P
R
E
V
N
E
X
T
Shahzia-sikander_04_f_2_1000

UNSEEN 2, 2011, HD digital projection, height: c. 30 m, at the Shangri La Center for Islamic Arts and Cultures, The Doris Duke Foundation, Honolulu, 2011. Courtesy the artist.


هويات متشابكة: شازيا إسكندر في حديث مع فيشاخا. ن. ديساي

شازيا إسكندر

Features from Sep/Oct 2013
Pakistan USA
Also available in:  Chinese  English

في حزيران/ يونيو التقت الفنانة الباكستانية المولد، المقيمة في نيويورك شازيا إسكندر مع فيشاخا. ن. ديساي الرئيس الفخري لجمعية آسيا والباحثة في الفن الآسيوي، وتم اللقاء في استوديو إسكندر في ميدتاون في نيويورك بمناسبة مشاركتها في بينالي الشارقة الـ11، وأوكلاند الـ5 الذي يقام كل 3 سنوات، وبينالي إستانبول الـ13، وقد ركز النقاش على الطابع العالمي لأعمال إسكندر، وغنى لوحاتها، كما ركز على موضوع الهوية ودورها في ظهور المنمنمات المعاصرة في باكستان، وتلقيها في جميع أنحاء العالم.

ديساي: شازيا.. من الواضح أنك شاركت في عدة مقابلات مع طيف واسع من الناس في جميع أنحاء العالم، وركزتِ غالباً على عملك ومساره الواسع، وفي هذه المقابلة أود التركيز على مكانة أعمالك وفكرة الناس عنها، وتلقيهم لها، سواء في الغرب أم في باكستان، وأود مناقشة فكرة كونك فنانة، وأين يضعك الناس على خريطة العولمة التي تتجاوز حدود الدول والأمم.

هذا في الحقيقة موضوع يتطلب نقاشاً طويلاً، وباعتقادي أنه سؤال هام، لكني حقاً أريد أن نناقش فكرة الهوية الهجينة في العقد الثاني من القرن الـ21، وفي ضوء ذلك كيف يقرأ الناس الأعمال الفنية اليوم، خاصة أعمال فنانة عالمية كبيرة مثلك، أنتِ التي أتيت من خارج المحور الأمريكي- الأوروبي، وعلى الرغم من كل تلك الاعتبارات فإننا سنناقش عملية إنتاج أعمالك، لكننا سنتحدث أكثر عن كيفية تقييم أعمالك وتقبّلها وتلقّيها من قبل الناس هنا في الولايات المتحدة وفي باكستان.

لذلك دعينا نبدأ مع بينالي الشارقة، ومشروعك الأخير (بارالكس)/ 2013؛ الذي عرض أول مرة هناك، ثم في بينالي إستانبول في شهر أيلول/ سبتمبر مع بعض التعديلات. إن (بارالكس) معرض مثير للدهشة بالتفاوتات الدقيقة للمعروضات، وهو عبارة عن إسقاطات فيديو هائلة مسلطة من 3 جهات، لكن بالطبع كنتِ قد بدأت حياتك المهنية كفنانة منمنمات.. لذا أرجو أن تخبريناإن أمكنعن العلاقة بين هذا العمل وحجمه وبداياتك الأولى، وأن تصفي تجربة عملك في الشارقة

شازيا إسكندر: دائماً كانت المنمنمات بالنسبة لي ضخمة في نطاقها وليست محصورة بحجمها الصغير، بل هي مساحة لإطلاق العنان للخيال، و(بارالكس) هو في الحقيقة مشروع مكثف، متنوع، متعدد الطبقات، وقابل للتوسع، تم إنشاؤه من مئات الرسومات الصغيرة، وقد جاء ذلك نتيجة زياراتي إلى الشارقة، وعلى وجه الخصوص من رحلاتي البرية في الإمارات وحولها عبر الصحراء، صعوداً ونزولاً على طول سواحلها، إذ ليس هناك أي نشاط أفضل من قيادة السيارة للحصول على إحساس المكان في ثقافة السيارات، وبالفعل فقد تكوّن عندي شعور عميق من تضاريس الأرض، ويدرس (بارالكس) موقع الشارقة القريبة من مضيق هرمز، ودورها كمحطة للخطوط الجوية الإمبراطورية القديمة، فهذا القرب من الماء والرمل والنفط، وبالطبع صراعات السلطة التاريخية المحيطة بالتجارة البحرية؛ أصبحت كلها مادة غنية للعب البصري بين التجسيدات الصلبة والسائلة في هذا العمل الفني، فكل الحالات السائلة في الصور صنعت من ملايين الصور الظليلة المصنوعة من الشعر التي تم جمعه من صور “غوبيس” حيث يتم غالباً تجسيد المصليات للآلهة كريشنا في المنمنمات الهندية، وتتحول تلك الصور إلى مساحات واسعة من الضوضاء الثابتة التي تحوم بين تجليات متعددة، بدءاً من المحيطات والمياه والنفط، وصولاً إلى أسراب من الطيور، وأنماط الهجرة البشرية.

ومن خلال عزل شعر “جوبي” من مصدره؛ أؤكد قدرته على غرس تداعيات جديدة للمعنى، وبالمثل ليس هناك نقطة عرض ثابتة في الفيلم، فهو جوي وداخلي في ذات الوقت، وبالنسبة لي حتى التلاوة باللغة العربية لا تحتاج إلى ترجمة، لأن الزخم العاطفي في التلاوة ذاتها واسع وشامل، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى الثقافات المسلمة غير الناطقة بالعربية مثل باكستان، حيث اللغة العربية سماعية في المقام الأول، وأنا أعتبر (بارالكس) غامر لا نطاق محدود له، وعرضه كمشروع ضخم تم باستخدام بعض الأجهزة، بحيث يمكنه أن يتحدى كل أنواع الحدود المعمارية، وإذا فكرنا فيه في نطاق مصغر؛ يمكن اعتباره  ملحمة مذهبة  للشارقة.

ديساي: هل نفهم من هذا أنك تقولين أنه حتى في المنمنمات لست مقيدة بالحجم؟

شازيا: تماماً، فقد كنت أتعامل مع المنمنمات كنشاط تجريدي منذ البداية، وقد قضيت السنوات الأولى في كلية الفنون الوطنية في لاهور من منتصف الثمانينيات وحتى أواخرها، فتعلمت رسم المنمنمات، وكنت أيضاً على اطلاع على أعمال زاهور الأخلق الذي كان حينها مدرساً في قسم الرسم، وأعماله الأكريليكية الضخمة كانت في كثير من الأحيان تستخدم لغة المنمنمات، ومع ذلك كان اهتمامي في المنمنات نابعاً من الرغبة بتوسيع اللوحة من الداخل، واحتضان الحرفة، والتقنية والدقة والتفصيل والحجم الصغير، فضلاً عن سياقاتها التاريخية. لقد كنت منغمسة في جماليتها وترفها البهي أيضاً.

ديساييبدو لي أنك منذ البداية كنت مهتمة في السياقات المختلفة لإبداع عملك، ولتلقّي الناس له منذ دراستك في الكلية الوطنية للفنون في لاهور، فكيف تلقّي معرضك في الشارقة؟

شازيا: السياق مهم، وردة فعل على أعمالي في بدايات التسعينيات سواء في الولايات المتحدة أو باكستان؛ تختلف عن كيفية تقبل الناس لها الآن، إذ يتطور فهمهم أعمالي، كما أن عالم الفن وقوته الديناميكية تغيرت في العقد الأخير.  لقد تم تلقّي (بارالكس) بشكل جيد في الشارقة، بسبب شاعريته البصرية والحسية بشكل أساسي، فهناك جالية كبيرة من سكان جنوب آسيا، وأغلبية المنظمين والعاملين في البينالي إما من دولة الإمارات العربية المتحدة، أو من منطقة شبه الجزيرة، أو من الهند وباكستان، لذلك كانت هناك تنقلات متكررة بين اللغات. وهو ما كنت مهتمة جداً بدراسته. فأنا أستخدم غالباً النص في عملي كأداة لاستكشاف أفكار حول الترجمة، وماهي علاقة الترجمة بالأصل، إني أجد ذاتي مهتمة بهذه الأفكار، خاصة في ضوء بعض النصوص التي تتنقل بين الشعري والسياسي، وقد تردد صدى تلك الأفكار في عرض الفيديو (شجرة السرو على الرغم من حريتها، تبقى أسيرة الحديقة)/ 2012؛ الذي نظم في الشارقة في سينما خورفكان، والفيديو يعرض شخصاً ينجو لكنه مع ذلك يبقى أسير حلمه. إن بطل الرواية هو حقيقة عامل جاء من باكستان عام 1976 للعمل على بناء سينما، ثم ارتقى في الرتب إلى أن أصبح مدير السينما بعد أن عاش هناك 36 عاماً، والسينما المهجورة التي كانت تموت بشكل بطيء هي منزله وحياته، وحبه- ووجوده، فقد كان متشابكاً بشكل معقد مع ذلك المكان الذي كان بموته الوشيك- برأيي-  كناية عن عمل كل عمره.

ديساي: كما هو الحال مع تلك الأعمال في الشارقة؛ كثيراً ما تناقش أعمالك الطبقات المادية والمجازية التي تجسد الصور والنصوص، والتي غالباً ما تكون منفصلة عن بعضها، ومع ذلك تخلق مجتمعة كلية بصرية. هل يمكنك التحدث قليلاً عن  تلك  العملية من التفكيك، وإعادة تجميع كل الصور ومعانيها؟

شازيا: حسناً، أنا مهتمة بطبيعة العلاقات بين النص والصورة، ومايؤدي إلى عزلها، لا سيما في تقليد المنمنمات الهندو- فارسية، فهذه اللوحات كانت تمزَّق غالباً من قبل جامعي اللوحات والتجار من سياقها في الكتاب الأصلي، وقد خلق ذلك انفصاماً وانعداماً للإلمام البصري بالخط العربي أو الفارسي الذي كان أصلاً مرافقاً للوحات، وإن استخدامي الكتابة باللغة الأوردية غالباً يستعيد استخدام مثل تلك العمليات من التفكك والتنقيح، الذي هو مسألة جدلية، لا سيما من حيث كيفية استمرارية إعادة كتابة التاريخ في كلا المجالين الثقافي والسياسي.

ديساي: إذن قد تكون العلاقة في الشارقة مع عملك مختلفة تماماً عن العلاقة بأعمالك في لندن أو نيويورك، وأيضاً عن العلاقة بأعمالك في لندن أو نيويورك خلال التسعينيات. دعينا نتحدث قليلاً عن نيويورك في التسعينيات، فالهوية السياسة المستعرة والتعددية الثقافية في كل مكان، وأحياناً لم يكن ذلك يعني أن الناس كانوا محصورين في فئة معينة فحسب، لكنه كان يعني أيضاً أن هناك انفتاحاً لقراءة الأعمال من وجهات نظر مختلفة، فقد كان الناس على الأقل يحاولون فهم العمل الفني. كيف تتذكرين لحظة استقبال أعمالك في تلك الفترة هنا في الولايات المتحدة، وأيضا في باكستان آنذاك؟

شازيا: جئت إلى الولايات المتحدة عام 1992 لأقيم معرضاً في السفارة الباكستانية في مدينة واشنطن، وبقيت بعدها لإتمام الماجستير في الرسم والطباعة في كلية رود آيلاند للتصميم، وكان معرضي الجدي الأول في نيويورك عام 1997 في مركز درونيغ (الرسم) ، وفي بينالي ويتني بذات العام، لكن بحلول ذلك الوقت كنت قد بدأت أقيم معارض في أماكن أخرى كثيرة في جميع أنحاء البلاد، وكانت الفترة بين عامي 1989و1997 بالنسبة لي فترة تجريب مفرط في رسم المنمنمات، ووضع الأسس لكثير من الاتجاهات الجديدة التي يمكن استخدامها للتعامل معها بطرائق توسع مجالها لتشمل جداريات ضخمة، ورسوم الجدران، فضلاً عن تجارب تعاون مع فنانين آخرين.

ديساي: أذكر أني رأيت عملك عام 1993 أو 1994، عندما كنت قد بدأت بالفعل بتغيير ترتيب الدرجات المختلفة للتقنية والشكل في المنمنمات، وذلك بقلب المتن والهامش، وبالخطو خارج آليات التأطير. هل كانت تلك وسيلة لتحطيم المألوف وفتحه على معان أخرى لفهم الدور الاجتماعي للجنس وللهوية؟

شازيا: آنذاك كنت أقرأ هيلين سكيوس وجوليا كريستيفا، وغيرهما من النقاد، وكنت مفتونة بأعمال وسيرة إيفا هيس، وأيضاً بأعمال وحياة أمريتا شرغل، وكنت أطلع كذلك على رسومات بوبين خاخار وديفيد هوكني، وقد بدأت أعمالي تعكس زيادة اهتمامي بالحركة النسائية وبالجنسية، فضلاً عن تجسيد هوية ما بعد الحداثة. لقد كنت مهتمة بالسيميائية الثقافية، بما في ذلك أيقونات الهندوس والمسلمين، وبإبراز تناقضها مع التوجهات غير التقليدية للفن الغربي، مثل حركة مانييريزمو التي قدمت اعتبارات متنوعة لجماليات الشكل الخارجي.

PARALLAX, 2013, three-channel HD animation with surround sound, installed at the Sharjah Biennial, 2013. Courtesy the artist and Ian Forster, Art21.

ديساي: كيف كانت ردة الفعل على التوجهات الجديدة في أعمالك في باكستان منتصف التسعينيات؟ 

شازيا: مع بداية شهرتي على المشهد الفني الدولي؛ كانت أعمالي تدرّس بكثافة في كلية الفنون الوطنية، وكان ذلك برهاناً على أن المنمنمات فنُ مجدٍ يستحق المتابعة، وكنت أحقق شهرة سريعة وأعمالي كانت تعرض في المتاحف. ربما جاء الكثير من هذا القبول المفاجئ لأعمالي أيضاً خلال فترة قصيرة وسريعة، وهذه معضلة مألوفة في عالم الفن المهووس بالتجدد، وقبل ذلك، أي أثناء وجودي في باكستان من عام 1989 إلى عام 1993 كنت قد حصلت على دعم هائل من أساتذتي المشرفين، ومن زملائي في كلية الفنون الوطنية.

ديساي: ما الذي دفعك بداية لاختيار فن المنمنمات، ثم اختيار التخصص به؟ يبدو أن أستاذك بشير أحمد لم يكن لديه أي طلاب في هذا الاختصاص؟

شازيا: آنذاك لم يكن هناك أي اهتمام جدي بالمنمنمات في كلية الفنون الوطنية، لذلك كان هذا الاختيار الطبيعي بالنسبة لي، فقد أردت فهم التركيب الاجتماعي للفنون التقليدية في مجتمعاتنا المعاصرة، لكني كنت في وضع صعب، لأن ذلك الفن يعاني من أفكار المبالغة بالصنعة، ومن ثنائية الفن الشعبي مقابل الفن الراقي، والزخرفة مقابل الفنون الجميلة، والحرفة مقابل الفهم النقدي، والتقليدي مقابل الحديث، إلخ، ومع أن الخوض في مثل تلك الموضوعات الإشكالية التي ينقسم حولها الناس بحدة، كان في هذا المجال الكثير من التعقيدات التي لا بد من شرحها وفهمها، كما كان ممتعاً لي أن أدرس وأتخيل واستكشف التجليات الممكنة للفن التقليدي الذي لم ترسم ملامح مستقبله بعد بشكل واضح، وهذا كان مصدر انجذابي إليه، “لم يقْدم أي شخص حتى الآن على تحليل بنية فن المنمنمات بتلك الطريقة الجذرية”. وتم تدريبي على يد الأستاذ أحمد صرما، إذ كنت أقضي مبين 12 و14 ساعة معظم الأيام، لكني كنت متحمسة كي أتعلم الحرفة من دون أن تغيب عني إمكانيات الإبداع في هذا الفن.   

ديساي: أذكر أنك حصلت على جائزة وأنت لا تزالين طالبة في كلية الفنون الوطنية؟ 

شازيا: نعم. أظن أني حصلت على كل الجوائز المتوافرة وقتها، وكان ذلك سابقة لم تحصل من قبل في تاريخ الكلية، فحصلت على جائزة حاجي شريف للامتياز في رسم المنمنمات، وتقدير لمشروع التخرج الذي قدمته، وحصلت أيضاً على جائزة شاكر علي للإبداع والرؤيا الاستثنائية. 

ديساي: في كثير من الأحيان أعتقد أن قرارك اختيار  المنمنمات كان أحد أكثر الاختيارات الثورية آنذاك، لا سيما في سياق طرائق التدريس الغربية التي كانت معتمدة في جنوب آسيا حينها، ويبدو لي أنك باختيارك دراسة فن المنمنمات ومتابعته بمثابرة كنتِ إلى حد ما خارج السرب. كنت في طليعة رسامي المنمنمات المعاصرين في باكستان، لكن يبدو كما لو أنك كنت الوحيدة فيه. هذا يقودني إلى السؤال التالي: مؤخراً كان هناك نقاش في باكستان مفاده أنه لا يجب اعتبارك فنانة باكستانيةلا يتم ذكرك في سياق المنمنمات المعاصرة لأنك كفنانة تبلورت هنا في الولايات المتحدةكيف تشعرين حيال هذا الطرح في ضوء دراستك وتدريبك كفنانة، وانخراطك مع اللوحة التقليدية وحسك المعاصر؟

شازيا: أود القول أني ظهرت كفنانة في البدايات الأولى للحركة، حالما تخرجت طُلب مني التعليم جنباً إلى جنب مع أحمد، وهي المرة الأولى التي يمنح فيها أحد طلبته فرصة التدريس معه، مما جذب عدداً كبيراً من الطلبة للتخصص في دراسة المنمنمات، والكثير منهم لديهم معارض الآن في جميع أنحاء العالم.

ديساي: يصبح تعريف المنمنمات المعاصرة مختزلاً للغاية عندما يُعرف ببساطة على أساس الموقع الجغرافي. هل تعتقدين أن ذلك من أسباب عدم اعتبارك فنانة منمنمات في باكستان الآن بعد أن أصبحت نجمة دولية، ولست جزءاً من المشهد الثقافي الباكستاني؟

شازيا: الأسباب أكثر من ذلك كثيراً، إنها أسباب سياسية، إلى جانب ذلك المسألة لم تعد تقلق كوني شهيرة دولياً أم لا، الجميع الآن في القارب ذاته بشكل أو بآخر، والكل يشارك بمعارض في مهرجانات الفن الدولية، والعديد من رسامي المنمنمات المعاصرين من باكستان يعيشون أيضاً خارج البلاد. إن عدم تضميني في كتب الدراسات عن المنمنمات المعاصرة هو طريقة لاستبعادي بالمعنى السياسي، وأعتقد أنه جزء من التفكير السياسي الذي يلاقي رواجاً، ويتناول الموضوعات على أساس “المحلية” و "العالمية"، فالعلاقة بين المحلية/ العالمية كانت دائماً جزءاً من حوار أكبر، وأعتقد أنه أكثر وضوحاً الآن لأننا نعيش في النظام الرأسمالي المعولم أكثر بكثير مما كان عليه الحال في الماضي، ومن هذا المنظور يمكن أن ينظر إلى تدفق أعمال المنمنمات المعاصرة كردة فعل على الرأسمالية المتطرفة للسوق الدولية اليوم. كانت تلك النزعات أقل وضوحاً أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وفي هذا الصدد بدأت مشاركتي بفن المنمنمات في الوقت الذي كان أقل عرضة للسوق المعولمة، وقد أتاح لي ذلك الفرصة لتجسيد توجهي في هذا المجال.

THE CYPRESS, DESPITE ITS FREEDOM, REMAINS CAPTIVE TO THE GARDEN, 2012, HD digital projections, installed at Khorfakkan Cinema, Sharjah, 2012. Courtesy the artist and Sharjah Art Foundation.

PERILOUS ORDER, 1989-97, transparent and opaque watercolor on hand-prepared wasli paper, 26 × 20 cm. Collection of Whitney Museum of American Art, New York. Courtesy the artist and Whitney Museum.
PERILOUS ORDER, 1989-97, transparent and opaque watercolor on hand-prepared wasli paper, 26 × 20 cm. Collection of Whitney Museum of American Art, New York. Courtesy the artist and Whitney Museum.
PreviousNext

REINVENTING THE DISLOCATION, 1989–1997, transparent and opaque watercolor on hand-prepared wasli paper, 33 × 23 cm. Collection of Whitney Museum of American Art, New York. Courtesy the artist and Whitney Museum.

ديساي: يمكن القول إنه في التاريخ الباكستاني لفن المنمنمات المعاصرة، أنت شخصية انتقالية لكنك في الطليعة أيضاً، لأنك بدأت في وقت مبكر، وتعلمت من أحمد، ثم شاركت فينقد واع للشكل، وهو توجه كان سائداً في خطاب ما بعد الحداثة طوال العقد الماضي.  لذلك؛ في مرحلة مبكرة من حياتك المهنية كنت انقلابية، وانتقالية كذلك، لأنك كنت في الطليعة.لكن اسمحي لي طرح سؤال: أنت الآن تعيشين هنا في نيويورك، وقد حققت حياتك المهنية في الغرب. ففي عام 1990 كنت تعتبرين تعتبرين فنانة باكستانية تعيش في نيويورك،والآن يبدو أنك تعتبرين فنانة باكستانية المولد: أنت الآن فنانة عالمية. هل يهمك كيف يتم التعريف بك؟

شازيا: أنت محقة بالقول إن عملي في وقت مبكر كان انتقالياً، لأني خلقت جسراً من التقليدية إلى المعاصرة، ويمكن أيضاً وصفه أنه تحويلي، لأن عديدين حذوا حذوه، وكان العمل الذي قدمته في لاهور بين عامي 1987 و1991 هاماً، لأنه في المقام الأول قاوم المتطلبات المهيمنة حينها، وهو إنتاج تصور معاصر للطقوس التقليدية. لقد تحدى عملي الفرضيات السائدة، إذ أدخلت ما هو شخصي وما هو غير قابل للترجمة مع غموض الشباب وتغير الهوية المستمر، واعتمدت السرد كصورة متحركة، ومساحة الصورة كفضاء لا نهائي، وأعتقد أن المحلية هي تركيب ملوث، وأجد المفهوم إشكالي إلى حد كبير- إنه يحتاج إلى نقد لأنه أصبح محصوراً، فعلى سبيل المثال دعينا نقول إن القيّمين على المتاحف يسافرون إلى موقع معين- أصبح هناك توجه متزايد على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك بالنسبة إليهم للذهاب و"اكتشاف" شيء ما، إن هذه الفكرة إشكالية للغاية إذا تمعنّا بها وبسلوك القيّمين على المتاحف؛ نجد هناك تواطؤ إلى حد ما في فكرة الاكتشاف، وكذلك هناك طريقة استعمارية في فهم الآخر.

ديساي: التفكير الذي يعتمد على مقولة  “لا وجود لك حتى اكتشفتك” وراء ذلك السلوك. أتذكر أوائل التسعينيات عندما بدأنا العمل على الفن الآسيوي المعاصر في جمعية آسيا؛الكثير من المشرفين على المتاحف والمعارض كانوا يتصلون بي ويقولون: (أود الذهاب إلى تايلاند، فهل يمكنك تزويدي بأسماء اثنين من الفنانين؟) أو (أريد أن أضمّن معرضيفناناً من آسيا، هل بالإمكان إعطائي بعض الأفكار؟). في النهاية قلت: (هل يمكنك فعل ذلك مع الفنانين الألمان من دون دراسة المكان والموقع والسياق؟)، ووجدت ذاتي في مواقفاضطررت فيها لقول: (لن أفعل ذلك، اذهب بذاتك إلى هناك، أجرِ الدراسة والبحث اللازمين عن الموضوع، ومن ثم يمكن أن نتحدث)، أيضاً مثل هذا التفكير يطرح السؤال عمن هوالفنان “الأصيل” من مكان ما الذي يمكن أن يمثل أمة ما؟ وسؤالي لك هو: عندما يقول شخص – كما قيل في المهرجان الأدبي في لاهور في هذا العام – شازيا ليست فنانةباكستانية، ما هو شعورك شخصياً؟ وكيف يؤثر ذلك الأمر على تاريخ المنمنمات، سواء كنت مشمولة ضمن هذا التاريخ أم مستثناة منه؟

شازيا: بادئ ذي بدء، إن هذا يعتمد على من قال ذلك، لأن ذلك يساعدني في تسليط الضوء على السياسة المحلية، إذ أعتقد أن هناك إستراتيجية تؤمن أن تكرار أفكار معينة يكفي لجعلها حقيقة واقعة، كما تعلمين عندما تكررين شيئاً ما في كثير من الأحيان فإن ذلك يكون كافياً كي يصبح حقيقة واقعة، لذلك فإن هذا النوع من الخطاب يسهم في سياسات الاستبعاد، ويسهل إعادة كتابة التاريخ، وهي ظاهرة شائعة لا سيما في بلدان مثل باكستان التي لديها قضايا هامة لم تحل حول هويتها، فضلاً عن التسلسلات الهرمية الراسخة للسلطة.

ديساي: من المفارقات أن الفنون هي من الأشياء القليلة في العالم التي لديها قدرة على تجاوز المكان والسماح لبناء علاقات، وفي ذات الوقت إنتاج الفنون أيضاً في مكان معين،وبالتالي يمكن للفن تسليط الضوء على الخاص والسائد إلى حد ما، فهذا التوتر بين إمكانيات التواصل عبر الثقافات وإمكانيات كونها من مكان محدد؛ يخلق دينامية ويحدد كيفيةمقاربة الفنون في العالم اليوم. للفنون القدرة على التحرك في مختلف الاتجاهات، وهذا هو سبب شعوري أنه ليس من المفيد خلق الممارسة الإقصائية التي تقول: (هذا صحيحوهذا خاطئ)، فالفنون تتحدى ذلك النهج، خاصة في بلد مثل باكستان الذي لديه تاريخ من القيود والحكم العسكري، والفنون لديها دائماً القدرة على مقاومة تلك الظروف بطريقة ما،لذلك الاقصاء مؤسف، لكن، وعلى الرغم من قولي ذلك، إلا أني سأتخذ الموقف المعاكس وأسأل، ما الفرق بالنسبة لك؟ ها أنت فنانة معترف بها دولياً، متزوجة وعندك ابن رائع،تسافرين إلى أماكن مختلفة ولك معرض في الشارقة، وبرلين، ولندن…

شازيا: بالطبع هناك فرق كبير بالنسبة لي.

ديساي: تمام، تفضلي أخبريني ما هو هذا الفرق الكبير؟ 

شازيا: هناك فرق كبير جداً لأن حياتي لم تبدأ بعد أن تركت باكستان، وإن تم حذف الفترة بين عامي 1986 و1993  التي كنت خلالها ناشطة في مجال الفن في باكستان – كما هو الحال في منشورات الفن المعاصر وفن المنمنمات في باكستان – فإن ذلك سيعيد كتابة سيرة حياتي الفنية بعد عقدين من الزمن بطريقة مغايرة تماماً. إن استثنائي من تاريخ المنمنمات المعاصر – برأيي- يخدم إعادة صياغة مفاهيم الأصالة من قبل المحليين في الداخل، ومن قبل أؤلئك الذين يأتون من الخارج كي يكتشفوا الفن المحلي. إن محاولة إقصاء المرء وحذف جزء من تاريخيه من قبل شخص ما – أياً يكن – من الشرق أو من الغرب، محلي أو عالمي – لايهم، أي محاولة إقصاء لأي شخص كانت هي مسألة شخصية، تصبح معبأة وعارمة، وتصبح تعبيراً عن كل ما نناضل من أجله، وكفنانين؛ أليست هذه هي الأمور التي نتبناها ونتخذ مواقف تجاهها هي المسائل التي تتعلق بكتابة تواريخ ثقافاتنا؟     

ديساي: هل هذا سبب مغادرتك؟

شازيا: إن فكرتُ لمَ غادرتُ فإن هناك أسباباً كثيرة، وليست المغادرة أني تركت إلى غير عودة، فأنا أسافر إلى باكستان بانتظام، فأنا مرتبطة جداً بأسرتي وأصدقائي، وقدمت أعمالاً هناك في العقد الأخير، لم يكن الهدف السفر للولايات المتحدة، ونيويورك لم تكن الوجهة الهدف، في الحقيقة لم أتصور ذاتي يوماً جزءاً من الجالية. دائماً كان هناك اختيار، فالمرء يختار أين أن يريد أن يكون، بهذا المعنى يكون الاختيار موجوداً، وإن معظم أعمال المنمنمات موجودة في المتاحف الغربية، وقد كان من الهام جداً بالنسبة لي السفر لدراستها في أماكن تواجدها، وكذلك فإن البعد يخلق نوعاً من الموضوعية، موضوعية تجاه تاريخك وممارساتك التي تجبرك أن تصبحي في مكان ليس من السهولة التنبوء به، وليس مريحاً، كان من الصعب أن أكون من دون راحة، ومن دون زملائي، لكني وجدت أني أختار وضع ذاتي في مواقف أصعب، وكانت تلك طريقة كي أكون أقل خنوعاً للواقع، لأتعلم شيئاً ما، ولأكتشف شيئاً ما.  

ديساي: إذن ليس صحيحاً أنك لا تتعاطين مع باكستان؟ 

شازيا: أتعاطى مع باكستان؟ أم مع المجتمع؟ ما هو المجتمع الذي نتحدث عنه؟ هناك الكثير من الفنانين في العالم الذين أتواصل معهم، وفكرة المجتمع غير قابلة للتحديد، بهذا المعنى أعتقد أن الفكرة الاستعمارية للذين يأتون من الخارج لاكتشاف شيء جديد تُكرر وتُكرس في السياسات المحلية، فالمحليون يقررون طريقة التعبير عنها وفق التسلسلات الهرمية للسلطة، وهرمية السلطة المحلية هي ما كنت أنتقده في اختياري العمل في المنمنمات، ففي كلية الفنون الوطنية كانت المنمنمات مغيبة تماماً، ولم تكن مثيرة بما يكفي ليتخصص فيها الطلبة، فاخترت الوقوف مع الفنان المهمش بشير أحمد، ليس فقط كي أكون ضد التيار، إنما لأتحدى اعتقاداتي الشخصية الجاهلة عنه وعن أعماله، ومن المفارقات أن فن المنمنمات المعاصر أصبح تجارياً إلى حد كبير اليوم.

ديساي: أليست تلك طبيعة العولمة؟ لم يعد بالإمكان أن نعتبر أي شيء حصرياً محلياً، أو أن العالمي يمكن أن يكون موجوداً من دون المحلي. وحقيقة ماذا نقصد بكلمة العولمة؟بالنسبة لي المفهوم يعتمد على التواصل واعتماد العالم على بعضه، ولهذا فإن المفهوم متغير.. أنت تقولين إن الواقع المتغير بطبيعته يفقد ماهيته عندما نتبنى ممارساتاستقصائية إن كانت في مجال الفن أو السياسة، وهذا ما يجب علينا الوقوف في وجهه.. شازيا، أتطلع أن أرى إلى أين ستأخذنا أعمالك القادمة، وأتمنى لك التوفيق في إستانبول.   

PARALLAX, 2013, three-channel HD animation with surround sound, installed at the Sharjah Biennial, 2013. Courtesy the artist and Ian Forster, Art21.