مؤخراً اختبرتُ الحالة التي تعرف باسم “ديجا فو”، ذلك حين كنت جالسة في تاكسي توقفت أمام إشارة ضوئية حمراء، حيث لاحظت أن أشعة الشمس تنعكس على الرصيف بطريقة معينة، فأعادتني تلك اللحظة إلى ذكريات من التفاؤل المخملي، غير أنني لم أستطع تحديدها بدقة.
هل كنت أتذكر ذهابي إلى بيت جدّي وجدّتي وأنا أحمل أزهاراً وبرتقالاً للاحتفال بالسنة القمرية الجديدة؟، أو الاستماع إلى ألبوم بيتر، بول، وماري الذي اعتدت غناءه حين كنت طفلة؟، أو ربما واحدة من جولات عصر الأحد العبثية مع صديق، وبلا أي وجهة محددة، مكتفين بالهَيَمان على وجوهنا واكتشاف أشياء جديدة لم تكن ملحوظة لنا قبل أن ننبطح على صخرة ما في الحديقة ونرقب انقضاء اليوم؟.
بدا الضوء الأصفر الدافئ الذي شاهدته من التاكسي وكأنه يبشر بقدوم الربيع، لكننا ونحن في نهاية كانون الثاني/ يناير، ما نزال على بعد شهرين من آذار/ مارس، ولحظة الاعتدال الفلكي (التي يجب أن تكون في مكان تتغير فيه الفصول حتى تستشعر روعتها).
كانت تلك لحظة بروستية مادلينية لاذعة، لكنني – وخلافاً للروائي الفرنسي ـ لم أستطيع تحديد تلك الذكرى التي يبعثها الضوء فيّ، وكان من قبيل الصدفة تماماً أن عدد مجلتنا هذا يسبر أعمال فنانين يسعون إلى التقاط تلك اللحظات اليومية العابرة.
في تحقيق الغلاف يجري المحرر الإداري جون جيرفس مقابلة مع الفنان الهونغ كونغي لي كيت المعروف بإنتاجه مفارش ملونة للموائد، واستنساخه ورقاً مقوى لبضائع ذات علامات تجارية شهيرة، وصوراً طبق الأصل وبالحجم الطبيعي لشقق مجهولة في هونغ كونغ، ليكتشف في اليوم التالي أنه نسي جهاز التسجيل الصوتي في بار، ويعترف جيرفس أن التسجيل ليس ذا أهمية قصوى، لكن تسلسل الأحداث هذا بدا مناسباً تماماً عند الحديث عن كيت، فيقول باختصار: (يسعى كيت إلى القبض على مشاعر وذكريات غير مفهومة، وذلك من خلال سبر فضاءات مألوفة لكنها غامضة، وكذلك الأنواع والتجارية والأغاني والعلامات التجارية التي تشكّل خلفيات لا حصر لها في حياتنا).
من سيدني نستضيف مساهمة مايكل فيتزغيرالد الذي يغوص في أعمال الفنانة متعدّدة القوميات سيمرين غيل التي ولدت في سنغافورة من أصول هندية، وقد ترعرعت سيمرين في ماليزيا قبل أن تنتقل للعيش في سيدني، وغالباً ما تفحص الفنانة في أعمالها التي تمتدّ لأكثر من عقدين “تجربة التوسّطية”، ففي مشروعها (أيار 2006) كانت تخرج من بيتها كل يوم ولمدة شهر من دون هدف محدّد سوى تصوير لفافة كاملة من فيلم أبيض وأسود، وفيما هي منغمسة في روتينها اليومي هذا؛ التقطت صوراً لأشياء كثيرة، من بينها مركز تسوّق محلي، وبيتاً مشيّداً وفق الأسلوب الإسباني ومليء بأشجار البلوميريا، واختراق أشعة الشمس جسر سكك حديدية.
بعض أعمالها الأخرى وُصفَت وفق البعض بأنها بسيطة كحد أدنى، مثل سلسلتها التصويرية لغرف مهجورة في بيوت قديمة في قرية بورت ديكسون بماليزيا حيث قضت طفولتها، أو أعمالها النصية التي حذفت فيها المسافات من بين الحروف في مخطوطتها المطبوعة، تاركة الأوراق تبدو وكأنها رمادية مثل بندقية معدنية، لكن – وكما يشير فيتزغيرالد – فإن أعمالها: (منغمسة في إحساسها الخاص بالزمان والمكان)، على الرغم من أن ذلك لا يستبعد وصفها بالبساطة.
من بيروت يناقش قيّم المعارض المستقل نات مولر كيفية تذكر العنف والتاريخ ونسيانهما في الأعمال الوثائقية والتخيلية للفنانين اللبنانيين جوانا حاجي توما وخليل جريج، فقد أجّج النادي اللبناني للصواريخ – أحدث مشروعات الثنائي – الحنين نحو حلم ضائع، من خلال كشفه الغطاء عن لحظة تاريخية مهملة تعود إلى الستينيات، حين دخل لبنان سباق الفضاء العالمي عن طريق تطويره أول برنامج صواريخ.
وفي نهاية تحقيقاتنا نستمع إلى المحرر المراسل هـ.ج. ماسترز، بعد خضوعه لدورة إنعاش المعلومات في التجريد الحداثي خلال العرض المسحي (اختراع التجريد: 1925-1910) الذي استضافه متحف الفن الحديث موما في نيويورك، ليستكشف تجريدات جديدة وأقل شهرة أنتجها 6 فنانين معاصرين.
بايرون كيم وإتيل عدنان يسيران على الخط الفاصل بين الواقعية واللا تمثيل، فيما توظّف لوحات فهد بُركي ورأفت إسحق المبهم المألوف في الوقت ذاته، ويسبر كل من مسعود كماندي وبالدن وينرب الأشكال العديدة للفن التجريدي التي سهّلتها التكنولوجيا الرقمية.
في باب لمحة نجري مقابلة مع قيّمة المعارض ومؤرخة الفنون الفلسطينية – الأمريكية سلوى مقدادي التي تستذكر 40 عاماً قضتها في لقاء الفنانين وتنظيم المعارض الفنية من إقليم غرب آسيا، فيما تسافر محررة المراجعات هاناي كو إلى أولان باتور لتلتقي بالفنان شادرأبال أديابازار مدير صالة عرض الفن الوطني المنغولي الحديث الذي يشاركنا آماله في المشهد الفني الوليد في البلاد، ورغبته ببناء متحف وطني جديد للفن المنغولي، أما مارلين ساهاكيان محررة مكتبنا في مانيلا فتصحبنا في نظرة تفصيلية لأعمال كاوايان دي غويا، وجهوده في سبيل إعادة إحياء المجتمع الفني في مدينته باغيو في الفلبين.
ليو دينغ يخبرنا في قسم المقالات قصة صديقه وانغ لويان الذي ينتمي إلى جماعة القياسات الجديدة، وهي طاقم مكون من 3 أفراد يستكشفون طرائق عدة لنقل التجربة عبر الكميات والوحدات، كما ينقل لنا ذكريات وانغ حول ذهابه إلى جدار الديموقراطية المؤقت في بكين عام 1978، حيث رأى لوحة كبيرة رسمت عليها شجرة حور، وعلى الرغم من أن دينغ المولود عام 1976 لم يرَ مطلقاً اللوحة التي يصفها لويان؛ إلا أنها اتخذت أبعاداً أسطورية في ذهنه.
وفي سياق التواريخ القريبة ذاتها تدرس ريبيكا كلوز محررة مكتبنا في مدريد ظاهرة ميتا- قصص التاريخية، وهي التي تمتلئ بها معارض المتاحف والعروض التي يقيمها الثنائي الإيراني نسرين طباطباي وبابك أفراسيابي، في حين ترفع المحررة المشاركة شين- شين ياب الستارة عن علاقة الحب المشحونة الطويلة التي جمعت شركة كامبل للحساء وملك البوب آندي وارهول في سياق موضوع حقوق الملكية الفكرية، فيما يكمل المحامي النيويوركي إنريكي ليبيرمان الموضوع حين يقتادنا في باب على هامش الأخبار على العملية الوعرة حقاً لشراء عمل فني جديد .
في محور العدد تنظر قيّمة المعارض المستقلة البرلينية شينيا واتانبي في سوق الفن، وذلك من خلال المنظور البوذي للحياة بعد حرية الإرادة، وفي باب استبيان يشرح الفنان الهندي المنعزل العظيم ل.ن تالور كيف أنه لو لم يكن يعمل فناناً في سيؤول؛ لاختار العيش منجّماً في إقليم جبال الهملايا الضبابي، أما في باب واحد لواحد فيكشف لنا السنغافوري سونغ- مينغ أنغ عن هوسه بالأداءات الدنيوية التي يلتقطها كل من ياماشيتا وكوباياشي بالفيديو، وما لهما من قدرة على الحلم بالمستحيل.