P
R
E
V
N
E
X
T
Features_koki-tanaka_01_1000

خارج المألوف

Koki Tanaka

Features from Jul/Aug 2013
Japan
Also available in:  Chinese  English
(إن الحياة اليومية مقياس لكل شيء: إنجازات أو بالأحرى لا إنجازات العلاقات البشرية؛ استغلال الوقت، التجارب الفنية؛ الثورات السياسية).

غي دبورد ، آفاق للتغييرات الواعية في الحياة اليومية، 1961.

(إن الهدف من نقد الحياة اليومية مختلف تماماً. إنها مسألة اكتشاف ماذا يجب تغييره وتحويله في حياة الأشخاصإن النقد يعني الإمكانيات، والإمكانيات حسبما ما هو غير منجز حتى الآن).

هنري ليفيبر، تنظيف الأرض،1961.

منذ 2001 اتخذ عمل كوكي تاناكا شكل فيديوهات وتركيبات تستكشف العلاقة بين الأشياء والأفعال. ففيديوهاته تسجل حركاتٍ بسيطةً تُؤدى من خلال أشياء من الحياة اليومية: سكين يقطع الخضار، بيرة مسكوبة في كأس، فتحة مظلة، حيث – على ما يبدو – لا شيء يحصل. مع ذلك؛ ومن خلال تركيبتها المتكررة وتركيزها على التفصيل، ترغمنا فيديوهات تاناكا على الانتباه على الظواهر الدنيوية للحياة اليومية. إن الأنماط الكامنة والأشكال الهندسية تنشأ من الأفعال، كما أن الأشياء العادية تخضع لتحولات، مما يمنح إلهاماً من لحظات الحياة  اليومية.

إن ذروة هذا التحقيق في أفعال بسيطة مع الأشياء العادية تتخذ شكل تركيبة فيديو المحطات الثمانية، (كل شيء يعني كل شيء)/2006؛ فقد عرض هذا العمل في تايبيه بيينيال، واشترك فيه الفنان ومساعدان له، بحيث سجلوا تفاعلاتهم مع أغراض موجودة أصلاً، بما فيها الحمالات، الكؤوس، المحارم، الفراش، ورق الحمام، جميعها في مدينة تايبيه. فعلى مدى الأيام الثمانية تمّ اختبار الخصائص المادية لهذه الأغراض (الحمالة المعدنية تمتد حتى نقطة الانكسار)، أو استخداماتها الموسّعة (إن الطابق الذي يوضع على رجلي طاولة يصبح حاجزاً مرتجلاً). وبينما تصبح هذه الأفعال على حافة اللامعقول (رش كريم الحلاقة على قناع لحام)؛ تكون لحظات أخرى أكثر طمأنينةً وتأملاً (أنبوب أجوف متأرجح لإطلاق صفارة). لقد اختبر تاناكا ومساعدوه كل غرض عدة مرات سواء في الداخل أو الخارج، وجُمِعت إنجازاتهم في ثمان حلقات فيديو تتراوح مدتها بين 79 و110 ثانية.

إن إطار تاناكا لكل مشهد يضم غالباً المؤديين من العنق إلى الأسفل، أو يزيلهم من اللقطة جميعاً، وذلك كي يركز المشاهد على الأشياء وعلى الأفعال البسيطة المتكررة. 

(Top and this image)

EVERYTHING IS EVERYTHING, 2006, Eight‑channel DVDs, color, sound and materials in everyday use, dimension variable, installed at Taipei Biennial 2006 in Taipei Fine Arts Museum.

All images in this article are courtesy the artist, Aoyama Meguro, Tokyo, and Vitamin Creative Space, Guangzhou.

(This and image above)

EVERYTHING IS EVERYTHING (detail), 2006, video stills from eight‑channel DVDs: 1-2 mins each. 

في نصها التقليدي (مقتطفات في النحت الحديث) 1981؛ استهلت المؤرخة التاريخية والناقدة روزاليند كراوس الفصل الأخير من الكتاب باقتباس فيلم لـ ريتشارد سيرا (يد تلتقط رصاصاً)، حيث تحاول يد الفنانة التي تمّ تحريرها عن الجسد؛ التقاط قطع الرصاص المتساقطة.

تعتبر كرواس فيلم سيرا تجسيداً  للنحت التجميعي بحيث يستغل نوعاً من الأشياء المحتمل استخدامها كعنصر في بنية تكرارية. إن الطبيعة التكرارية للأفعال في (كل شيء يعني كل شيء) المدمجة مع استخدام المواد غير باهظة الثمن، ومواد الانتاج الجماعي، تسلط الضوء على التشابه بين فيديوهات تاناكا ومنطق النحت التجمعي وفن المعالجة في الستينيات. كذلك؛ فإن استعمال تاناكا المتكرر للأشياء في (كل شيء يعني كل شيء) يلمّح إلى قائمة أفعال سيرا (1967-1968)، حيث أدرج الفنان في القائمة 84 فعلاً مثل: تمايل، تجعّد، نزل، تشتت، كوسيلة لإنشاء صلة بين الأفعال، والذات، والمواد، والمكان والمعالجة.

إن عمل تاناكا الموجه نحو الشيء مستوحى من النحت التجمعي فضلاً عن ميراث كل من مونا ها، آرتي بوفيرا؛ حسبما هو مبين من خلال الاهتمام المشترك في استكشاف مادية وخصائص الأشياء اليومية عبر عمليات اللقاء والتكرار.

قد تتشارك فيديوهات تاناكا الحلقية والنحت التجمعي منهجية (شيء واحد تلو الآخر)، بيد أن الزخم الدافع لتركيزه على الحياة اليومية واختياره مواداً غير مكلفة، نابع من تجربته وحياته إبّان الركود الطويل الذي عانت منه اليابان.  

ولد تاناكا عام 1975 وهو ينتمي الى جيل فنانين نشأوا وترعرعوا في ذروة “اقتصاد الفقاعة” الذي شهدته اليابان في الثمانينيات ليصدموا بعدها بانهيار اقتصادي ضرب البلاد، تلاه ركود لا تزال آثاره ظاهرة حتى أيامنا هذه. وإن دوران الدولاب هذا، المقرون بفرص محدودة قد أثر سلباً على هذا الجيل، وأثار في ذواتهم حسّاً دفيناً بالخسارة، وصفه الناقد الفني ميدوري ماتسوي بـ (ثقافة التوقعات المنخفضة) في مقال نشر في مجلة آرت فوروم الصادرة في طوكيو عام 2005. وفي ظلّ هذا الجو المحبط؛ أخذ الفنانون موقفاً من الريبة والشك الناقد تجاه الثقافة الشعبية، وانغمسوا في تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة. وتدخل ضمن هذه الخانة أعمال فنانين مثل ريوكو أوكي، تارو إيزومي، موتوشيرو تومي؛ التي تتميّز باستخدامها المواد غير المكلفة، وسبل الإنتاج التي تعتمد على الذات.

بالنسبة إلى تاناكا، لم تؤثر حالة الركود التي شهدها اليابان على اختياره المواد فحسب، إنما أثرت أيضاً على الألوان التي انتقاها في أعماله، فالعديد من الأغراض التي يستعملها يشتريها من محلات الـ 100 ين، وهي محلات شعبية في اليابان وفي غيرها من بلدان آسيا، تبيع بضائع بأسعار بخسة، وغالباً ما تكون الأغراض البلاستيكية بألوان أساسية وألوان فاتحة من الأحمر الفاقع فالأزرق والأصفر والأخضر وحتى الزهر. كلها تذكرّنا بطبيعة هذه الأغراض التي يمكن التخلّص منها، علاوةً على عملها الفردي.
إن اختبار الخصائص المادية للأشياء، وابتكار طرق تفكير جديدة في وظائفها المقصودة قد شكّل مشروع تاناكا التالي (الاختبار المادي)/ 2007-2008؛ الذي عُرض العمل لأول مرة في غوانجو بينالي السابع عام 2008، ومجدداً في السنة التالية في معرض الصور أوياما ميغورو في طوكيو، ويتألف العمل من مئات الأغراض المنزلية الملونة الموضوعة على أسطح المناضد، أو المعلّقة على الحائط التي دمجت ببعضها بأشكال مستبعدة.

إن مشابك الورق معلقة على شبكة مثل حمّالة معدنية، الأواني البلاستيكية تتدلى من مشبك الغسيل لإنشاء متحرك، وعود مقحم في حفر سلة صغيرة، صنارة بلاستيكية معلقة وسط صحن فريسبي “الصحن الطائر”، وتستمر اللائحة، وكما يوضح تاناكا في تصريح على موقعه الإلكتروني، إن الافتراض (مجرّد مهمة).

(اختاروا فقط غرضاً أو غرضين أو ثلاثة، واجمعوها، إذا كانت هناك حفرة؛ ادفعوا شيئاً في داخلها، أو اكسروه، أو الصقوه….. إن هذا العمل هو تجاوب تلقائي للغرض الذي شكل الأغراض).

إن كلمة (يقدّم) المستخدمة هنا في شرح تاناكا تشير إلى مفهوم “التقديمات” الذي وضع نظريته العالم  النفسي جايمس ج. جبسون.

إن التقديمات هي كافة الأفعال الممكنة التي تتاح بواسطتها مادة ما، أو غرض، وذلك نظراً لخصائصه. فمثلاً؛ يمكن لكوب ماء تقديم "شرب"، ولكن يمكن تقديم "سكب"، أو “رشّ” أو "سحق"، حيث تقدّم الأغراض وتدعو إلى بعض النشاطات التي نستطيع إدراكها من خلال تصميمها المحدد. وبما أن تاناكا واضح في (الاختبار المادي) فإن الثغرة بين وظيفة مقصودة لغرض ما واستخداماته الأخرى الممكنة قد أسفرت عن حيز غني لاستكشاف الإدراك والإمكانيات البديلة. وبالنسبة للفنان؛ فإن هذه المهام البسيطة تظهر القدرة على تحويل إدراكنا عما هو مقبول كمعيار في حياتنا اليومية إلى ما يمكن يكون عليه.

في حديث عام 2006 مع الحارس أكيكو ميكي؛ لاحظ تاناكا أنها: (مجرد مسألة جعل الناس يدركون قليلاً ما هو ملحوظ في اللاوعي في الحياة اليومية). استكشف غي دبيورد ومجموعة سيتواشنست إنترناشيونال هذا التحويل المقترح للحياة اليومية إلى عالم من الإمكانية الثورية، على الرغم من أن أهداف تاناكا أقل راديكاليةً بوضوح، سواء يعود ذلك إلى البيئة اللامبالية لحزام الركود الاقتصادي في اليابان، أو مقاربة الفنان المصرحة على نحو أقل مما تقتضيه الحقيقة،  وقد اتخذ عمله مؤخراً بعداً سياسياً، بما أنه بدأ يتخذ تحركاتٍ تجريبية نحو العمل المباشر عوضاً عن البقاء فقط في عالم الافتراضية. وفي أعمال تاناكا الأخيرة اتخذ الفنان موقفاً لعدم تصوير فقط (ما هو ممكن)، لا بل لعرض أفكاره الخاصة عما (يجب أن يكون).

(This and Right image)

APPROACH TO AN OLD HOUSE(detail), 2008, old house in Seoul, chair, instant popcorn, stove, curtain, ball, bed cover, beer bottle, box, rope, food, basin, water, DVD (color, sound, 3 min 35 sec)

عام 2009 تلقى تاناكا منحةً من وكالة اليابان للشؤون الثقافية بونكاشو؛ لينتقل إلى لوس أنجلوس حيث يقيم حالياً. لقد جاءت هذه النقلة في وقت مؤاتٍ في تطور الفنان، إذ بدا أن هناك قلة صبر وكبت كامن إزاء ساحة الفن المحلية اليابانية في الأعمال التي أنجزها خلال عامي 2008 و2009، بدءاً بالفيديوهات (مقاربة منزل قديم)/ 2008؛ مروراً بـ (حركة بسيطة ونحت مؤقت)/ 2008، و(العبور – الاختبار رقم 1-2) 2009، وصولاً إلى الذروة (العبور)/ 2009.

لقد أصبحت أفعال تاناكا عدائيةً ومفاجئةً، فتضم المشاهد في (مقاربة منزل قديم) الفنان الذي تولى التركيبات في منزل مهجور في سيؤول، وهو ينزل الستائر ويقطع حبالاً تطلق العنان لسلسلة من صناديق زجاجات البيرة المعلّقة محدثةً ضجةً مصممة للآذان.

تتألف (حركة بسيطة ونحت مؤقت) من سلسلة مشابك صغيرة، مصورة بتأثير حركة إيقاف، حيث يبدو الفنان مستعجلاً بما أنه يتمم عدداً من المهام. فهي تتضمن مهاماً محليةً مثل سحب جوربين بواسطة هذه القدم، أو فكّ ورق تواليت على الأرض، كما أن مشاهد أخرى تتم في الخارج في موقف سيارات، وحقل أرز وضفة نهر، في الموقع الأخير حيث كوّم الفنان بعناية أرغفة خبز فقط كي يطيرها الهواء.

وبالمقارنة؛ يُعتبر (العبور، الاختبار رقم 1) عملاً متكاملاً، حيث يشق الفنان طريقه عبر سلسلة من العقبات (كرسي، دلو تنكي، شريط لاصق، علبة كرتون، مخروط المرور، مادة العزل الحراري) حتى يصل إلى شقته، وفيما بدت التفاعلات مع مواد مماثلة سهلةً من دون عناء في الأعمال السابقة؛ فإن استجابة تاناكا تبدو الآن قسريةً، إذ أنه يتدحرج فوق الكرسي ويتلقط مادة العزل ليضعها فوق مخروط المرور، وهنا يُستبدل مزاج تاناكا المازح الهازل المميز بنفاد صبر، بحيث يبدو الفنان مزعوجاً من التمرين، ويبلغ حسّ الاستياء والإحباط ذروته في عمل (العبور) على مدى 55 دقيقة.

A HAIRCUT BY 9 HAIRDRESSERS AT ONCE (SECOND ATTEMPT) (detail), 2010, HD video: 28 min, two drawings by hairdressers: 28 × 22 cm each.

إن هذا العمل المصوّر في لقطة واحدة متواصلة هو أداء مرتجل، حيث يتفاعل الفنان تلقائياً وعفوياً مع حيّز فارغ يعجّ بالأغراض المنزلية.

وبينما مخطط الأغراض مرتب مسبقاً، فإن تاناكا يروح ويجيء عبر الحديقة متجاوباً مع محيطه بشيء من هندسة الرقص أو التبصر. إن نغمة هذه القطعة الفنية راسخة أصلاً بحيث يركل الفنان سجادةً ويسحق قارورةً، ومن ثم، يكسر، يدوس، ويحطّم الأشياء التي في متناوله. إن درجة التململ في هذا العمل ليست من عادات تاناكا، ولعلها تجسد مأزقاً إبداعياً واجهه الفنان في طوكيو.

وكما أقرّ تاناكا عام 2011: (في طوكيو شعرت أنّي تحت ضغط هائل في التجاوب مع الساحة الفنية المحلية. لا شك أن طوكيو مدينة جميلة، لكنّي شعرتُ أنّي واقع في فخ بصفتي فناناً. هنا – في لوس أنجلوس – أشعر أنّي عصفور حر تماماً). ففي (العبور) يعيد تاناكا خطاه كـ (أسير ينتظر الفرصة المناسبة بينما يخطط لهروبه). إن الأفعال التي لطالما كانت كثيرة النزوات وكاشفةً لأمور عديدة، تبدو الآن سخيفةً فيما نشاهد تاناكا يؤدي تحقيقاً مرتكزاً على الأغراض ليصل إلى استنتاج في الوقت المناسب.

منذ أن غادر تاناكا اليابان؛ أصبح عمله تعاونياً أكثر فأكثر، بحيث حوّل  اهتمامه عن التحقيق المادي في أغراض الحياة اليومية.

عوضاً عن تأديته الأفعال بذاته؛ تركز هذه الأعمال التعاونية على توثيق المشاركين المتعددين في محاولته لإتمام مهمة محددة. وبالتالي يتنازل الفنان عن دوره كمشارك فعال ليتحول إلى متفرج غير مشارك في حدث من صنعه الخاص.

لا يبالي تاناكا بنجاح المشاركين أو فشلهم في إنجاز المهمة التي بين يديه، وعوضاً عن ذلك؛ يصب تركيزه على العملية بذاتها.

وبالحديث عن مقاربته الجديدة إثر مقابلة أجراها معه الموقع الإلكتروني Art It عام 2012، أوضح: (أضع ذاتي مكان مشاهد متفرج على أحد أنواع التجارب).

(بعد اختراع الموقف؛ ألقيت كل شيء على عاتق المشاركين، حتى القرارات حول متى يجب أخذ استراحة، أو حتى إمكانية توقيف التصوير في نصف الطريق. كنت مستعداً لقبول أيما حدث هنا).

إن هذه المواقف مفتوحة النهاية تتعارض بوضوح مع الأعمال المستقلة والمكتفية ذاتياً التي لطالما اشتهر بها تاناكا. ويبدو أن الفنان قد أتاح لذاته ولعمله فرصةً الابتعاد عن دوره الناشط في عملية الإبداع عندما انتقل إلى منزله الجديد في لوس أنجلوس بعيداً عن الإنشاءات الصلبة لمجتمع اليابان المشدد، ولم يتشكّل العمل إلا في سياق تحويل المشاهد السينمائية الأولية إلى فيديو نهائي.

إن العمل التعاوني الأول (حلاقة شعر على يد 9 مصففي شعر دفعة واحدة – المحاولة الثانية)/ 2012؛ جرى في صالون حلاقة في سان فرانسيسكو حيث حاول عدد من مصففي الشعر تصميم موديل حلاقة شعر، وقد بدأ المصممون استشاراتهم وتشاوراتهم مع العارضة التي تطلب أسلوباً (يعكس فكرة مذيع أخبار مستقبلي قد يكون إنساناً آلياً بشكل جزئي)، ثمّ منح المصممون ذواتهم  10 دقائق لتصميم المخطط، بحيث قسّموا حلاقة الشعر إلى عدة مراحل يتولى أمرها كل واحد منهم.

إن ما يسمى عادةً عملية إبداعية حدسية فردية بين المصمم والزبونة؛ سرعان ما يصبح تفاوضاً على مائدة مستديرة. وثمة قادة ضمن المجموعة يعبرون عن آرائهم، في حين أن بعضهم أكثر خجلاً وتحفظاً، وبعضهم الآخر يلزم الصمت بالكامل. ما إن تبدأ الحلاقة يتشاور المصممون مع بعضهم في الوقت المناسب، فتارةً يعملون بالتناوب، وتارةً أخرى يعمل ثلاثة أو أربعة منهم في الوقت ذاته. يسود الصالون جو من الضغط والتنافس فيما يحاول كل مصمم ترك بصمته متفوقاً على زملائه. يتقدم سير العمل مثل دراسة في علم النفس السلوكي، بحيث غالباً ما ينظر المصمم “الأضعف” إلى الآخرين ليطمئن ذاته. في إحدى المراحل اعترفت مصممةٌ أصغر سناً من غيرها إلى العارضة بأنها (مرتبكة)، كاشفةً بذلك عن عدم ثقتها بذاتها إزاء إدخالها في ديناميكية هذه المجموعة.

ويشير تاناكا في مقابلة Art It: (عندما تُخرِج شخصاً من جوّه الروتيني وتضعه في جوّ متطرف، يمكنك تسليط الضوء على السلوك الروتيني).

تجسد هذه المقاربة بديلاً، غير أن مسار عمل الفنان المركز على الأشياء، وحيث يتعاطى مع الأغراض الطبيعية بأساليب مستبعدة؛ فإنه يقدم هروباً محتملاً من الحياة اليومية الروتينية. ففي أعماله التعاونية الطاولات مقلوبة، كما يطلب تاناكا من المشاركين في العمل أن يتولوا بصورة جماعية مهاماً خارجة عن المألوف.

عمل (حلاقة شعر على يد 9 مصففي شعر دفعة واحدة – المحاولة الثانية) عُرِض بداية في أول معرض لتاناكا في المتحف الأميركي، و(لا شيء ذا علاقة، ولكن قد يكون هناك شيء ذا صلة) في مركز ييربا بوينا للفنون في سان فرانسيسكو سنة 2010.

قدّم العرض مجموعةً متنوعةً من أعمال الفيديو، الرسم، التصوير، النحت والرسم، ومعظمها تُممت أثناء هذه الفترة في الولايات المتحدة. 

HISTORY IS WRITTEN FROM SOMEONE ELSE’S PERSPECTIVE, SOMEONE YOU DON’T KNOW . . . , 2010, pencil on paper, set of 13, (opposite) 30 × 22 cm, (this page) 22 x 30 cm.

إن الأعمال التي استكشفت أساليب العرض العام، مثل (لوحة إلى الجمهور)/ 2010؛ حيث أرسل الفنان لوحةً أصليةً صغيرةً إلى متجر محلي وعرض الإيصال الذي يوثق الصرف؛ قد شهدت انضمام الفيديو الكوميدي (إظهار الأشياء إلى كلب)/ 2012؛ إليها، حيث يصور الفنان أشياءً نحتية للتأمل الجمالي لكلب الجار الفضولي “شاداي”. إن تنوع هذه الأعمال قد ترافق مع تصميم تاناكا الطموح للعرض، بحيث تألف من بنية متعددة الأوجه من الخشب الرقائقي ملأت المعرض بأكمله، وتذكّرنا الهندسة بديكور داخلي ياباني ذي ألواح خشبية مكشوفة في الأعلى ومنصات مشيّدة حول حدود الغرفة.

إن اللوحات المصنوعة من الخشب الرقائقي المركبة بارتفاعات مختلفة قد تضاعفت كفواصل وسطوح متدلية تغطي بعض الأقسام، فيما تكشف عن أخرى بينما يتجول المشاهدون عبر المكان. إن تلك التركيبة التي هي أشبه بمتاهة تعكس معرض تاناكا للعام 2004 “أكياس بلاستيك، بيرة، كافيار إلى الحمام، إلخ…” في متحف الفن الحديث في غونما – اليابان، حيث هندس الفنان غرفة للركائز غير المستخدمة، والجدران الفاصلة، وأثاث العرض لتوليد متاهة مع برامج مراقبة فيديو وأعمال مسقطة مخبأة خلف كل منعطف. وفيما شكلت التركيبة شكلاً من أشكال النقد المؤسسي، شكلت أيضاً طريقة لعزل تجربة الأعمال الفردية ضمن إطار أوسع وأكثر ترابطاً.

إن الاهتمام بأوجه نظر متعددة وبالإمكانيات التي تقدمها – كما هو مبين في تركيبة ييربا بوينا – قد دُرِس بشكل أعمق وسط مجموعة رسومات التصويرية على الورق بعنوان (التاريخ مكتوب من منظور شخص آخر، شخص لا تعرفونه. إن صنع تاريخنا الخاص يتطلب من كل واحد منا إعادة كتابته من وجه نظره الخاص)/ 2010).

في هذا العمل استخدم تاناكا صوراً مشهورةً من الأعمال الفنية لوضع معالم إرشادية في تطوير الفن الياباني في مرحلة ما بعد الحرب، راسماً سياقاً ذاتي التحسس من غواتي، عبر حركة ضد الفن واللا فن السائدة في الستينيات والسبعينيات، مونو ها، وأخيراً، الفيديو والتصوير الياباني في أواخر السبعينيات.

إن هذه المجموعة من الصور تحكي عن تاريخ ريادي يضم أمثال سابور موراكامي مخترقاً صفحات من ورق الحرفة، وكوجي إنوكورا مقلداً حدود موجة مع جسده، وجماعات مثل مركز هاي ريد حيث تسقط الأشياء من سطح، وفيديو إيرث في بيك نيك في قافلة عمومية.

إن الكثير من هؤلاء الفنانين تحدوا حالة الغرض الفني ودور المتحف، لا سيما أنهم تركوا وراءهم حدود المتحف/ المعرض المادية والتصورية، بدلاً من التدخلات المباشرة في الدائرة العمومية.

إن ممارسة تاناكا الخاصة مدينة بالفضل والشكر لتلك السلالة الفنية التاريخية في محاولتها لتشويش الخط بين الفن والحياة اليومية. وبالتالي؛ تشكل تلك الرسومات معالم إرشادية في سلالة تاناكا الفنية التاريخية، مسلطةً الضوء على ميزتها الثقافية ومنوهةً في الوقت ذاته إلى المناحي الفنية التصورية الأوسع التي تم استكشافها في الوقت نفسه في كل الولايات المتحدة، وأوروبا وأميركا اللاتينية.

إن الحركة اليابانية المناهضة للفن في الستينيات، وحسبما أفاد المؤرخ ويليام ماروتي في مقال عام  2013 في آرت فوروم: (إن كافة التقاليد والممارسات الفنية من الأشياء إلى الأداء، كانت خاضعةً لتدقيق، واختبار ومراجعة في خدمة بحث نقدي في الحياة اليومية)، تعكس المناخ الاجتماعي السياسي المضطرب آنذاك.

ففي ظل احتجاجات الجماهير ضد تجديد معاهدة الأمن المتبادل بين الولايات المتحدة واليابان والحرب المتصاعدة في فيتنام، نزل الفنانون إلى الشوارع كتصرف مباشر. إن المجموعات بما فيها مركز هاي رد، التي تضم كل من جيرو تاكاماتسو، جنبي أكاسيغاوا تاتسويوكي ناكانيشي؛ قد قامت بتفعيل الأماكن العامة حول طوكيو، مثل سكة قطار يامانوتي ومنطقة جينزا بأحداث متعمدة لإحداث “اضطراب”.

PRECARIOUS TASKS #0 COMMUNAL TEA DRINKING, 2012, tea leaves, tea bags, pot, boiled water, party with friends and colleagues at Gallery Aoyama Meguro, Tokyo, 2012.

وشمل ذلك اللجوء إلى الأشياء النحتية أثناء ركوب القطار والتظاهر قبل الألعاب الأولمبية 1964 المنعقدة في طوكيو، وذلك مع ارتداء معاطف بيضاء. ومن هذا المنطلق  تبنى تاناكا في استجابته للأحداث البارزة في الزمن الذي يعيش فيه، مجموعةً جديدةً من الخطط التكتيكية في عمله عقب زلزال توهوكو المدمر، وتسونامي 11 آذار/ مارس 2011، وكارثة فوكوشيما النووية التي جاءت لاحقاً.

عرض هذا الهيكل الجديد في المعرض السنوي في متحف الفن المعاصر 2012، طوكيو، (صنع مواقف، وتنقيح مشاهد)، ويبقى ذلك محور المشروعات الحالية للفنان في  معرض اليابان في فينيتشي بيينالي 2013.

إن أولى أعمال تاناكا بعد 11 آذار/ مارس (لوحة إلى الجمهور في الهواء الطلق) قد أنجزها في شوارع طوكيو في 24 آذار/ مارس 2012، أي بعد مرور عام على الزلزال. وقد دعا تاناكا المشاركين إلى الانضمام إليه، وإلى جانب فنانين آخرين في نزهة عبر منطقة ميغورو في طوكيو، حيث يقدمون لوحاتهم مباشرةً للجمهور.

بدأت النزهة في متحف الفن في ميغورو الذي كان قد ألغى معرضه جنباكو وو ميرو 1945-1970 (مشاهدة القنبلة الذرية 1945-1970) عقب زلزال توهوكو مباشرةً. فقد تجولوا مع لوحاتهم المحمولة باليد أو المركبة على ألواح خشبية كلافتات  اعتصام، وقد بدا تحرك هذه المجموعة المؤلفة من 30 مشاركاً أشبه باحتجاج سياسي، وهذا ما أظهره تاناكا في تصريحه عن المشروع، فقد مزج بين أفكار اللوحات في الهواء الطلق والتحركات المناهضة للفن/ 1964؛ التي بادر إليها هيروشي ناكامورا، وكويشي تاتايشي الفنانين المعروفين معاً كمركز الأبحاث للسياحة الفنية، وبذلك أعاد تصوير عملية تقديم اللوحات مباشرةً للجمهور من دون كهرباء أو ضوء اصطناعي، احتجاجاً على دعم الحكومة اليابانية والاستخدام المتواصل للطاقة النووية. عقب الحوادث النووية في فوكوشيما، طلب من الشركات اليابانية الحد من استخدام الكهرباء بنسبة 15% للتخفيف من الضغط على البنية التحتية الكهربائية المتعطلة في البلاد.

وبالنسبة للأفراد المدركين للمسائل البيئية، فقد اتخذت التغيرات الطفيفة التي دخلت في حياتهم اليومية الروتينية بهدف المحافظة على الكهرباء بعداً سياسياً، إذ أمسى الحفاظ على البيئة مرادفاً لموقف مناهض للطاقة النووية.

PAINTING TO THE PUBLIC (OPEN-AIR), 2012, walking event including friends, painters, artist, people who received information through Twitter, from Meguro Museum of Art to Gallery Aoyama Meguro, Tokyo, March 2012.

وفي نمط مماثل؛ فإن أداء تاناكا قد حوّل عرض اللوحات إلى الجمهور إلى شكل من أشكال الاحتجاج، مستكشفاً قدرةً تخريبيةً تمّ إدراكها مؤخراً في اللوحة. وفيما تشابهت خطط تاناكا التكتيكية مع خطط الفنانين اليابانيين في الستينيات، تباينت الحصص بصورة غير معقولة، فبخلاف التهديد المباشر لتجديد معاهدة الأمن المتبادل بين  الولايات المتحدة واليابان وحرب فيتنام، فإن آثار الفشل النووي المترتبة عن كارثة فوكوشيما قد تكون معروفةً في العقود القادمة.

صنّف تاناكا المشاريع التي جاءت لاحقاً بـ (مهام متقلقلة) بما أنها تعكس الغموض الذي لا ينفك يسود جهود إعادة البناء والأزمة النووية الحالية.

إن هذه المشروعات المنظمة تحت راية المعرض السنوي لمتحف طوكيو 2012؛ قد تمت جميعها بعيداً عن الموقع في الحيز الفني/الصف البديل “بلان كلاس” في يوكوهاما.

فقد تشاركت هذه المهام المتقلقلة، ومن بينها: “أرجحة مصباح يدوي أثناء المشي ليلاً، التحدث عن اسمكم عند تناول أطعمة الطوارئ، تشارك الأحلام مع الآخرين وصياغة قصة جماعية”؛ مراجع غير مباشرة إلى حالة ما بعد الكارثة وشملت نشاطاتٍ تعاونيةً.

تشجع المشاركون على الاتحاد كمجموعة، وتشارك أفكارهم في إطار هذه الأحداث. وقد اعتبر تاناكا هذا الانفتاح تجسيداً للنقلة التي شهدها المجتمع الياباني عقب

كارثة 11آذار/ مارس.

وفي تصريحه لمعرض اليابان في بينالي فينيتشي؛ لاحظ تاناكا كيف أن (أكثر الأفعال غير الرسمية في اليابان تحمل معنىً مختلفاً تماماً بحسب عما إذا كانت قد حصلت قبل أو بعد ذلك اليوم).

وفي وسط الحالة غير المستقرة التي تمر بها اليابان اليوم؛ فإن كافة القرارات المتخذة قد حملت في طياتها معانٍ سياسية، من شرب المياه المعبأة في قوارير مقابل مياه الحنفية، أو صعود السلالم مقابل استعمال المصعد. إن أحد الفيديوهات المعروضة في معرض فينيتشي، (تصريح سلوكي)، أو (احتجاج غير واعٍ)/ 2013؛ حدث مهندس يشمل مجموعتين من عمال المكتب، واحد يصعد وآخر ينزل سلالم الطوارئ خارج جمعية اليابان، يشير مباشرةً إلى هذه النقلة في مرحلة ما بعد 11/3.

إن مثقب الطوارئ قد أصبح اليوم عادة يومية، كما أن الخيار المدرك للصحة في استعمال السلالم بات مفهوماً كتصريح سياسي. وإن مجموعة أشخاص يمشون في شوارع طوكيو حاملين لوحات في أيديهم هي أشبه بتظاهر ضد الطاقة النووية.

وكما ولدت الأشياء الطبيعة لحظات إلهام، مثلما في أعمال تاناكا الأولى، كذلك من شأن التعاون في أكثر المواقف دنيويةً توليد تحرك مباشر.

والآن وأكثر من أي وقت مضى، وبينما تسود المعلومات المضللة والكسل الخطير الوضع الراهن، فإنه من الضروري البحث عن أساليب بديلة لتفعيل وتنشيط الحياة اليومية وإدراك العالم حولنا بشكل غير مسبوق. وكما يذكرنا كوكي تاناكا، فإن الإمكانيات لا متناهية.