كوني لام المدير التنفيذي لمركز هونغ كونغ للفنون وضيفه قيّم المعارض السنغافوري يوجين تان؛ اختارا 9 فنانين آسيويين لسبر موضوع المقياس البشري وما وراءه، وكما كان متوقعاً فقد شهد المعرض أعمالاً مميزة لفنانين من هونغ كونغ (ليونغ مي بينغ، روي نغ)، وسنغافورة (هو تسو نيين، مجموعة فيرتيكال سبمارين)، بالإضافة إلى اليابان والصين والهند وأندونيسيا.
وقد ارتكز الأساس التنظيمي للمعرض على التعبير عن التعالي عبر مقياس بشري صغير نسبياً، وهو ما التقطته بدقة أولى الأعمال الفنية التي تراها في صالة عرض باو في الطابق الـ5 من المركز تحت عنوان (نقيض الحجرة: القلب المستوي الزائف)/2012؛ بتوقيع مجموعة فيرتيكال سبمارين المكونة كل من فيونا كوه، جوستين لوك، جوشوا يانغ.
ضم العمل مكتباً محاطاً بعدة فراشي حبر مرتبة بعناية، ومصباح، وكتابة مطبوعة على صفحة، لكن نص الصفحة ظهر مقلوباً، وهي ذات الحالة التي ظهر عليها نص مكتوب على جدار قريب مقتطف من رواية للروائي خورخي لويس بورخيس، والذي ما كانت قراءته ممكنة إلا من خلال إنعام النظر فيما بدا مرآة علّقت على الجدار المقابل.
لكن المرء لا يحتاج إلا للحظات فقط كي يدرك أن المرآة ما هي في الحقيقة إلا مخرجاً مؤطّراً يفضي إلى غرفة أخرى هي صورة مرآوية للغرفة الأولى، ويأتي عمل (نقيض الحجرة) مثل نسخة مختصرة من عمل أقدم للمجموعة هو (حديقة الطرق المتفرّعة)/2010؛ الذي يتألّف من سلسلة أطول من الغرف المتداخلة.
بعد عبور مرآة (نقيض الحجرة) والاستدارة إلى غرفة أخرى؛ سيجد الجمهور ذاته أمام (المنبوذ)/2012-2002؛ للفنان الصيني ليو جيانهوا، ذلك العمل الذي تمّ تقليص حجمه أيضاً ليناسب مساحة المركز الضيقة، ويتخذ العمل شكل كومة مزهريات محطمة، وقوالب سيراميك مصنوعة من أشياء حديثة مألوفة وُزّعت بالتساوي على مساحة مستطيلة بقياس 5م × 10م، في حين غَطّت نسختها الأصلية مساحة تصل إلى 450 م2، وفي ذات الغرفة نرى عمل (خارج الخلل Out of Disorder)/2012-2011؛ للفنان الياباني تاكاهيرو إيواساكي، وفيه يقدّم منظراً جبلياً مصنوع من قماش أبيض تتخلله بعناية أبراج اتصالات، ويشترك هذان العملان في التعبير عن شيء من الهشاشة، إن لم نقل السريالية.. عن الحضارة البشرية.
بعنوانها الفرعي المتلاعب بالألفاظ (Asian (Un)real Estate Project) تآلفت إنشاءة (الجدار)/2012؛ للفنان الأندونيسي أديتيا نوفالي، والتي احتضنتها غرفة خلفية مظلمة، مع فيلم (غيوم اللامعرفة)/2011؛ لـ هو تسو نيين، وقد عُرض الفيلم في الجزء السفلي من صالة عرض باو، حين يقوم الجمهور بتدوير الألواح الثلاثية التي يمثل كل واحد منها نافذة أو بوابة سجن أو جداراً من الطوب في منمنة نوفالي التي تأخذ شكل مجمع شقق مضيء ذي واجهة منفردة، وقد يحوّل الجمهور العمل من بناية إلى سجن، وفي مقابل ذلك يعرض فيلم (غيوم اللامعرفة) سُكّان عمارة واحدة يعيشون حيوات داخلية فانتاستيكية، لكنها منفصلة عن بعضها تماماً، وعلى مدار الفيلم يتصالح السكان مع العالم الخارجي حين تُخترق كل شقة في العمارة على يد شبح الغيوم، وهو رجل خائر الصوت، أبيض الشعر، ينبعث من غيوم من الدخان.
وفي غرفة مظلمة أخرى في الدور السفلي من المركز عرض الياباني المخضرم يايوي كوساما عمله (سلم إلى السماء)/2012؛ بسلّمه الذي يبدو كمن يصعد ويهبط بلا نهاية ارتفاعاً وانخفاضاً، وهو الشعور الذي بعثه استخدام مرآتين دائريتين تحصران سلّماً مصنوعاً من ألياف نيون متغيرة اللون، ومتوّجاً بأسلاك معدنية على شكل كرمة عنب، وقد صاحَب العمل قصيدة استحضارية جاء في مطلعها: (أرى أن ليس ثمة أجمل من السماء/ الدرجات الرقيقة تغوي قلبي/ يحدث ذلك كل مرة، كل حياتي/ عبر الغيوم الركامية البراقة البيضاء/ تصعد أعلى وأعلى/ دافعة الغيوم البيضاء والأكثر بياضاً/ ما وجدته لحظة المجازفة بحياتي/ كان ذلك الحب الأبدي الذي يلمع دوماً).
في بيانه التنظيمي استلهم يوجين تان مفهوم إيمانويل كانط عن “السّامي” ليعبّر عن المعنى الحقيقي للفن الذي يكمن برأيه في إثارة “الإحساس باللامحدودية”، فتناول كوساما سلّماً، وفيرتيكال سبمارين (نقيض حجرة)، وهوتسو نيين (غيوم لامعرفة) وكلٌّ بطريقته، وذلك للتعبير عن مفهوم "السامي"، محقّقة تلك الأعمال بذلك غرض المعرض، وإذا لم تلتحم الأعمال الأخرى تماماً مع تلك الفكرة، إلا أنها قدّمت مقاربات قيمة حول القضايا الاجتماعية التي تصاحب البيئات الحضرية عالية الكثافة.