يقول الفنان إنه يحب حمل الكاميرا الضخمة تلك كل يوم كنوع من نظام تدريبي، وعلى الرغم من بزوغ العصر الرقمي، إلا أنه يفضل التصوير بها إلى الوقت الذي لا تعود الأفلام الخاصة بها متوفرة.

بعد ذلك أراني وونغ صور معرضه الجديد، والتي التقطها الأسبوع الماضي في مدينة معارض غير مكتملة على أطراف بكين، في موقع كانت النية أن يصبح نسخة عن ديزني لاند، وتظهر الصور بداية حلول الخريف، وتبدو واضحة فيها كآبة الأجواء في المناظر الطبيعية شمال الصين، وقد زُيّنت المشاهد بممثلين وممثلات يرتدون زياً صينياً موحّداً يعود إلى منتصف القرن الماضي، لتصبح شكلاً جديداً من صور البروباغاندا، تعلوها مسحة رأسمالية ناشزة.

يرى وونغ أن ذروة روح مدينة لانوي تمثلت بفندق ريوغيونغ الهائل في بيونغ يانغ بكوريا الشمالية، والذي ترك من دون أن يُكمل بناؤه عام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان قد وفّر معظم الخبرات اللازمة لتشييده.

يتندّر وونغ قائلاً: (إن أي شخص عاقل لن يقوم بتوجيه كاميرا كبيرة نحو هذا الفندق، أو يضع عارضات أزياء أمامه، كما لا يمكن لأحد التوقّع أن توافق شركة مصرية على استئناف بناء المشروع بعد 16 عاماً من توقفه، ومن المؤكد أنه سيبقى شيئاً في هذا المشروع “ذيلاً مكسوراً” أي غير منتهٍ، وهذا دليل على عدم اكتمال العالم).