P
R
E
V
N
E
X
T

Illustration by Mágoz.

على عجل وهياج  

China USA Hong Kong
Also available in:  Chinese  English

في عام 2006 كنت أراقب منافسنا يبيع أعمالاً من الفن المعاصر، ومن فترة ما بعد الحرب العالمية في مزاد مسائي بنيويورك كما يفعل البعض في مهنتنا لتقييم الوضع ومراقبة “الحدث”.

إلى جانب خبيرة فن صينية المولد مقيمة في أوروبا وجدت نفسي في غرفة الاستقبال. وهي خبيرة جديدة في عالم المزاد متخصصة بالفن الصيني، اعتقدت أني محظوظة لأني بصحبة شخص سيساعد حياتي المهنية، قدمت نفسي بحماسة، فكان جوابها: (الفن الصيني؟ هذا ما  لا أقربه أبداً)،  ثم تابعت: (كل ما ينتجه الفن الصيني هو وليد الأمس ليرضي السوق. لم يكن يوماً لأحد من هؤلاء الفنانين أي حضور في المتاحف المرموقة. الفن الصيني مزحة سيفضح أمرها في أي لحظة)، في تلك اللحظة نظرنا معاً للمنصة لنرى لوحة (الممرضة) لريتشارد برنس، التي كانت لمدة 4 سنوات بحوزة ملاك مجموعات خاصة، واليوم يُنتظر سعراً جديدا للوحة.

سخرية اللحظة لم تفت خبيرة الفن التي قابلتها للتو، لكني أعتقد أن قناعاتها لم تتزعزع. كانت تلك واحدة من الكليشيهات عن الفن الصيني التي يتم تداولها في سوق الأعمال الفنية، والتي انتهت صلاحيتها الآن.

إن انتشار هذه الصور النمطية عن الفن الصيني يوضح لنا قبل كل شيء كيف خدم سوق المزاد للأعمال الصينية كمجال لكل هذه الإسقاطات، فهو مكان يرمى فيه كل التوتر والإحراج من كل ما هو مسلّم به في السوق الغربية، وإن سوق المزاد تبيعه يتحمل العبء واللوم على فشله بعكس العلاقات التقليدية بين الفنانين والمتاحف وجامعي الأعمال الفنية، بين السوق الأولية والثانوية، وبالتالي فإن دور المزاد تتحمل كل الانتقادات لانتهاك هذه العلاقة، إلا أن تلك النظرة تهدد برفض متسرع – بغير محله – الدور الفعال لدور المزاد في آسيا تحديداً بخلق مجال لمناقشة الفن الحديث.    

لا أحد ينكر أن السوق الصيني للأعمال الفنية قد أصبح ضخماً في وقت قصير، حيث تم  تداول الكثير من المال فيه، والأسعار التي تدفع ويعلن عنها تجذب الاهتمام، وأيضاً تحدد إلى حد كبير الخطاب الشعبي، فتلعب دور المزاد دوراً ليس صغيراً في تلك الاعتبارات، وكلها يقوم بدور هام في منح الفنانين فرصة أن يرى الناس أعمالهم، كما تسلط الضوء على فترات زمنية وعلى تاريخ الفن بطرائق لم يتم التطرق إليها في مكان آخر في آسيا، ولا في بقية دول العالم، ويمكن لدور المزاد من أي مكان تسليط اهتمام أكبر على الأعمال الفنية بشكل أسرع وأكثر انتظاماً، أما المستوى والسرعة والسلاسة التي تنجز فيها دور المزاد عملها ومطابقتها للذوق والسعر؛ فهي عوامل أساسية في تطوير الخطاب النقدي، وخلق مجال للمقارنة في مقاربة الفن.     

في مرحلة التحضير لمزادات كريستي لهونغ كونغ في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012؛  صادفنا مجموعة صغيرة من الأعمال الأولى للفنان ذهو تشون، وهو من مواليد 1955، درس في أكاديمية سيتشوان للفنون الجميلة، كما درس في كاسيل بين عامي 1986 و1988، وكان من أوائل فناني الواقعية الفطرية، ويحمل فنانو جيل ذهو معهم أعباء التحولات الأخيرة في الصين، لكن هذه الأعمال ليست عن الصراعات في السوق العالمي أو التحديث المدني، إنما تعبر عن الاستكشافات الذاتية للفنان الشاب، ورحلته في تكوين لغته التعبيرية، والتماس طريقه في سبر أغوار الفن والتاريخ، ليجد مصدر إلهامه من المشهد المتغير لرحلته عبر أوروبا والتيبت، وتلك هي الأعمال الأجمل للفنان ذهو، لكنها أيضاً لحظات آنية بديعة، أضيق من أن  تكون في معرض، ومن الصعب أن تجد طريقها إلى المتاحف، غير أنها وعلى الرغم من ذلك فإنها تغني إلى حد عميق فهمنا للفنان، ولهذه المرحلة من الفن الصيني.      

مؤخراً.. كانت عندنا فرصة عرض مجموعة صغيرة من الأعمال المبكرة للفنان غو ديكسن، فمن المستحيل أن يصبح غو ديكسن فنان مزادات، لكن في نهاية الثمانينيات كان قد تخطى مرحلة الرسم، واختار بدلاً عنها الانخراط بتخييل تجريدي، واليوم يعرفه الناس بأعماله الجريئة  التي تصور اللحم المتفسخ والفواكه، ومع ذلك وخلال هذه الفترة القصيرة، لم تتوقف إبداعات غو في الرسم، وباتت تتدرج أساليبه فيما يمكن وصفه بمرحلة فن ما بعد الانطباعية، مروراً بما يمكن اعتباره فترة موسيقى الميتال والروك، ونهاية سلسلة غير متوقعة فيها مخلوقات متعددة المعشوقات شبقة منحرفة.        

وفي كلتا الحالتين بيعت الأعمال بأسعار جيدة، إلا أن أهمية تنقلها في السوق لا تبرر الأسعار التي حققتها فقط، فهذه الأعمال تعقد مقولة أن الأعمال الصينية بمجملها تجارية، وتضخ الحياة في هذا النقاش، ففي الكتيبات التي رافقت المعرض إلكترونياً على شبكة الإنترنت، والمطبوعة منها أيضاً، وفي البروشورات التسويقية، وفي المقالات، والأهم من ذلك في المعرض؛ تم عرض تلك الأعمال إلى جانب الأعمال التي حققت شهرة عالمية، وبذلك لم تنجح بعرض هذه الأعمال على نطاق واسع فحسب؛ بل قدمت فرصة للمناقشة الجدية و للمقارنة والتقييم بكل المعاني التي تحملها هذه الكلمة، وكذلك كانت فرصة لتحسين نظرتنا للفن الصيني، وفتحت أفقاً لزوايا خفية لم نستكشفها بعد .

هناك الكثير من الفنانين ومن الجوانب الفنية التي لا تغطيها بشكل عام دور المزاد، أي أن النصب والأداءات والفيديو ووسائل التواصل التي تعتمد المفاهيم المجردة كلها تقع  إلى حد كبير خارج مجال دور المزاد.

إن  المؤسساتي يستمر بالنمو في الصين وفي آسيا، وعليه فإن ساحة المقاربة النقدية ستتطور بالنتيجة لامحالة  إلى أن يتحقق ذلك، وطالما استمرت الأعمال التي تكرس الأرقام القياسي فسوف تستمر في خطف الأضواء، وستعوّد هذه الأعمال المشاهدين على التواصل مع جوانب الفن الآسيوي ومقاربته الخاصة للحداثة، وأيضاً مع الأعمال التي يتم إبداعها بكل خصوصيتها.. حقيقة إن الأسعار تحدث الكثير من الاهتمام، وهي ليست  مشكلة عارضة، إلا أن بداية انبثاق سوق كبيرة للفن الصيني والآسيوي المعاصر نجحت في وضع تلك الأعمال حيث تستحق في مدارات الخطاب الشعبي والنقدي.