في سن الـ15 من عمره، وأثناء القصف المتواصل لقوات الحلفاء، كان المصور الفوتوغرافي الياباني الذي وصف عينيه يوماً بأنهما (جشعتان جداً)؛ راقداً في فراشه يستمع إلى هدير قاذفات بي 29 فوقه، وهو يميل مرآته ليلتقط انعكاس خيال الطائرات فوقه، مبدياً إعجابه بمهرجان الضوء. وبانتهاء الحرب شعر شوماي توماتسو بمزيج من المقت والانجذاب تجاه الأمريكان، وهو مزيج سيلازمه معظم حياته المهنية التي قضاها في توثيق جوانب الحياة في الحانات الفقيرة، ومكاتب الرهونات، وأكشاك بيع الهدايا التذكارية التي انتشرت حول قواعدهم العسكرية، بما في ذلك بلدة ناجويا مسقط رأسه. وعلى الرغم من أن الناجين من القنبلة الذرية يبدون الآن موضوعاً طبيعياً لتوماتسو كمصور فوتوغرافي شاب يعمل بتكليف من المجلس الياباني لمكافحة القنابل الذرية والهيدروجينية في عام 1961؛ إلا أنه لا يعرف الكثير عن موضوع إلقاء القنبلة الذرية على ناغازاكي في 9 أغسطس 1945، وذلك عائد جزئياً إلى تواطؤ المحتلين وضحايا الاحتلال معاً على إخفاء مصير أولئك الذين نجوا من الانفجار عن الرأي العام. ألقى الأمريكان باللوم على الصور الفوتوغرافية الخاصة بهيروشيما وناغازاكي حتى عام 1952، وتلقى الذين بقوا على قيد الحياه القليل من المساعدة الحكومية لأعوام طويلة، فيما قامت العائلات بعزلهم حيث أنهم يعتبرون أن ما أصابهم من حروق وأمراض مزمنة إنما هو أمر مشين. وكان تجنب الحديث عن الذين نجوا من القنبلة الذرية بالنسبة لليابانيين جزءاً من الجهود المبذولة للتخلص من ذكريات مأساة استمرت 15 عاماً من الحرب، وانتهت بفاجعة مؤلمة. يتذكر توماتسو كيف لاحظ في طفولته ذلك الانتقال السريع لدى الكبار من “شيطنة” الأمريكان إلى الحديث عن التعاون بين الأمم، وأن ذلك كان صادماً أكثر من استسلام اليابان. وقد وجد أن الأطلال التي خلفتها القنبلة الذرية في مدينة ناغازاكي التي اختفى معظمها خلف المباني الحديثةللمدينة؛ قد استمرت في وجدان الناجين الذين بقيت ندوبهم ظاهرة لكل من يهتم بالنظر إليها. في صورته الشهيرة التي التقطها عن قرب لتسويو كاتوكا عام 1961؛ يضطر الناظر أن يتواجه مع الندوب التي تغطي وجهها. كانت في سن الـ24 عندما سقطت القنبلة على المدينة، وعلى الرغم من أن الحيرة تملأ وجه كاتوكا، إلا أن تعابيرها يشوبها الخوف وعدم الثقة، ومن غير الواضح إذا كانت تلك المشاعر موجهه للجمهور الياباني أو للأمريكان أو للمصور، حيث تتوجه نظرتها الثابتة إلى كل من يشاهد الصورة. كان توماتسو يعود في شهر أغسطس من كل عام إلى مدينة ناغازاكي لتصوير الناجين، إلى أن انتقل نهاية المطاف إلى المدينة عام 1998. اعتاد توماتسو على إرسال نسخة إلى من يقوم بتصويرهم، فهذا قد يؤدي إلى لقاء أو محادثة أخرى، مما يعمق ويرسخ التواصل بين المصور ومن يتم تصويره، بخلاف المصور الفوتوغرافي الواقعي كين دومون الذي التقط صوراً فظيعة ومريعة للناجين من القنبلة الذرية وهم يخضعون لعمليات جراحية في هيروشيما، والذي تشارك معه توماتسو في نشر وثيقة هيروشيما وناغازاكي عام 1961 الهامة، حيث يميل توماتسو بشكل أكبر إلى المشاهد الإيحائية الهادئة، وتجسيد كيف يستمر الناجون في طلب حياه كريمة على الرغم مما فقدوه، فتكتسب أعماله قوتها من خلال فهمه الضمني، وبأن كل عملية التقاط لصورة إنما هي تدّخل سافر في أعماق تجربة خصوصية عازلة لأصحابها. يبدو أن الكثير من صور توماتسو الفوتوغرافية للناجين تم التقاطها في منازل الضحايا، مما يعطي المشاهد انطباعاً بأنه قد دخل لحظاتٍ وأماكنَ حميمية. إحدى تلك الصور كانت لعجوز ينحني قرب السرير وكأنه يرتدي حذائه، أو يلتقط شيئاً عن الأرض، بينما تتضح على ظهره المكشوف ندوب بارزة. وفي إحدى الصور الأخرى بالأبيض والأسود، امرأة تتكئ على حافة باب انزلاقي فُتح بما يكفي لإظهار مشهد جانبي لجسدها، حيث تبدو الندوب والألوان المختلفة لجلد ذراعيها تحاكي الورق المتمزق على الباب الانزلاقي. وفي سعيه لتصوير كيفية تأثير على الجيل الثاني؛ التقط توماتسو صورة لفتاه صغيرة في أيكة تتخللها أشعة الشمس، وهي ترفع زراعها لقطف الفاكهة، وهو مشهد ريفي رقيق وجميل، باستثناء تفصيل صغير واحد: فعينها اليسرى المغطاة بالظلال؛ مُطفأة. ومع ذلك فإن الصور ترفض شفقة المشاهد، وتستبعد أي ميل تبسيطي ينظر إلى تجارب الناجين باعتبارها تجارب يمكن شرحها ببساطة، وبالتالي نسيانها. إن صور توماتسو للناجين تبقى مركّزة على إنسانيتهم الفردية، من دون تحويلهم إلى رموز للضحية أو للمعاناة، وذلك شرف لم يمنحه أبداً للجنود الأمريكيين الذين سيبقون للأبد رموزاً للعدوان في صوره. عندما رحل شوماي توماتسو عن عالمنا في ناها بأوكيناوا في 14 ديسمبر 2012 عن عمر يناهز 82 عاماً؛ فقدت اليابان أحد أعظم مؤرخيها التصويريين وأكثرهم حساسية، ففي آخر حياته كان المصور العجوز قد طوّر علاقة عمر طويلة مع بعض الشخصيات التي صورها. يقول توماتسو عن الناجين (إننا نستنشق الهواء ذاته إذا صح التعبير. إنني لست من الناجين من القنبلة، ولذلك لا أستطيع فهم مشاعرهم مائة في المائة. ما أستطيع فعله هو مرافقتهم في ركضهم، أي أن أركض إلى جانبهم خلال عصرنا هذا). في صورة التُقطت عام 1998 لسينجي ياماغوشي الذي بدأ توماسو بتصويره منذ عام 1962، يتكئ هذا الناجي من القنبلة مُطلاً خارج قارب أو مركب، ويمسك بحافة النافذة وكأنه طفل يحدق بعيداً في نقطة مجهولة في المدى البعيد، وإلى الجانب الأيسر من النافذة، يلتقي الماء بالسماء في ومضة ضوء تُخفي الأفق جزئياً عن النظر، وتبدو الصورة وكأنها تقول: على الرغم من أن المستقبل في حكم الغيب؛ إلا أننا هنا على الأقل على متن هذا القارب، نسافر جميعاً ومعاً.