قرار متحف ميتروبوليتان للفن بدعوة الرسام الباكستاني عمران قرشي كي يرسم بقعاً حمراء بلون الدم في فناء السطح الأنيق؛ كان خروجاً صارخاً متعمداً عن التقليد، فالمشروعات السابقة شيِّدت وامتدت خارج الفناء خالقة أجواء مؤقتة لتجارب غير متوقعة وللتفاعل الاجتماعي، لأن مشروع المتحف الصيفي هو أكثر مكان مرغوب ومرموق في مدينة نيويورك، فعادة – وكما هو متوقع – عندما ينجح الفنانون بالحصول على فرصة تقديم أعمالهم فيه فإنهم يحتفلون بهذا الشرف.
إن عمل قرشي (كم من الأمطار يجب أن تسقط كي تنظف بقع الدهان)/2013؛ كان تشاركياً، أي أن زائري المعرض كان عليهم الخطو فوقه، لكن في ذات الوقت كانت رسوم الأرضية الحمراء استفزازية على الرغم من سهولة تجاهلها، أو ربما بسبب سهولة تجاهلها.
كان المعرض متواضعاً في مفهومه، ومتواضعاً في تنفيذه، والعمل يمتد تقريباً على نصف الأرضية، وهو يجمع بين لون الدم الصارخ، وضربات الفرشاة الحادة، آخذاً شكل ما يشبه بقايا مجزرة، وقد عمل قرشي أحواضاً من الطلاء في بتلات فاتنة، يعلِّم عليها بضربات خفيفة من اللون الأبيض رسوم نباتات من تقاليد رسم المنمنمات في البلاطين المغولي والفارسي، وهذا هو التكنيك الذي درسه قرشي، ويدرسه الآن في الكلية الوطنية للفنون في لاهور، إلا أن التفاصيل المعقدة لبنية المنمنمات لا تظهر في أعماله.
على الرغم من أن رسوم الأرضية كانت كثيفة، إلا أنها كانت خشنة جداً وفظة، وتبدو أقل تأن من منمنماته، فقرشي يعمل بطريقة خطوة خطوة، ويطور كل تصميم كما يشعر أنه مناسب من دون خطة مسبقة، وبالنسبة للفنان الذي يرى أن الاعتماد على الحظ والمصادفة لا يتماشى نهائياً مع تقليد المنمنمات؛ فإن خيار تخطي حدود هذا النوع من الفن هو خيار متعمد ومحرّر أيضاً، ومع أنه يتعمد التخفيف من دقة وصرامة عمله على الورق؛ إلا أن رسوم سطح السقف تمنح الشعور بأنها مقيدة بمعايير الشكل، وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة لوجود مثل هذا العمل الذي يشبه انفجاراً عنيفاً على قمة واحد من أكثر المتاحف شهرة في العالم، إلا أن التأثير الفعلي للعمل كان ضعيفاً بصورة لافتة، وربما كان سبب ذلك المكان ذاته، وليس العمل الفني الموجود فيه، وفي المحصلة لم يحظَ العمل على ما يستحق، فبدا مبتوراً بطريقة عشوائية وسط التراس، فيما تنتشر بقع لونية على ثلاثة جدران مجاورة، وعلى الجدار الرابع يأخذ اللون شكل خط أنيق يمتد حتى الأرضية الخشبية حيث يوجد المقهى وحانة المتحف، وربما لأن الحفاظ على أرضية التراس ضروري، فقد جاء الاهتمام بالوظيفة الترفيهية لها على حساب نجاح عمل قرشي في إيصال فكرته الأساسية.
إن محاولة التأمل في الأشلاء المتناثرة كشكل من أشكال الفن؛ تغدو غير ممكنة عندما يمشي معظم زائري المعرض ذهاباً وإياباً على التراس، وأحياناً يتوقفون لالتقاط صورة، أو لإنهاء شرابهم في حانة المتحف، وبدل أن يذهل المعرض الزائرين بمنظره المنفر، فإن المجزرة التي تأخذ شكل زهور تبدو متواضعة تحت الأقدام، ويستمتع الزائرون بالجو شبه الاحتفالي.
إن هذا التناقض هو أحد أهداف قرشي المتمثل في دعوة الناس أو حتى تحديهم لأن يستمتعوا بهذا الملاذ المرفّه فوق أشجار منطقة أبرسايد في نيويورك، بينما بقايا العنف السياسي واضحة، لكن المحصلة غير مهمة، (في بداية الأمر لا يتشجع الزائر للخطو فوقها، لكنه تدريجياً يشعر بالراحة)، هذا ما قاله الفنان في فيديو قصير يرافق المعرض.
يتبع العمل ذات التقنيات التي استخدمها في رسوماته الأرضية (لا تزال تلمع) في بينال سيدني 2012، و(مباركة أرض حبيبتي) في بينالي الشارقة 2011، ففي هذين العملين كان تعامل قرشي مع الجوانب المعمارية للمكان أكثر نجاحاً في خلق شعور الانفجار، وفيهما انتشر اللون فوق الدرجات، وتغلغل في الشقوق، بينما أناقة عمله في نيويورك خدمته في إيصال ما يريد، وهو أن الحياة تمضي، إلا أنها تبقى رسالة محايدة وغير مؤثرة، بشكل طبيعي يتجمع الناس وسط الساحة- اللوحة، وكأنه مسرح جريمة، لكن بدل تحديقهم فيها بفضول سوداوي، يتأملون مانهاتن وأبنيتها، ويلتقطون صوراً لذلك المنظر بدلاً عن اللوحة، وبينما تبقى رؤوسهم سابحة بين الغيوم، تتفرس أرجلهم داخل حدود الأرض الملطخة بالدماء، والتي أصبحت أيضاً مبرقعة بالعلكة والقهوة.