ثمة متعة لطيفة في مشاهدة أعمال غير مألوفة ناجحة وهامة معروضة في مكان جميل، و(ضوء ماقبل الفجر: الفن الصيني غير الرسمي بين عامي 1974و1985) يفي بهذا الوصف في أحضان صالة عرض مجتمع آسيا – هونغ كونغ الجميلة المقببة بالغرانيت، وقد صور هذا المعرض الحياة البسيطة لثلاث حركات فنية غير رسمية تمثل ما بعد الثورة الثقافية الصينية، وما قبل بداية الفن الصيني المعاصر.
مجموعة فناني النجوم زينغ زينغ في بكين هم الأبرز اليوم، وبناء جدار الحرية في العاصمة عام 1978 ألهم الفنانَين هوانغ روي وما ديشينغ لتنظيم معرض لـ23 فناناً معظمهم من المجلة الأدبية (Today) في أيلول/ سبتمبر 1979، حيث تم تعليق 150 عملاً فنياً على السور المحيط بصالة عرض الصين للفنون الذي أصبح اليوم المتحف الوطني للفنون، وقد تزامن المعرض مع معرض داخل الصالة أقيم في الذكرى الـ30 لقيام جمهورية الصين الشعبية، وبعد 4 أيام تم نزع الأعمال، إلا أن ذلك قاد إلى أكثر من 700 مظاهرة زحفت إلى ساحة تيانانمان يقودها على عكازات"ما" الذي يعاني من الشلل.
كانت في مجتمع آسيا لوحات نموذجية لأعمال هوانغ الملونة ذات الطابع الحديث، ولأعمال كو ليلي المتأثرة بالفنان الفرنسي جان كوكتو ورسوماته ذات الأشكال الهندسية، وأعمال لي شوانغ الخشبية التعبيرية، إلا أن أعمال وانغ كيبينغ الفنان في الحفر على الخشب هي التي بقي لها تأثير كبير يتماشى مع الأحداث التي نشهدها اليوم، وخاصة احتجاجه السياسي في أعماله (الصمت)/1979.
إن عرض أعمال الفنان آي ويوي بين عامي 1986 و2006؛ يبدو غريباً، حيث تم ذلك بعد انحلال المجموعة وانتقال ويوي إلى نيويورك، فمن وجهة نظر منظمي المعرض كان الأجدى عرض أعمال الفنانين الأقل شهرة، سيما وأن الرسم بالحبر التجريبي لفنانة شانغهاي كاوكاوشي (مجتمع العشب) حصل على عرض أقل أهمية، إلا أن المجموعة تعطي فكرة عن عودة طبقة من الفنانين من الجيل القديم والمتأثرين سياسياً بعد وفاة الزعيم ماو، وكثير من الفنانين الذين اشتركوا في المعرض المختصر في شباط/ فبراير 1980 تحت إشراف الفنان الشاب المثالي كيو ديشو؛ كانوا قد بدأوا كفنانين قبل الثورة الثقافية، وكانوا أكثر ميلاً للتعبير الذاتي والتجريد.
إن اختيار مجتمع آسيا عرض أعمال فنية دون سواها يبدو عشوائياً بعض الشيء، فعلى سبيل المثال تم عرض لوحيتين مائيتين للفنان تشين جويوان من عام 1975، ومع ذلك لا يزال ذلك شاهداً على حركة الازدهار القصيرة التي شهدتها شنغهاي التي تحاكي الحداثة الأوروبية.
وعلى الرغم من بساطة الأسلوب في الأعمال الأولى لهذه الحركة – مجموعة ويمنغ (بدون اسم) غير الأكاديمية التي تشكلت عام 1972 – إلا أن النصيب الأعظم من اهتمام المعارض كان لها، فقد حصلت أعمال أفراد المجموعة على اهتمام أكبر في السنوات الأخيرة، وإن مشاهدة أعمالهم الأولى لا تزال مؤثرة جداً، وهذه الأعمال الصغيرة والعفوية التي تصور مشاهد طبيعية وطبيعة صامتة؛ تبدو كأنها نتاج شخص واحد، حيث تجسد المتعة المشتركة لجميع هؤلاء الفنانين في سبر إمكانات اللون، وإن رفض الواقعية الاجتماعية من أجل الشاعرية البرجوازية بالرسم في الهواء الطلق بحيث يكاد يكون هناك أي شخص في تلك الرسومات؛ كان في حينه عملاً ثورياً في وقت عصيب.
ليس من العدل ذكر أعمال بعض هؤلاء الفنانين التي عُرضت في مجتمع آسيا، إلا أن زانغ وي بأعماله الجريئة باستخدام اللون، وريشة تيان شيوينغ ذات الخطوط المميزة، واستخدام شي زيني ألوان زيتية، كلها أعمال ساحرة، والمعرض أيضاً كان موفقاً في اختيار الأعمال التي سبقت معرض ومينغ الرسمي الأول في شهر تموز/ يوليو 1979؛ وإن المزيد من المعلومات عن فناني حركة النجوم زينغ زينغ موجود في كاتلوجات العالم الغربي، وفي وسائط التواصل، فهذه الأعمال لا تزال مثيرة للاهتمام حتى اليوم، وقد دفعت الكثير من الفنانين الشباب نحو التجريب في الثمانينيات.
قد ينتقد المثقفون عدم وجود منظور جديد في هذا المعرض، إلا أن إعادة دراسة الماضي تروي غرور المشرفين على المعارض، أكثر مما ترضي الجمهور العام، والخلل الوحيد في ذلك كله كان الفيلم الوثائقي الذي تحدث عن المثقفين الشباب الذين يبحثون عن الحقيقة الروحية، وهم الذين أُجبروا تحت وطأة جبروت نظام قمعي على العمل إلى جانب الفلاحين وعمال المصانع، لكن (نفوسهم المستقلة كانت لا تزال ذكية واعدة)، فقد اجتمع الفنانون في نيويورك 2011، وذهلوا بسبب وفرة معدات الرسم في المتاجر قبل أن يصوروا الخضار في سنترال بارك، ومع موسيقى السوفت روك التصويرية قد يتعدى الفيلم كونه توصيفياً عن الحركة الفنية، فيتحول تقريباً إلى مديح مبتذل للحلم الأمريكي، وقد كان الاعتراض الوحيد لهذا التصوير من قبل الفنان زينغ زيان الذي أخبرنا أن والده قضى فترة من حياته وهو يعمل في مخيمات العمل، فبيّن لنا أن حقيقة الإنتاج الفني قد تكون أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. قال زيان: (إن ما وفرته بيئة ما بعد الثورة الثقافية أعطانا الفرصة لننتج ما أنتجناه).