انعقدت كثير من الآمال على الدورة الحالية التي هدفت للترويج للشارقة باعتبارها مكاناً للفكر النقدي والتقدّمي، إلى جانب مواصلتها ترسيخ ذاتها في المجتمع المحلي التقليدي، ومن هذا المنطلق اختارت الشيخة حور القاسمي وقيّم البينالي يوكو هاسيغاوا الشعار الطموح والمحافظ في الوقت ذاته (نهوض: نحو خارطة ثقافية جديدة).
تمت مقاربة هذا الشعار عبر مفهوم الفناء في العمارة الإسلامية، والذي يحيل إلى معانٍ تاريخية وبيئية ودينية واجتماعية معقدة، خلافاً لما يبدو عليه من بساطة، وقد اعتمدت أبرز الأعمال الفنية المعروضة في البينالي على استخدامٍ مواربٍ لأشكال شعرية مرهفة، إلى جانب عناوين فرعية عميقة، فالفنان التركي المفاهيمي سيفديت إيريك بعث في عمله (زخرفة فناء بسبر 4 نقاط وظل)/2013؛ إيقاعات متناغمة متقطعة، فنُصبت 4 مكبرات صوت على جدران الفناء الداخلية في بيت تراثي قديم تملكه مؤسسة الشارقة للفنون، فبدا المشهد وسط الساحة وكأن تلك الأصوات الصاخبة المشكّلة أو النقاط تجمّعت معاً لإنتاج إيقاعات رقص قبلية الطابع، في حين قدم الفنان الألماني ثيلو فرانك إنشاءة لا تقل إدهاشاً ومرحاً عنوانها (صخرة لا نهائية)/2013؛ وهو عبارة عن كهف هندسي أسود دخله الجمهور فُرادى، وجلسوا على أرجوحة، ونظروا حولهم كي يروا انعكاسات لا نهائية لذواتهم وللغرفة في المرايا التي صُفّت على جميع الأسطح الداخلية.
وقريباً من المنطقة التراثية في شارع البنوك؛ واصل البينالي فعالياته في بناء مصرف الشارقة الإسلامي الذي يعود إلى السبعينيات وسيتم هدمه قريباً، الأمر الذي قرّب الفن إلى مرأى الجمهور المحلي، وكانت ثمة عروض لإنشاءات فيديو بديعة، لا سيما تلك التي قدّمتها العراقية جنان العاني مثل (مواقع الظلال I)/2010؛ (الحفارات)/2010؛ (أعمال أرضية)/2010؛ وسبرت جميعها قراءات بديلة للمكان والذاكرة، كما أضفت على المصرف حكاية وسرداً جديدين.
شهد المهرجان تركيزاً مقصوداً على الصوت والفيديو، وهو ما وصفته الشيخة حور القاسمي بأنه (مباشر يحمل رسالة لحظية)، وأنه (يجعل الأعمال أكثر قرباً من الجمهور)، وبالمثل فإن عرض (من الخليج إلى الخليج إلى الخليج)/ 2009 – 2013؛ للتعاونية الفنية كامب القادمة من مومباي، جذب بوضوح اهتمام الجاليات الباكستانية والهندية والإيرانية، والعمل عبارة عن فيديو يستكشف الحياة في المناطق التجارية الهامة تاريخياً قرب خور الشارقة، ومن المشروعات الأخرى التي انخرطت فيها الجاليات الناطقة بالأوردو؛ الأداء الموسيقي (أقوال مأثورة 10:120)/2013؛ الذي كان من الممكن سماع صداه في ممرات الأبنية الجديدة لمؤسسة الشارقة للفنون، وفي ذلك المشروع اختار فريق الإنتاج والتقنيون في البينالي نصوصاً فنية عُرضت في دورة البينالي السابقة، قبل أن تُترجم وتُغنى وفق أسلوب القوّالين الصوفي التقليدي، ومن الناحية المفاهيمية فقد أعاد ذلك المشروع نوعاً من الفاعليّة إلى الأبطال المنسيين في المجتمع، على الرغم من أنه ظهر تجاوراً نافراً في عيون أولئك العارفين باللغة والتراث.
مع بينالي الشارقة 11 كان ثمة جهد واع يهدف إلى التركيز على خليط القوميات في الشارقة، والنظر إلى العالم الثالث كمساحة يحتاج فيها الفنانون إلى مزيد من الدعم وفرص الظهور، فيما سيبقى علينا أن نرى الأثر الذي سيتركه هذا الاتجاه على مشروع هاسيغاوا الكبير الماثل في (إعادة تقييم المركزية الغربية في المعرفة)، لكن ما هو واضح الآن أن الأمكنة الجديدة في مؤسسة الشارقة للفنون ستساعد في استضافة مهرجانات سينمائية وفعاليات فنية، بالإضافة إلى عرض فنٍ معاصرٍ من المنطقة الآخذة بالاتساع، مع الحفاظ على جماليات الطابع المديني في الشارقة، وفي إجابة عن الأنواع والأعمار المتعددة لأماكن البينالي قالت الشيخة حور القاسمي: (تعود أبنية الشارقة إلى فترات مختلفة، بعضها مهجور، والآخر أعيد بناؤه، والثالث تم تجديده، وكل بناء يمتلك حقيقة مختلفة)، وفي ذات السياق فإن دورة الصيانة والبناء فوق تاريخ الشارقة تواصل حضورها في الدورات المتعاقبة من البينالي، وذلك باعتبارها مكاناً للنمو الثقافي والمفاهيمي.