P
R
E
V
N
E
X
T

Lee Bul in her studio. Photo by HG Masters for ArtAsiaPacific.

لي بول

Korea, South
Also available in:  Chinese  English

هناك في هضاب جنوب سيؤول، تتطلب قيادة السيارة صعوداً إلى حيث استديو وبيت لي بول اجتياز سلسلة منعطفات حادّة خطرة عبر شوارع ضيقة تحفّها جدران مغطاة بكروم العنب وبوّابات باهرة، وفي آخر زقاق ضيق حدّ الاستحالة تقبع بوّابة معدنية تنفتح على مجمّع سكني عاشت فيه الفنانة وزوجها ما يزيد عن عقد من الزمان، وما إن تخطو داخل البيت حتى تفاجئك مشهدية بانورامية تأخذك رجوعاً باتجاه المدينة.

في ذلك المساء الأيلولي حلّقت سحب رمادية قريباً من الهضاب، وامتلأ المكان ضباباً رقيقاً، فبدا وكأن بنايات سيؤول تطفو في السماء، وخلال أقل من ساعة كان بإمكاننا رؤية أضواء المدينة بوضوح.

ثمة بنايات 3 في مجمّع بول، وقد برز بيتهما كتصميمٍ حديثٍ لألواح خرسانة ناتئة ثقيلة، لكنها جذابة بشراستها، يوضح جيمس زوج الفنانة أن البيت كان قد بني منذ عقود على يد أحد رواد رعاية الفنون قبل أن يقرّر ألا يقيم فيه، وإلى جانب البيت ثمة بناء ضيق رمادي مزدوج الارتفاع، سقفه مموّج وأرضه خرسانية، ما هو إلا استديو الإبداع الرئيس حيث تعمل الفنانة ومساعدوها الـ6 دوام عمل كامل على مدى 5 أيام في الأسبوع، أما في الخلف فتوجد مساحة صغيرة محاذية كانت سابقاً استديو بول الأصلي، ومنه تتفرّع سلسلة درجات صخرية تؤدي إلى بناء ثالث فوق البيت يستخدم كمخزن لمواد ونماذج قديمة.

ذلك اليوم ظهر الاستديو الرئيس شبه خالٍ، إذ كان أكثر موظفي بول قد غادروا إلى بيوتهم، ومعظم محتويات الاستديو تمت إعادتها إلى مركز أرتسونجي في مقاطعة جونغنو، حيث كانت الفنانة تعرض مرة أخرى بعد 14 عاماً من أول معارضها الفردية هناك.

الفنانة اتخذت من طابق كامل مسرحاً لعرضها، محولة إياه إلى محاكاة درامية للاستديو الخاص بها، مع منصات مائلة زاويّة مكوَّنة من رقائق الخشب التي شكّلت تضاريس جبلية يمكن من خلالها إنعام النظر في مجسّمات من منحوتات بول المعمارية التي ترتكز على قمة قاعدة حجرية مرآوية، فيما الجدران مغطاة بمئات الرسومات المؤطّرة المنتقاة من جميع مراحل إبداعها، من السايبورغ cyborgs والوحوش، وحتى مشهديات حضرية تخيلية ومستقبلية، فيما تتدلى في الهواء نماذج أصلية من الألياف الزجاجية.

لكن الاستديو لم يكن خالياً تماماً من أعمال بول، فاثنتان من منحوتاتها المتلألئة (شتيرنباو) قد علّقتا من أطر معدّة خصيصاً كي تسمح لموظفي الاستديو بربط سلاسل معدنية وخيوط مزركشة بالآلاف من الشظايا العاكسة والخرزات الكريستالية على دعامة المنحوتة الدائرية المركزية، والعمل دقيق حدّ الإرهاق، إذ يستغرق بناء كل منحوتة 3 أشهر.

مساعدو بول يتعلّمون ما تسمّيه هي “قواعدها” من خلال العمل أولاً، ثم مراقبتها ثانياً وهي تصحّح عملهم، وسيتم إرسال منحوتات (شتيرنباو) الجديدة إلى هونغ كونغ، حيث من المقرّر عرضها في صالة ليمان موبين في آذار/ مارس، وأعلى الاستديو عُلّقت في العوارض الخشبية أعمال معادة لعدّة أزياء بصلية وحشية المظهر تعود إلى أداءات بول العامة التي تعود إلى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، والتي كانت قد أنتجت لتعرض في احتفالية منتصف مسيرتها الفنية التي استضافها متحف موري للفنون في طوكيو أوائل عام 2012.

المكانان حيث تعيش وتعمل الفنانة يتناغمان مع كثير من الأفكار الرئيسة الطوباوية التي تشِيْع في أعمالها، بدءاً من البناء الحداثي المتقشف وحتى الطريق الملتوي الذي يقود إلى بيتها في الهضاب، وكذلك مشاهد أبنية المدينة والجبال المرئية من بعيد، غير أن المضمون الكئيب لتلك الأعمال يشير إلى مصدر إلهام داخلي أكثر، لذلك لم يكن غريباً معرفتنا أن بول تفكّر في أعمالها أولاً في غرفة صغيرة مليئة بالكتب في الطابق الأرضي من البيت، حيث يمكنها أن تخلو بذاتها حين ترغب في شيء من الوحدة، وحيث تنجز الرسومات التي ستصبح تالياً أسس تصاويرها.

ومع أنّ الفنانة تقرّ بأنّ أياماً كثيرة تمضي عليها من دون أن تغادر بيتها إلى المدينة، فإنّ صخب الحياة وموظفيها يملآن وجودها، وبينما هممنا بالانصراف أوقفتنا بول لتشير إلى زهرة وردية وحيدة أزهرت في غير موسمها، متسائلة عن السبب الذي دعا تلك المخلوقة الصغيرة لتتصرف بالشكل غير الطبيعي هذا.