استُهل مشروع “تابلاين” عام 1946. وهو عبارة عن ائتلاف بين عدة شركات نفط أميركية لنقل النفط السعودي عبر الخليج العربي والبحر الأحمر، من خلال خط أنابيب فوق سطح الأرض أكثر أماناً وأكثر فعالية من حيث التكلفة، ويمتدّ هذا الخط من مدينة الظهران السعودية إلى حيفا في فلسطين، لكن تقسيم فلسطين في العام 1947 تسبّب في دفع زاوية من هذا الخط إلى جنوب لبنان. وفي السنوات اللاحقة؛ أضحت هشاشة خط “تابلاين” أكثر وضوحاً إثر الانهيار العام للعلاقات بين الأقاليم، وتوقفت عملياته بشكل دائم في العام 1990.
إن العمل المعروض للمهندس ريان تابت – وهو ثمرة سبع سنوات من الأبحاث – يتناول بشكل أولي الشكل والموقع، ويجسد عمل تابت هوساً بالمواد، والقياسات، والدقة، والتكرار، بدلاً عن التوثيق، في سياق معالجة هذا الموضوع التاريخي. وفي عمله تحت عنوان (خط الطباشير Chalk Line)/2013؛ وفيه ساهمت آلتان عبارة عن أدوات صناعية لإنشاء خطوط طويلة ومستقيمة مثبتتان جنباً إلى جنب في توليد تصميم من جزأين على الجدار. ويشكل الخطان شكلاً مجرداً يجسد التطور الزماني والمكاني لصناعة النفط الإقليمية بأسلوب أنيق ومصغّر.
ومن الأعمال المعروضة لتابت أيضاً (مساطر الطي الخشبية (Folding Rulers/ 2013؛ وهو عمل يمثل خط الأنابيب المقياسي، وهو مكوّن من مساطر قابلة للطي امتدت على طول صالة العرض، وتمثل المساطر ذات الألوان المختلفة كل بلد من البلدان التي مرّ عبرها خط الأنابيب. وقد اختتم الفنان العمل بطريقة متشعبة، من خلال خط موجه نحو الأعلى ويمثل المسار الفعلي لخط الأنابيب، إلى جانب خط مستقيم مظلل بالكاد مرئي على جدار الصالة، يرمز إلى أنه “غير محقق” وغير قابل للتحقيق".
وتسلط مساطر الطي الخشبية الضوء على الفجوة بين النظرية والتطبيق- بين مفهوم الأرض كمنطقة عذراء والجغرافيا السياسية التي تفسدها، ويتخلله بكل ما للكلمة من معنى نقطة تحول في تاريخ المنطقة.
أما "الأسطوانات الفولاذية (Steel Rings/ 2013؛ فهي تتألف من 40 أسطوانة فولاذية، يبلغ قطر كل منها 80 سم، وقد امتدت في خط مستقيم على طول أرضية الصالة، وترتبط بخط الأنابيب البالغ طوله 40 كم والذي مر عبر لبنان. وتشكل الأسطوانات الفولاذية نماذج مطابقة لخط "تابلاين"، بما في ذلك نقوش عدادات فعلية للكيلومترات، وخطوط الطول، وخطوط العرض، والارتفاعات. وتشكل دراسة جمالية ومفاهيمية ليس للخط فحسب، لا بل للنقاط على طوله، وللضغوط بين هذه النقاط وللخط ككل، ووجهات النظر المختلفة التي يولدها النظر إلى الخط وإلى النقطة. وقد ثبت الفنان “ترويسة” (Letterhead)/1950-2013؛ تابعة لشركة "تابلاين"، وهي مجموعة من الترويسات الفارغة الموجودة في المقرات المهجورة للمبادرة في بيروت، وقد وضعها الفنان ريان ضمن إطارات على طول خط مستقيم.
وتشكل هذه المستندات الهشة المتغيرة مع مرور الزمن إطاراً زمنياً مجرداً يجسد ذاكرة المشروع والأفكار التي مثلها يوماً، وقد ارتكزت (الشرائح Slides) على التقادم والتجريد المتمثل بـ"الترويسات"، مما ساهم في إضفاء بعد خيالي. وفي المعرض آلتان لعرض الشرائح- باتتا اليوم تقنية مبتذلة- تلقيان على الجدار نقطتين من الضوء أسهمتا في وسم مسار خط الأنابيب من خلال مجموعة من الأشكال المنيرة والأصوات الصناعية التي تحدثها.
وفي عمله الفني (أقصر مسافة بين نقطتينThe Shortest Distance Between Two Points)؛ أظهر تابت أن رسم خط يمكن أن يكون عملاً شكلياً، ورياضياً، وفلسفياً، وسياسياً في آن، وبوسعه أن يعكس البعدين الزمني والخرائطي فضلاً عن إثارة الذكريات والتصورات. ومن بين عدة أعمال فنية معاصرة في لبنان؛ يتألق عمل الفنان ريان تابت بفضل اعتماده على التجريد والشكل النقي لفتح الباب أمام جميع الاحتمالات السردية.