الابتكار مقابل التقليد، الفن الراقي مقابل الحرفية، المحلي مقابل العالمي.. ما الذي تعنيه تلك المفاهيم اليوم؟
منذ عام 1993 قدمت مجلة “آرت آسيا باسيفيك” فنانين من جزر المحيط الهادئ طرحوا طرائق جديدة للصناعة، وأبدعوا أعمالاً قد يعتبرها الكثيرون في عالم الفن تقليداً، بينما يُعتبرون هم في محيطهم معاصرين، وتحديداً خلال التسعينيات.
حين كانت الهوية السياسية موضوع نقاش ساخن؛ اختار فنانو آسيا والمحيط الهادئ في الولايات المتحدة وبلدان أخرى إبداع فنٍّ بلغاتهم المحلية التي لم تكن ذات طابع غربي واضح، وبعد 20 عاماً حظي الكثير من هؤلاء الفنانين باعتراف وتقدير كبيرين، فيما واجه آخرون ردود فعل سلبية تجاه مساهماتهم، وفي عدد المجلة هذا أيلول/ سبتمبر – تشرين الأول/ أكتوبر؛ نسلط الضوء على الفنانين والأنواع الفنية التي لا تزال تنخرط في تلك النقاشات الهامة.
تدرس افتتاحية المجلة أعمال الفنان إف إكس هارسونو، وهو الذي لعب دوراً كبيراً بتاريخ الفن المعاصر في إندونيسيا، فقد سافر محرر مجلتنا إتش جي ماسترز إلى جاكرتا وهونغ كونغ، وقابل هارسونو، فتحدثا عن مسيرة الفنان خلال 4 قرون، وناقشا الاضطرابات التي مرت بها إندونيسيا خلال مرحلة الانتقال من مستعمرة هولندية إلى بلد مستقل – لكن عنيف -، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، وفي السبعينيات والثمانينيات ابتكر هارسونو وأقرانه صيَغهم الخاصة لفن ما بعد الحداثة، ومؤخراً تعمّق في تاريخ بلاده العنيف، وفي التعامل المروع والإبادة للجماعات الصينية – الإندونيسية، وهو تاريخ تم حذف معظمه من نيويورك.
الرئيس الفخري لجمعية آسيا، والمستشار الخاص للشؤون الدولية في جامعة كولومبيا فيشاخا. ن. ديساي؛ زارت الفنانة الباكستانية شازيا إسكندر، وناقشت وإياها مناقشة الطبيعة العالمية لأعمالها، ففي بدايات التسعينيات ساعدت إسكندر في إعادة إحياء فن المنمنمات الهندي- الفارسي الذي ازدهر في تلك المنطقة خلال القرنين الـ16 والـ17، فعلى الرغم من تاريخه الغني؛ لم يحظ ذلك الفن العتيق باهتمام الطلبة في مدارس الفن الباكستانية كاختصاص لدراستهم، واليوم وبفضل النجاح العالمي للفنانة إسكندر أصبح فن المنمنمات المعاصر مزدهراً.
وفيما يتعلق بالرسم الحبر الصيني الذي تقليد عريق آخر يشهد حالياً عملية إحياء، فإن تيفاني واي- ينغ بيريز المشرفة على المتاحف المستقلة والمقيّمة في بكين؛ هي فنانة متخصصة بالرسم بالحبر، وهي تعرف جيلاً جديداً من الفنانين الشباب لاحتضان ذلك الفن الذي يصل عمره إلى ألفي عام.
في سيؤول قابل محرر المجلة جايون تشوا الثنائي مون كيونغون وجون جونو المعروفين بأسلوبهما الذي يستخدم مقاربات مختلفة تعتمد على الفيديو غالباً، وعلى الفن المركب والنحت، وقد حصل الفنانان مؤخراً على عدد من الجوائز المرموقة، ودعوات لمعارض مرموقة، كما شاركا في دوكيومينتا 13، ونالا العام الماضي جائزة المتحف الوطني للفن الحديث لكوريا، وقد تحدث مون وجون عن عشقهما للجمال والطوباوية والفن البريطاني والحرف.
وبالنسبة لمشروعنا الذي حضّرنا له مدة عام كامل من أجل الذكرى الـ20 لمجلتنا، ومحاولتنا إيجاد أعمال ومفاهيم غير تقليدية منذ عام 1993 وحتى اليوم؛ قامت عميدة كلية الفنون المرئية والتصميم في جامعة بيكون هاوس الوطنية في لاهور سليمة هاشمي بتقديم عمل الفنانة داريا كازي (آرت كارافان)، وهو مشروع فني يتنقّل في شوارع باكستان منذ عام 1994، وبما أن رانجيت هوسكوت في مومباي فإنها تتذكر معرضاً أقيم عام 1993 للفنان الهندي بوبين خاخار، كما تتذكر هيساكو هارا أول مرة شاهدت فيها العمل الفني (المطبخ الياباني)، وهو من أعمال فنان لوحات الفيديو تابايمو الذي قدمته كمعرض لمشروع تخرجها عام 1999، فيما يحدثنا كيفن جونز عن مشروع حسن شريف (تجارب وأشياء)/ 1979- 2011؛ الذي نظمته هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة حالياً) عام 2011.
وفي باب مقالات يقدم لنا أولي سيغ أحد أبرز هواة جمع الفن الصيني المعاصر تقييمه للأساليب المختلفة لتجميع الأعمال الفنية من خلال خبرته وتجربته في مجال الفن الأسيوي الذي يتنامى بسرعة، فيما تقدم أمينة المتاحف نات مولر مقاربة لتغيرات الساحة السياسية في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الثلاث الأخيرة، أما المحررتان المساعدتان في مجلتنا نويل بوديك وسيلفيا تساي فتجسّان النبض من خلال لحظة في لمحات. كما حادثت تساي الفنانة الأندونيسية ميلاتي سوراييمو، وهي واحدة من فنانات الرقص التعبيري القليلات في آسيا الجنوبية، والتي تتلمذت على يدي مصصمة رقصات الـ"بوتو" اليابانية أنزو فوروكاوا، وعلى يدي عرابة الفن التعبيري المعاصر الفنانة ماريانا أبروموفيك، في حين تجول بوديك في شوارع هونغ كونغ مع أدريان ونغ الذي صمم مؤخراً ونغ دنغ.
وعشية افتتاح بينالي إستانبول الـ13 قابل إتش جي ماسترز المشرفة على المهرجان فوليا إيرديمسي، ليناقش معها الإطار النظري للمهرجان والمكان العام بوصفه منتدى سياسياً، وأهمية ذلك بعد مظاهرات الحديقة العامة غيزي في الصيف الماضي.
وفي هذا العدد من المجلة تقدم لنا من اليابان المحررة آشلي رولينغز نظرة على العقدين الماضيين، في محاولة فهم التفاؤل الحذر التي نجده في عالم الفن اليوم، في حين نتحدث في باب واحد على واحد عن الفنان مينغ وونغ من سنغافورة، وكيف استلهم من لوحة فلاديمير تريتشيكوف (الفتاة الصينية)، وقدم قصيدة كتبها تكريماً للفتاة التي كانت النموذج للوحة مونيكا سينغ – لي، وفي محور العدد تناقش الخبيرة المخضرمة في كريستيز دَور مراكز المزاد في تعميق النقاش حول الفنون، وخصوصاً في الأسواق الجديدة التي تشهد نمواً سريعاً.
مرسم الفنان دينه كيو لي في مدينة هوشي منّه في فيتنام، والذي يعج المرسم بالأنتيكات وبمشروعاته الفنية التي تعتمد على الأرشيف؛ جاء في باب حيث أعمل، وذلك بينما كان يحضّر الفنان لمعرضه القادم في الولايات المتحدة، وهو معرض للصور التاريخية من الحرب الأمريكية على فيتنام يذكرنا أن الهوية والذاكرة والتاريخ كلها مفاهيم ستحمل دوماً دلالات فنية.