أوكلاند

على الرغم من أن أوكلاند هي كبرى مدن نيوزيلاند، إلا أن بعدها الجغرافي عن بقية العالم، وقلة عدد سكانها بعض الشيء (1.5 مليون نسمة) يجلبان لها شيئاً من عقدة النقص.

فنحن الأوكلانديون قلقون من أن متحفنا الوطني تي بابا تونغاريوا يقبع بعيداً في العاصمة، وأننا لا نملك متحفاً مخصصا للفن المعاصر، وأن علينا السفر إلى أستراليا إذا أردنا حضور فعّاليات أو رؤية أعمال مهمة، وبالتالي على الفن والمختصين فيه التصرف طبقاً للحكمة النيوزيلاندية البارعة التي تقول: (إن الواجب أن نفكر بشكل أذكى، لا أكبر).

أواخر عام 2010 دمجت الحكومة النيوزيلاندية 7 مدن ومقاطعات بإقليم أوكلاند في كيان واحد يعرف شعبياً باسم أوكلاند المدينة السوبر، والذي يدار من قبل مجلس أوكلاند، وقد ملأ القلق نفوس البعض من أن ينتج عن مركزية الحكومة المحلية تلك تنظيم موازٍ للمرافق الفنية في الإقليم، ولم يمضِ إلا القليل حتى بدأت القصص تتوافد، كان أشهرها ما تسرّب إلى وكالات الأنباء حول كريس سينز مدير صالة عرض أوكلاند للفنون، وحاجته إلى التقدّم ثانية بطلب الحصول على منصبه ذاته بعد إعادة تعريف المنصب كجزء من إعادة هيكلة إدارية تجارية الاتجاه، وقد اضطرّ مجلس أوكلاند للتنازل أمام مطلبه هذا حين رأى عزم المتاحف والمجتمعات الفنية بعدم التعرض لمؤسستهم الرائدة.

تلك الحادثة سلّطت الضوء على المكان غير الملائم الذي وجدت صالة العرض نفسها فيه ضمن وحدة مرافق الإقليم التي تدير أيضاً حديقة الحيوانات والملاعب الرياضية ومراكز المؤتمرات في المدينة، وإذا كان التسويق الفني الأساسي في مجمله ضعيفاً، فلك أن تتخيل ما سيكون عليه الحال إذا تمّ دمج موارد التسويق كلها معاً.

كانت صالة العرض في الفترة ذاتها محط الأنظار، فبعد إعادة افتتاحها أواخر عام 2011 أعقاب عمليات تطوير بنائية جمعت بين مقاومة الزلازل والترميم، بالإضافة إلى توسعات درامية نالت عدة جوائز واعترافاُ، وكانت النتيجة النهائية زيادة تقدر بحوالي 50% في مساحة العرض، ولم يعكّر صفو هذه الأخبار الفرحة إلا بيع صالة العرض المعاصرة الجديدة التي توشك أن تتحول إلى مركز تسوق للأزياء، على الرغم من وجود إشارات سابقة عن احتمالية أن تصبح مركزاً غير ربحي للفنون البصرية.

ومن دون منشأة مكرّسة للفن المعاصر تكون الصالة قد تُركت بصالتين مؤقتتين رئيسيتين تستخدمان أيضاً لعرض الأفلام التجارية، وهما تضمان حتى اللحظة معرض صور لموسيقى الروك، ونظرة عامة لأساتذة حداثيين بعنوان (من ديغاس إلى دالي)، ونحن ننتظر بفارغ الشوق  لنعرف حجم المساحة التي ستخصص لترينالي أوكلاند القادم في شهر أيار/ مايو، وهو أبرز الفعاليات التى ترعاها الصالة، والتي ستحظى هذا العام خصوصاً بتنظيمٍ من قِبل هوهانرو الشخصية العالمية المرموقة.

وعلى الرغم من أن أوكلاند محظوظة بوجود عديد الفضاءات الفنية التجريبية الصغيرة وصالات العرض التجارية، إلا أنها تفتقر إلى مؤسسة مركزية مهمة للفن المعاصر، حكومية كانت أم خاصة، وقد يكون لدى الصالة المعاصرة العريقة آرت سبيس – الجهة غير التجارية والمدعومة حكومياً – الفرصة كي تسدّ ذلك الفراغ إذا تمت توسعة مساحاتها، ونقلها من موقعها المتواضع.

حين انسحبت صالة أوكلاند من صالة العرض الجديدة سرت شائعات عن احتمال أن ترث صالة آرت سبيس جزءاً من البناية، وفي النهاية التجارة هي التي تغلبت.

في سياق آخر تجدّد مؤخراً النقاش حول متحف تي بابا تونغاريوا الذي استوعب صالة الفن الوطني، وذلك من خلال إعادة هيكلة تمت عام 1992، إذ كان يؤدي المتحف واجبه نحو الفن وخدمة بقية مناطق البلاد على نحو كافٍ، وقد تم طرح اقتراح بخصوص جعل بناء قائم متحفاً فنياً في العاصمة، واقتراح أن يكون لأوكلاند الحق في الحصول على متحف تي بابا الشمال، وهو ما سيزوّد أوكلاند ببناية أيقونية تستحقها واجهتها البحرية المعاد تطويرها، وقد تكون تلك فرصة كي تدخل آرت سبيس المعترك بقوة، أو ربما تكون إحدى الفضاءات الفنية في الضواحي التي أغنت المشهد المعاصر مؤخراً، لا سيما تلك المرتبطة مع مجالس جنوب أوكلاند البائس.

في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي تم الإعلان عن أن القيّم كريس سانز سيترك صالة أوكلاند، ليتولى بدلاً عنها إدارة صالة كوينزلاند للفنون/ صالة الفن المعاصر في بريزبن، فاسحاً بذلك المجال أمام مدير جديد كي يقدّم رؤى جديدة طازجة تليق بالمرافق التي ساعد سانز في إنشائها، وربما تكون الخطوة القادمة الواجب اتخاذها في الصالة إضافة متأخرة كثيراً لقيّم معارض متخصص في الفن الآسيوي أو الباسيفيكي، وإذا استطعنا فعلاً الحصول على مؤسسة فنية متوسطة الحجم للمدينة فسوف يكون من المهم الالتفات إلى كيفية تعريفها بذاتها.

ثمة جدال عميق حول موضوع المعاصرة، تماثله نقاشات واسعة عن الفروق بين الفن والعادات الثقافية، وكلها غالباً نتاجات أنظمة غربية، فليس من المصادفة – والحالة كهذه – أن تقام بعض أكثر برامج العرض حيوية مؤخراً في صالات عرض صغيرة جنوب أوكلاند حيث يعيش سكان من أصول ماورية وبولنيزية وآسيوية، وإذا أمكن لأوكلاند أن تجد طريقة مميزة لاستغلال هذه الطاقة وتلك الأفكار، فسوف يكون لديها ما يكفي من الأسباب كي تتوقف عن محاولتها مجاراة جيرانها الكبار.