تُعرف الفنانة هوما بهابا الباكستانية المولد بمنحوتاتها التشخيصية الطوطمية التي تصنعها من مواد موجودة مسبقاً ومهملة، وقد كان الطابق الثالث من متحف موما ب.س.1 مسرحاً لأول معرض فردي لها تشهده نيويورك بعنوان (تواريخ غير طبيعية)، حيث قدّمت الفنانة 30 من أحدث منحوتاتها، إلى جانب درزناً من رسومات الكولاج، وتحيل أعمال بهابا إلى تقاليد الفنون التشخيصية الكلاسيكية من المنحوتات الإفريقية واليونانية، فضلاً عن تأويلات لتلك الأشكال الفنية التي طرحها أساتذة معاصرون مثل بيكاسو وغياكوميتي، وتجيء منحوتاتها بشكل خليط تشخيصي يمزج بين أعضاء متحللة ومفككة لما يشبه الجسد وأشياء مهملة متنوعة.
في الساحة المفضية إلى المبنى الرئيس لمتحف موما ب.س.1 كان بانتظار الجمهور تمثالان برونزيان طولهما 8 أقدام أطلق عليهما (إله بعض الأشياء)/2012، و(شبح الجنس البشري)/2011؛ فيشبه الأول منحوتة خشبية منقوشة بشكل أنثى عارية في عمر الزواج تصوّر على ما يبدو آلهة خصب غامضة ثقافياً، فيما يبدو الثاني مثل إنسان آلي غرائبي قد تشعر من الوهلة الأولى أنه بني من قطع مرصوصة من البوليسترين التي رتّبت عمودياً، وغطّيت أولاها بقناع متفتت طيني وكأنه وجه، وقد ظهر التمثالان معا وكأنهما قطعتان أثريتان، قطعة من الماضي السحيق والأخرى من المستقبل البائس Dystopian، معاً تقومان بحماية المدخل الأمامي للمتحف وكأنه مقام أو ضريح.
ما إن يخطو الجمهور إلى داخل قاعة العرض حتى يشاهدوا (تواريخ غير طبيعية)/2012؛ وهو صرح من البوليسترين المتشابك والشبكات السلكية والطين، أي خيوط متنافرة من الطين البني المتشبّثة بكومة عمودية من الفوضى، وكأن الصرح لبلابٌ يتسلق شجرة، وله جزء خلفي مسنود بصورة مقصوصة لرجل بالحجم الحقيقي يستخدم البوق، فيما غُطيت المساحة المفضية إلى العمل بأوساخ من الطين والشبكات السلكية وجزء علوي من إطار، وقد وُضع على القاعدة المنحوتة المصنوعة من البوليسترين قلمٌ يرسم وجه رجل لا تُعرف هويته ولا علاقته بالمنحوتة، ويبدو هذا الطوطم المتشظي الأخّاذ، أو المَقام المصنوع من الأشياء الموجودة مَعْلماً للحياة الإنسانية، أو لحضارة منصرمة في مشهدية كأنها مابعد نهاية العالم.
إحدى أكثر الأشياء روعة في المعرض كان قطعة من البلاستيك والطين غير معنونة تعود إلى عام 2005، وخلافاً لأغلبية الأعمال المعروضة التي كانت منحوتات متنوعة بصرياً مصنوعة غالباً من البوليسترين، فإن هذه القطعة بدت مقلّة تماماً، بتألفها من كتلة مغطاة بكيس نفايات أسود تنبثق من إحدى نهاياته ذراعان طينيان، وتذكّرنا القطعة بمشهد امرأة تلبس البرقع وهي تسجد على الأرض، لكن المادة التي تشبه كيس النفايات والإيحاء التي تبعثه القطعة للشكل الإنساني يشي كذلك بفكرة الجسد المشوّه الملقى بعيداً، في تداعٍ مرضي للمعاني تثيره صور وسائل الإعلام، وإن هذه المنحوتة آسرة في غموضها، بما تمثله من تمجيد وازدراء في الوقت ذاته للحياة البشرية.
على الجدران المحيطة بمنحوتات بهابا؛ عُلّقت رسوماتها من الكولاج، والتي تقدّم الخطوط العريضة لرأس هيكل عظمي، وقد وضعت فوق بعضها صور مناظر طبيعية مقفرة، تلك الرسومات – وبعضها كبير الحجم – تستخدم شرائط من ألوان نابضة لا تظهر بوضوح في أعمال بهابا النحتية، وتظهر إحدى الرسومات غير معنونة، صنعت عام 2012 باستخدام الحبر ومعجون الباستيل وألوان الإكليريك، وهي تقدّم خطوطاً عريضة زرقاء سميكة لجمجمة على خلفية موحلة، وفي الزاوية العلوية اليمنى من اللوحة يتداخل شكل قلب وردي فاقع مع تجاويف عيون الجمجمة؛ في لمسة تضيف خفة مفاجئة على شكل مخيف ورهيب، وكثير من تلك الرسومات تذكّر بتصاوير الهياكل العظمية التي يزخر بها عيد “يوم الموتى” المكسيكي الذي يحتفل بذكرى الأصدقاء وأفراد الأسرة الذين فارقوا الحياة، وقد كانت التصاوير على ما يبدو نظيراً أقل تشاؤماً لمنحوتات مابعد نهاية العالم تلك التي تملأ المعرض.
تقوم أعمال هوما بهابا بالإحالة إلى أشكال فنية وثقافية تقليدية متعدّدة والاستفادة منها، فيما تصوّر في الوقت ذاته مصيراً محتملاً ومتزعزعاً للحضارات المستقبلية.
ثمة عناصر خام غير مصقولة تتخلّل الطوطميات البدائية – الجديدة والمنحوتات ورسومات الكولاج التي يقدّمها المعرض، وثمة صورة لمستقبل خَرِب ودخيل، لكنه أيضاً غامض ومثير للفضول.