يمكننا إيجاد إشارات إلى (متحف الفن العربي المعاصر) في عدة كتب وكاتالوغات وبحوث منشورة في التسعينيات، في حين أن الواقع يقول إنه لم تكن هناك مؤسسة، ولا موقع قائم مشرعة أبوابه أمام الجمهور.
في عام 2004 قدم الشيخ حسن مقتنياته لمؤسسة قطر التي حولت المقتنيات إلى المتحف القطري عام 2009، ليظهر (مَتْحَفْ) إلى النور عام 2010، وبينما تعدّ تلك المقتنيات الأهم من نوعها في الفن العربي المعاصر والحديث عالمياً، فإن قصة نشوء (مَتْحَفْ) لا تختلف كثيراً عن تلك المرتبطة بمؤسسات قطر الثقافية الأخرى في العقد الأخير.
تشير التقديرات إلى أنه في غضون 7 أعوام فقط أنفقت العائلة القطرية الحاكمة مليار دولار لزيادة مقتيات الإمارة من الأعمال الفنية العالمية، كما ضخّت 25 مليار دولار في المشهد الثقافي والفني، لكن المؤسف أن إنشاء بنية تحتية إنما هي عملية تشاركية تعتمد على قوة المشهد الفني المحلي والجمهور المتلقّي في سياق تجربة ثقافية أكثر اتساعاً، وبعيداً عن المكانة التي اكتسبتها الدوحة حديثاً باعتبارها عاصمة المتاحف في الخليج، فالملاحظ هذه الأيام أن المشاركة القطرية في المحافل الفنية الإقليمية والدولية لا تكاد تذكر.
تاريخياً لم تعرف قطر بمشهد فني كبير، إذ لم يلمع فيها سوى بضعة فنانين اتجهوا كلهم إلى دول خليجية مجاورة لتأسيس مسيرتهم الفنية، وإن إقامة معارض كبرى ومتنوعة في (مَتْحَفْ) – مثل (هدايا إلى السلطان: فنون الإهداء في البلاط الإسلامي)، وعرض كاي غيو- كيانغ الفردي (سراب) – كانت قد سعت إلى إشراك الجمهور المحلي، وتقديم البلاد كوجهة عالمية للفنون، لكن سلسلة معارض لاحقة افتتحت فيه أواخر عام 2012 – مثل (شاي مع نفرتيتي) الذي ضم أعمالاً فنية معاصرة متنوعة تعكس الأفكار العالمية عن مصر من خلال استعراض صورها القديمة والشعبية، و(إلى الأبد الآن) الذي ضم مختارات من مجموعة مقتنيات (مَتْحَفْ) الدائمة؛ نالت تعليقات متفاوتة، إلى جانب ردود أفعال مقتضبة ذات علاقة باستخدام العلاقات العامة لتكتيكات صارمة للغاية في العروض الخاصة بالافتتاحية، حيث تم التركيز بشدة في (إلى الأبد الآن) على آراء الشيخ حسن الخاصة في الفن، وهو ما يشير إلى أن (مَتْحَفْ) لم يتحوّل بعد من مقتنيات العائلة الحاكمة إلى مؤسسة عامة.
إذا كانت الإمارة تسعى إلى الانتقال من الأسلوب الثقافي الاحتفالي الرسمي – وهو ما يشتكي منه أغلبية الكتاب والفنانين القطريين باعتباره لا يزال القاعدة الأساس منذ استقلال البلاد قبل 4 عقود – إلى مركز فني عالمي؛ فعليها البحث عن ثقافة تستطيع استدامة تجارب الفنون البصرية بعيداً عن الرعاية الرسمية، وبرأي بعض المراقبين فإن سياسة قطر القائمة على التنمية الشاملة من خلال إسترتيجية (ابنوا وسوف يجيئون) أغفلت إقامة الأماكن الفنية المستقلة، إلى جانب الاقتصاد والخدمات اللوجستية اللازمة للحفاظ عليها.
كان مركز سوق واقف للفنون الذي افتتح عام 2008 من أوائل المساعي المحلية لخلق البيئة التي يُعتبر المجتمع في أمس الحاجة إليها، وقد ضم صالات عرض تجارية مثل فرع صالة عرض الخط الثالث/دبي، وصالة العرض المحلية المرخيّة، ولأن المركز لم يستطع النجاة من الأزمة الاقتصادية العالمية، فقد وضعت الحكومة يدها عليه، وحين أعيد افتتاحه عام 2010 كانت صالة الخط الثالث قد أغلقت أبوابها، ويشير مصدر مطلع إلى شح مقتني الفنون القطريين، وغياب المرافق الفنية الأساسية مثل المبروزين المحليين، وعُمّال وشركات الشحن المتخصصة بالفن.
مؤخراً افتُتحت قرية كتّارا الثقافية تحت رعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وهي منطقة فنية جديدة تحتضن مهرجان ترابيكا – الدوحة السينمائي، والجمعية القطرية للفنون التشكيلية، والفضاء المستقل مركز كتّارا للفنون الذي أنشأته قيّمة المعارض ميساء فتّوح.
قد تكون تلك القرية الدفعة التي كان ينتظرها المشهد الفني في الدوحة، فأقيمت فيها عدة فعاليات بارزة، ومنها عرض مؤسسة برجيل للفنون من الشارقة، ومن المنتظر أن يشكل مركز كتّارا للفنون إضافة حقيقية، سيما وأن فتّوح معروفة بمقارباتها المبدعة في العمل ضمن بيئات متعددة، بدءاً من العروض في بيروت، وحتى إقامة صالة عرض تجارية في المنامة.
غير أن الجدل الذي أثير أخيراً حول قضية الشاعر محمد العجمي الذي سُجن بدعوى إهانة الأمير في قصيدته ثورة الياسمين، فقد سبّب نقاشاً في العالم العربي ربما يقود إلى مقاطعة ثقافية من الفنانين والمثقفين العرب، وكي تتمكن قطر من تحقيق مشروعها الثقافي تماماً؛ عليها التخفيف قليلاً من قبضتها السلطوية، وذلك من خلال وضع الأساس لمشروعات ولأصوات مستقلة غير حكومية.